حفتر العائد من موت سريرى

حفتر.. العائد من موت سريرى!

حفتر.. العائد من موت سريرى!

 العرب اليوم -

حفتر العائد من موت سريرى

بقلم : مكرم محمد أحمد

ماذا يكون رد فعل جماعة الإخوان وكل جماعات الإرهاب وميليشيات الفوضى التى لا تزال تحكم عدداً من المواقع والمدن الليبية، إن ظهر المشير خليفة حفتر غداً أو بعد غد فى مقره الرسمى فى الرجمة خارج مدينة بنغازى شرق ليبيا عفياً يتمتع بكامل صحته قادراً على الاستمرار فى الحكم، وهم الذين روجوا فى العالم أجمع أنه يعانى تلفا فى الدماغ يصعب إصلاحه أو علاجه، وأنه فى حالة غيبوبة مستمرة ولن يكون طبيعياً مرة أخرى ! والأكثر احتمالاً أنه مات بالفعل موتاً سريرياً، لكنهم يتكتمون خبر موته إلى أن يتمكنوا من الاتفاق على شخصية مؤهلة تصلح لخلافته، يرجح المراقبون أن يكون رئيس أركان الجيش الوطنى الليبى عبدالرازق الناظورى الذى تعرض لمحاولة اغتيال أخيرة نجا منها سالماً!، وإن كان الأكثر احتمالاً أن يتولى المسئولية بعد رحيل حفتر الجنرال عبدالسلام الحاسى الذى يحظى بدعم مصر والإمارات، رغم أن أسرة حفتر تُصر على أن يكون إبنه خالد الذى يقود أحد أكبر كتائب ليبيا هو الذى يرث مكانة والده!، وأن رئيس مجلس نواب طبرق المستشار عقيلة صالح سارع إلى دولة الإمارات الثلاثاء الماضى للقاء ما سمى باللجنة المصرية الإماراتية قلقاً من ألا تكون «الطبخة» فى مصلحته!؟

وماذا سوف تكون ردود أفعال خصوم حفتر من الإسلاميين المتشددين والميليشيات العسكرية فى بعض أنحاء طرابلس ومصراته ودرنة، الذين صدقوا الإشاعة، ورتبوا أنفسهم على أن حفتر قد اختفى من المسرح السياسى الليبي، وأن الميليشيات يمكن أن تعيد سيطرتها على شرق ليبيا، وأن الجهود التى بذلها حفتر كى يكفل للجيش الليبى عناصر قواته وتتوحد المؤسسة العسكرية الليبية يمكن أن تندثر، وتعود ليبيا مرة أخرى إلى مربع الفوضى والفساد..، وأظن أن صدمة هؤلاء سوف تكون مضاعفة إن عرفوا أن المشير حفتر لم يكن يهتم كثيراً بتصحيح هذا السيل من الشائعات الذى ظل يكبر ويكبر دون نفى قاطع ربما ليضع أصحابها فى مأزق صعب يجعلهم أضحوكة الجميع، لأن ما حدث بالفعل لحفتر لم يكن أكثر من نزلة برد مصحوبة بسعال شديد، لكن الشائعات جعلت منها سكتة دماغية مفاجئة، ورغم أن ممثل الأمم المتحدة غسان سلامة استطاع أن يتواصل مع حفتر فى مستشفاه فى باريس، وناقش معه الوضع العام فى ليبيا كما تواصل معه آخرون أكدوا أن حفتر يجرى فحوصات طبية عادية، فإن الشائعة ظلت تكبر إلى أن صدق الجميع أن الرجل أُصيب بسكتة دماغية، وأن الجميع فى ليبيا ومصر والإمارات مشغولون بقضية خلافته، خاصة أنه لا يوجد على المسرح الليبى شخص يملك الكاريزما التى يملكها حفتر، قادر على إنجاز التحالفات العسكرية والقبلية والسياسية التى أنجزها حفتر، يتمتع بثقة الشرق والغرب والجنوب الليبي، وتؤازره معظم قوى الغرب الدولية خاصة فرنسا والمانيا والولايات المتحدة وروسيا، وهو الوحيد الذى يستطيع أن يضمن وحدة المؤسسة العسكرية الليبية، ويوحد شرق ليبيا تحت سلطة مركزية واحدة تحارب الإرهاب، وتُطهر شرق ليبيا من كل الميليشيات العسكرية والجهدية والعقائدية ويحمى مناطق البترول وحقوله وموانيه، ويحرس عملية الإنتاج لتصل إلى هذه المعدلات العالية.

وعلى امتداد الفترة الماضية قبل أن يذهب حفتر للعلاج فى باريس، كانت علاقات التعاون والتفاهم المتبادل والقدرة على العمل المشترك بين حفتر وفايز السراج رئيس المجلس الرئاسى تتوطد وتزداد ثقة متبادلة وتنجز أهدافاً ضخمة وكبيرة لعل أهمها وحدة الجيش الوطنى الليبى وتوحيد المؤسسة العسكرية الليبية، وكان الإثنان مشغولين تحت رعاية مصرية بسلسلة من الاجتماعات، هدفها الأول توحيد المؤسسة العسكرية وبناء جيش وطنى واحد فى الشرق والغرب والجنوب، وعلى امتداد عشرة أشهر عُقد أكثر من 60 جولة من المفاوضات بين العسكريين الليبيين من مختلف أنحاء البلاد، توافقوا جميعاً على خريطة توحيد المؤسسة العسكرية وإنشاء الجيش الوطنى الواحد فى مختلف ربوع البلاد، انطلاقاً من توافق حفتر والسراج على أن توحيد المؤسسة العسكرية الليبية يُمثل الشرط الأساسى الضرورى لأى استحقاقات أخرى فى المجال السياسي، خاصة أن الرجلين حفتر والسراج توافقا منذ البداية على خضوع المؤسسة العسكرية لسلطة مدنية حاكمة تتمثل فى المجلس الرئاسي. والأمر المؤكد أن مباحثات العسكريين من جميع أرجاء البلاد التى جرت على امتداد الأشهر العشرة الماضية فى الشرق والغرب والجنوب من أجل تصميم الهيكل الأساسى للجيش الوطنى الواحد نجحت فى إنجاز مهمتها، وتوجت اجتماعها الأخير باجتماع رؤساء أركان الجيش الذى ساده الود والاحترام المتبادل والبُعد عن الانتماءات الجهوية والعقائدية والتوافق على طرق إدماج الميليشيات العسكرية فى الجيش أو الأمن أو الجهاز الإدارى المدني، كل حسب إمكاناته وتخصصه وفق قواعد واحدة تسرى على الجميع، مع الحرص الشديد والرغبة المخلصة فى سد كل الثغرات المحتملة، خاصة أن الذين شاركوا فى هذه الاجتماعات يعتقدون أن توحيد المؤسسة العسكرية يُشكل النواة الصلبة للاتفاق السياسي، وقد شملت توافقات العسكريين الليبيين كيفية دمج الميليشيات العسكرية الأربع الكبرى الموجودة غرب ليبيا، خصوصاً ثوار طرابلس وقوة الردع وفق قواعد موحدة، وفى إطار بحث كل حالة على حدة حفاظاً على وحدة وتجانس المؤسسة العسكرية.

وربما يُشكل واحداً من أهم أسباب نجاح مصر فى رعاية جهود توحيد المؤسسة العسكرية الليبية أن الجيش الليبى الذى تشكل من المجاهدين الليبيين الذين حاربوا منذ أربعينيات القرن الماضى الاحتلال الإيطالى نشأ فى مصر قبل إستقلال ليبيا وكان مقره أبو رواش، وأن الأمم المتحدة والجامعة العربية ومعظم القوى الدولية كانت تُساند جهود مصر فى دعم المؤسسة العسكرية الليبية وإعادة إمدادها بالعتاد والسلاح وما من شك أن ضمور الدور القطرى فى تأجيج الأوضاع الليبية إلى حد يكاد يتلاشى مع تلاشى تمويل الكيانات والأشخاص قدأسهم فى سرعة الإنجاز، فضلاً عن أن عدداً من الدول الغربية بدأ مراجعة حساباته خاصة فرنسا والولايات المتحدة بعد أن أثبت المشير حفتر قدرته على تحقيق الاستقرار والحفاظ على وحدة الجيش الوطنى والخلاص من الميليشيات المُسلحة شرق ليبيا والقضاء على كل جيوبها، ومن المؤكد أن جزءاً كبيراً ومهماً من النجاح يعود إلى طبيعة الشعب الليبى الذى يكره العنف والتطرف وينشد الاعتدال، وينزع فى الأغلب إلى مسلك صوفى رقيق يرفض الشقاق والتناحر، ولا أدل على ذلك من الهبوط الضخم فى شعبية جماعات الإخوان التى تكاد تندثر وتتلاشي، والرفض الكامل لقيادات العصابات المسلحة التى تحكمت طويلاً فى مدن الغرب، اندثرت تماماً شخصيات من نوع المفتى السابق صادق العزيانى الذى قاد التطرف فى ليبيا، وأصبح عبد الحكيم بلحاح أحد أهم هذه القيادات فى تركيا لا يجرؤ على العودة إلى طرابلس فى ظروف وفاة والدته، وتسعى معظم الجماعات إلى إبراء ساحتها من التطرف خاصة بعد أن عايشوا عن قرب جماعات العائدين من سوريا والعراق أنصار داعش، الذين تدفقوا على ليبيا بعد هزيمة داعش، وفى تخطيطهم أن يجعلوا من ليبيا قاعدة جديدة لتنظيم داعش تهدد أمن مصر وتونس، خاصة أن معظم العائدين (6 آلاف مقاتل) وبنسبة تصل إلى 80 فى المائة هم من التونسيين، يتمركزمعظمهم فى مدينة درنة على مسافة 80 كيلو متراً من الحدود المصرية، لكن الجيش الليبى يحاصرهم، يكاد يغلق عليهم كل المنافذ. وباستكمال المؤسسة العسكرية لجهود توحيدها فى إطار دولة مدنية كى تصبح جيشاً وطنياً واحداً لكل ليبيا، ينفتح الطريق أمام المؤتمر الوطنى الليبى الذى يُنظمه المبعوث الأممى غسان سلامة لتحقيق المصالحة الوطنية الليبية بحيث تجرى الانتخابات التشريعية والرئاسية العام القادم فى إطار مسيرة وطنية يرعاها حفتر والسراج اللذان تتكامل جهودهما المشتركة وصولاً إلى الدولة الوطنية المدنية، حكومة واحدة وجيش واحد وقانونا واحدا يرعى الجميع.

لكن الدرس المستفاد من قصة حفتر وموته السريرى يُعلمنا مرة أخري، أنه رُب ضارة يكون نفعها أكبر مما نتصور، لأن اختفاء حفتر على امتداد الأسابيع الماضية جعل الجميع يفطنون إلى خطورة غيابه وأهمية أن يكون حاضراً فى الصورة، يرعى وحدة البلاد ووحدة المؤسسة العسكرية، ويضمن لليبيا طريقاً واضحاً يأخذها إلى الدولة المدنية بدلاً من فوضى الميليشيات التى تُمزق وحدة ليبيا وتُسيطر على أهم المدن الليبية، لقد كان الجميع يسأل خلال أسابيع الاختفاء أين حفتر، الغرب الذى فطن الآن إلى ضرورة استقرار ليبيا والولايات المتحدة وفرنسا اللتين صححتا موقفهما، والشرق الليبى الذى توحد تحت راية الجيش الوطنى وطهر أرضه من جماعات العنف، وجنوب ليبيا وغربها اللذين يتوقان إلى وحدة الوطن الليبي.

المصدر : جريدة الأهرام

المقال يعبّر عن رأي الكاتب وليس بالضرورة رأي الموقع

arabstoday

GMT 01:05 2024 الثلاثاء ,27 شباط / فبراير

حكاية الحكومات في فلسطين... والرئيس

GMT 02:47 2024 الثلاثاء ,20 شباط / فبراير

لماذا مدح بوتين بايدن؟

GMT 01:26 2024 الإثنين ,19 شباط / فبراير

سياسة في يوم عيد الحب

GMT 01:23 2024 الإثنين ,19 شباط / فبراير

كوارث التواصل الاجتماعي!

GMT 02:27 2024 الأربعاء ,14 شباط / فبراير

تستكثرُ علي بيتك؟

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

حفتر العائد من موت سريرى حفتر العائد من موت سريرى



GMT 10:34 2024 الأحد ,22 كانون الأول / ديسمبر

أفضل 10 وجهات سياحية شبابية الأكثر زيارة في 2024
 العرب اليوم - أفضل 10 وجهات سياحية شبابية الأكثر زيارة في 2024

GMT 10:29 2024 الأحد ,22 كانون الأول / ديسمبر

نصائح لاختيار قطع الأثاث للغرف متعددة الوظائف
 العرب اليوم - نصائح لاختيار قطع الأثاث للغرف متعددة الوظائف

GMT 13:32 2024 الأحد ,22 كانون الأول / ديسمبر

الشرع يبحث مع فيدان في دمشق مخاوف أنقرة من الإرهاب
 العرب اليوم - الشرع يبحث مع فيدان في دمشق مخاوف أنقرة من الإرهاب

GMT 17:11 2024 الإثنين ,23 كانون الأول / ديسمبر

عبدالله بن زايد يبحث آخر التطورات مع وزير خارجية سوريا
 العرب اليوم - عبدالله بن زايد يبحث آخر التطورات مع وزير خارجية سوريا

GMT 09:52 2024 الإثنين ,23 كانون الأول / ديسمبر

أحمد حلمي يكشف تفاصيل لقائه بتركي آل الشيخ وجيسون ستاثام
 العرب اليوم - أحمد حلمي يكشف تفاصيل لقائه بتركي آل الشيخ وجيسون ستاثام

GMT 10:40 2024 الإثنين ,23 كانون الأول / ديسمبر

الكرملين ينفي طلب أسماء الأسد الطلاق أو مغادرة موسكو
 العرب اليوم - الكرملين ينفي طلب أسماء الأسد الطلاق أو مغادرة موسكو

GMT 20:36 2024 السبت ,21 كانون الأول / ديسمبر

الأمير الحسين يشارك لحظات عفوية مع ابنته الأميرة إيمان

GMT 02:56 2024 الإثنين ,23 كانون الأول / ديسمبر

النيران تلتهم خيام النازحين في المواصي بقطاع غزة

GMT 17:23 2024 الأحد ,22 كانون الأول / ديسمبر

إنتر ميلان الإيطالي يناقش تمديد عقد سيموني إنزاجي

GMT 16:59 2024 الأحد ,22 كانون الأول / ديسمبر

نتنياهو يتوعد الحوثيين بالتحرّك ضدهم بقوة وتصميم

GMT 17:11 2024 الأحد ,22 كانون الأول / ديسمبر

اتحاد الكرة الجزائري يوقف حكمين بشكل فوري بسبب خطأ جسيم

GMT 02:52 2024 الإثنين ,23 كانون الأول / ديسمبر

مقتل 10 ركاب وإصابة 12 في تحطم طائرة في البرازيل

GMT 06:45 2024 الإثنين ,23 كانون الأول / ديسمبر

انفجار قوي يضرب قاعدة عسكرية في كوريا الجنوبية

GMT 17:04 2024 الأحد ,22 كانون الأول / ديسمبر

.. قتلى في اصطدام مروحية بمبنى مستشفى في تركيا

GMT 11:24 2024 الأحد ,22 كانون الأول / ديسمبر

إطلالات أروى جودة في 2024 بتصاميم معاصرة وراقية

GMT 10:40 2024 الإثنين ,23 كانون الأول / ديسمبر

الكرملين ينفي طلب أسماء الأسد الطلاق أو مغادرة موسكو

GMT 06:35 2024 الإثنين ,23 كانون الأول / ديسمبر

تعليق الرحلات من وإلى مطار دمشق حتى الأول من يناير

GMT 09:16 2024 الأحد ,22 كانون الأول / ديسمبر

أحمد العوضي يتحدث عن المنافسة في رمضان المقبل

GMT 20:44 2024 الأحد ,22 كانون الأول / ديسمبر

زينة تستعد للمشاركة في الدراما التركية

GMT 10:53 2024 السبت ,21 كانون الأول / ديسمبر

شام الذهبي تعبر عن فخرها بوالدتها ومواقفها الوطنية
 
syria-24

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Arabstoday Arabstoday Arabstoday Arabstoday
arabstoday arabstoday arabstoday
arabstoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
arabs, Arab, Arab