د. وحيد عبدالمجيد
وسط فيض من التهافت والسطحية والفجاجة طغى على مسلسلات رمضان هذا العام أيضا، وقليل من الأعمال الهادفة, يبرز مسلسل «عد تنازلي» باعتباره الأفضل بسبب محتواه الذى يقدم رسالة بالغة الأهمية فى وقتها، فضلاً عن المستوى الفنى الجيد.
فالمسلسل ينبه إلى مشاركة الدولة فى صنع الإرهاب الذى يهددها نتيجة بعض الممارسات الأمنية العمياء التى يطول بطشها أبرياء يمكن أن يتجه بعضهم الى دعم الإرهاب من أجل الانتقام بسبب فداحة الظلم الذى يتعرضون له. وتشتد أخطار هذا الظلم حين يكون بين ضحاياه من يمتلكون مهارات تقنية وعقولاً مبدعة كان يمكن أن تساهم فى تقدم الدولة والمجتمع بدلاً من أن يصبح أصحابها أدوات للتخريب بهدف الانتقام.
فالظلم ظلمات، والبطش الأعمى يقود إلى عنف أكثر عمي، والعنف لا ينتج إلا عنفاً. وهذه هى رسالة المسلسل من خلال قصة د. سليم أستاذ الهندسة المبدع الذى يجَّسد دوره الفنان المتميز عمرو يوسف عندما يقرر مساعدة جماعة إرهابية بعد القبض عليه ظلماً وتعذيبه لمجرد أنه سأل عن ذنب تلميذ لديه تعرض للبطش. فقد تسبب هذا الظلم فى كارثة لأن المظلوم يستطيع ابتكار وسائل جديدة للتفجير ويفرض على جهاز الأمن أعباء هائلة يمكنه تجنبها إذا التزم بالقواعد المهنية فى مواجهة الإرهاب وطبقها بجدية وعاقب من يتجاوزها بشجاعة وبعيداً عن قصة أن معاقبة التجاوز تؤدى إلى التراخى لأنها مهينة لأغلبية فى هذا الجهاز يحرصون على تلك القواعد .
وإذا كان الفنان عمرو يوسف نجح فى أداء دور من يتحول باتجاه مساندة الإرهاب كرد فعل دون أن يكون مؤمناً به كوسيلة للتغيير، وتمكن من ضبط هذا الفرق، فقد أبدع الفنان سيد رجب فى تجسيد دور أمير جماعة إرهابية تقليدية. وكان إبداعه فى إجادة التعامل مع شخص يتعاون مع الجماعة دون أن يكون عضواً فيها ويحرص على استقلاله عنها. وهذه حالة قد يكون صعباً على أمير جماعة حقيقى التعامل معها فى الواقع. ولكن سيد رجب جسَّدها ببراعة من خلال ما أبداه من انفعالات تكاد أن تكون مضبوطة بمقياس دقيق.
والتحية أيضاً لمؤلف المسلسل تامر إبراهيم ومخرجه حسين المنباوى اللذين قدما عملاً رائعاً يدق جرس إنذار فى وقته من خلال قالب درامى مثير ومشَّوق وتضيف كل حلقة فيه جديداً على نحو يندر مثله الآن فى الدراما المصرية، والعربية عموماً.