عبارة الاعتراف بالحق فضيلة ليست حديثا نبويا كما يظن البعض، ولكنها عبارة مأثورة يطرحها العقلاء والحكماء من أجل توجيه الناس إلى الطريق المستقيم، فليس الخطأ أن نقع فى الخطأ وإنما هو الاستمرار فى فعل هذا الخطأ، والنفوس القوية فقط هى من تعترف بالخطأ وتلجم نفسها عن فعله مرة أخرى، وكذلك فإن الاعتراف بالفشل هو أول طريق النجاح، وثقافة الاعتراف بالفشل هى جزء من مواجهة النفس، كما أنه فضيلة أكبر من الاعتراف بالحق، وكما يقال فإن النجاح له ألف أب ولكن الفشل غالبا ما يولد يتيما!. ومنذ تسلم الرئيس السيسى زمام الحكم وحتى الآن فإن حركة التعمير والإصلاح لا تتوقف لحظة واحدة فى كل أنحاء البلاد، وهو ما نراه جميعا رأى العين، كما أننا نتوقع وقوع أخطاء لأنها سنة الحياة ولكن يبدو أن بعض الأجهزة الحكومية لا تعترف بذلك وتفضل التكتم والتجاهل واستغلال ظاهرة النسيان.. والأمثلة كثيرة وآخرها ما حدث فى الساحل الشمالى من تنظيم مرورى وإنشاء كبارى بذل فيه جهد كبير من أجل راحة المواطنين، ولكن فيما يبدو كانت عليه ملاحظات، كما سمح باستخدامه قبل الانتهاء من إعداده فكان ما كان من ارتباك وخوف وقلق من المواطنين مما أدى إلى تدخل الرئيس لإصلاح الأمر، وسوف أضرب اليوم مثلين لهذا الأمر وأتمنى أن تتحلى الحكومة بفضيلة التأنى والاستعانة بالكوادر العلمية الكبيرة التى تزخر بها مصر.
أولا.. فشل إدارة المرور وتنظيم الشارع المصرى:
لا بد أولا أن ندرك أن مشكلة المرور والمشاة وعدم الانضباط هى أمن قومى كونها أحد المسببات الرئيسة لكثير من الأمراض العصبية والنفسية للمواطنين، بالإضافة إلى الإجهاد الجسمانى والعصبى وما يتبع ذلك من مشاكل لا حصر لها، وتمثل القاهرة أهم بؤرة لهذا التكدس حيث يتوجه إليها المواطنون من كافة المحافظات نتيجة وجود معظم الوزارات والهيئات الحكومية بها، وبذلك تتحمل طرق القاهرة مرور أكثر من 5 ملايين مركبة مختلفة فى رحلات الذهاب والعودة، ناهيك عن مواعيد دخول وخروج الطلاب من المدارس والجامعات وكذا خروج العاملين فى القطاعين الخاص والحكومى.. وعلى الرغم من الجهد الكبير الذى تبذله الشرطة فى هذ المجال- الذى لا يجب أن تتحمله وحدها- وبرغم صدور عدة قوانين لتنظيم المرور فإن علينا أن نعترف بالفشل ونستعين سريعا بالخبرات الأجنبية مع الخبرات المصرية الكبيرة التى تزخر بها كليات الهندسة فى مصر لإنشاء مجلس قومى تابع لرئيس الوزراء؛ لوضع استراتيجية شاملة للمرور وتنظيم الشارع قبل أن تستفحل الحوادث ونفقد المزيد من الأبرياء على الأسفلت، وخاصة مع التقدم السريع والمشكور فى إنشاء الطرق.. وهناك عدة مقتراحات:
1) تدريس مادة آداب المرور فى جميع المدارس بكل ما تشمله من مبادئ احترام الطريق وإشارات المرور واحترام حق المواطن فى العبور بلا خوف مع شرح مبسط لقانون المرور.
2) منح الضبطية القضائية لرجال المرور مع تخصيص عدد كاف من المركبات الشرطية الصغيرة لتجوب الشوارع على مدى اليوم لضبط المخالفين، وتحديد غرامة لا تقل عن ألف جنيه على السرعة الزائدة تتضاعف عند التكرار ثم يتم سحب الرخصة وإعادة تأهيل السائق، وأتمنى أن نتوقف عن سياسة الكمائن التى لا وجود لها فى العالم من حولنا والتى تؤدى فقط إلى تعطيل المرور!.
3) تفعيل أكبر عدد من الكاميرات مع الإسراع فى إبلاغ المخالف ومضاعفة الغرامة عدة أضعاف وسحب الرخص، مع الاهتمام بوضع إشارات مرور حديثة تحل محل رجال الشرطة.
4) تقوم اللجان الهندسية بالتعاون مع المرور بمراجعة تخطيط الشوارع وتحديد أماكن العبور للمشاة.
5) تفعيل القوانين المعطلة الخاصة باستخدام الكلكسات بغير مبرر، وعدم وجود أى ملصقات على السيارة واستخدام الهواتف أثناء القيادة، واستخدام زجاج الفيميه وغيرها مع مضاعفة الغرامات الفورية.
6) على الدولة أن تدعم منظومة النقل العام وإشراك القطاع الخاص فى هذا المجال من أجل تغطية كل الشوارع فى جميع المحافظات، مما يقلل من استخدام السيارات الخاصة، مع وضع خريطة تفصيلية لسير كل مركبة، وأماكن الوقوف ومواعيد السير ومراقبة التحركات باستخدام التقنيات الحديثة.
7) وضع حد لمافيا سيارات الميكروباصات بمختلف أحجامها وأنواعها، والتى أصبحت مصدر قلق وإزعاج وتلوث بيئى، ناهيك عن الجرائم التى ترتكب عن طريقها، والأمر يتطلب إشراك القطاع الخاص بالتعاون مع المجلس القومى لاحتواء كل هذه المركبات تحت قانون واحد ملزم يشمل اختيار السائق بعد اختباره من حيث الكفاءة والخبرة والسجل الأمنى والصحى واختبارات المخدرات دوريا، وكذا تحديد المسارات بدقة وأماكن التوقف ووضع التسعيرة المتفق عليها مركزيا فى مقدمة السيارة.
8) تنظيم خاص لمركبات التوك توك يركز على منع قيادتها لمن يقل عمرهم عن 30 عاما، وبعد استيفاء كل الشروط السابق ذكرها لقيادة المركبات، وعلى كل محافظ أن يحدد أماكن تواجدها وخطوط سيرها فى الأماكن التى تحتاجها فقط والذى تحدده الجهات الهندسية.. وتشديد العقوبة على المخالفين.
ثانيًا.. فشل تحجيم الانفجار السكانى
لا يختلف اثنان على أن السكان فى مصر أحد عناصر قوة الدولة، وخاصة إذا علمنا أن المجتمع المصرى يعتبر مجتمعا فتيا حيث تشكل الفئة العمرية أقل من 15 عاما حوالى ثلث السكان (بنسبة 34.2 %) بينما تشكل نسبة كبار السن (65 عاما فأكبر) 3.9 % فقط فى بداية عام 2021.. إلا أن قدرة الدولة على الوفاء بالتزاماتها بتقديم الخدمات الأساسية بالجودة المناسبة محدودة، كما أن الزيادة السكانية تؤثر على متوسط نصيب الفرد من الموارد الضيقة.. ومن هنا كانت الحاجة الملحة لوضع استراتيجية واضحة المعالم لخفض معدلات الزيادة لإحداث التوازن المطلوب.. وللأسف الشديد فإن كل المحاولات الحكومية السابقة عجزت عن تحقيق الأهداف المطلوبة لكبح جماح الزيادة غير المنضبطة، وعلينا أن نعترف بذلك ونبدأ فى إعادة تنظيم المجلس القومى للسكان التابع لرئيس الوزراء، وأرشح شخصيتين لهما باع طويل فى هذا المجال.. الأول هو د أسامة رفعت شريف وهو طبيب مصرى يعمل كمستشار دولى للتنمية السكانية ومستشار لصندوق الأمم المتحدة للسكان وهيئة الشركاء فى التنمية السكانية (25 دولة) لتعاون جنوب جنوب، وهو صاحب مشروع (نادى الأسرة الصغيرة) الذى نشره عام 2014 وعرضه على وزارتى الصحة والسكان فى ذلك الوقت ولم يتحرك أحد!، ويقوم هذا المشروع على تشجيع المقبلين على الزواج وحديثى الزواج على ثقافة التخطيط لإنجاب طفلين مع منح الأم مكافأة مالية وأخرى عينية بالتعاون مع المؤسسات الخاصة والمجتمعية والخيرية.. والمرشح الثانى هو اللواء أبو بكر الجندى الرئيس السابق للجهاز المركزى للتعبئة والإحصاء، الذى أحدث نقلة نوعية فى عمل وهيكلة جهاز الإحصاء الأكبر فى مصر، وهو صاحب خبرة كبيرة فيما يخص المشكلة السكانية، وأفكار مهمة تشمل تنمية الثقافة السكانية بين الشباب ودمجها فى المقررات التعليمية، وتوفير وسائل منع الحمل بالمجان أو بأسعار رمزية بالتزامن مع تنمية المناطق الأكثر فقرا اقتصاديا واجتماعيا، والاستفادة من مشروع حياة كريمة لإتمام هذه المهمة الوطنية.
هناك بالقطع مشاكل أخرى كثيرة تحتاج إلى إعادة نظر وتعديل مسار من أجل رفعة هذا الوطن، وأتمنى أن يكون الحوار الوطنى المنتظر هو بداية الانطلاق.
على الدولة أن تدعم منظومة النقل العام وإشراك القطاع الخاص فى هذا المجال من أجل تغطية كل الشوارع فى جميع المحافظات، مما يقلل من استخدام السيارات الخاصة.