عودة الروح

عودة الروح

عودة الروح

 العرب اليوم -

عودة الروح

عمرو الشوبكي

عودة الروح هى رواية كاتبنا الكبير الراحل توفيق الحكيم، التى كتبها عام 1927 عندما كان طالبًا فى فرنسا، ونشرها بعدها بست سنوات، وكانت نتاج عوامل سياسية واجتماعية كثيرة، تأثر بها الحكيم ومعظم كتاب جيله بعد ثورة 1919.

عودة الروح كانت علامة فارقة بين مرحلتين فى تاريخ مصر، واستدعاء عنوانها مرة أخرى بعد الأداء الخارجى المصرى الرفيع والقوى، رداً على جريمة ذبح المصريين على يد عصابات القتل والإرهاب، لا يعد نوعا من المبالغة.

والحقيقة أن رد فعل القيادة السياسية المصرية على جريمة قتل 21 مصريا فى ليبيا كان سريعا وحاسما، وأشعر المصريين بأنه أصبح لديهم دولة تدافع عنهم وتنتقم لشهدائهم على عكس مشاهد التبلد التى عرفناها على مدار 30 عاما من حكم مبارك.

مازلت أذكر، ويذكر معى الكثيرون، رد الفعل الحكومى، وخاصة الرئاسى، على غرق العبارة المصرية السلام 98، التى غرقت فى فبراير 2006 على بعد أقل من ٩٠ كيلومترا من ميناء سفاجا، (راجع مقالى فى ذلك الوقت «غرق العبّارة أم النظام»)، نتيجة ليس فقط الفوضى والإهمال وانهيار الكفاءة والفساد فى أداء الأجهزة الإدارية والأمنية، إنما أيضا بطء رد الفعل الحكومى حين تركت فرق الإنقاذ الضحايا فى عرض البحر يصارعون الموت منذ الواحدة فجرا حتى التاسعة صباحا لأكثر من 8 ساعات حتى تحركت.

والصادم فى وقتها أن هناك ألف روح ماتت فى عرض البحر، لأن مبارك كان نائما وخشى المسؤولون إيقاظه حتى يصدر أوامره للقوات بالتحرك، والصادم أكثر أن ما جرى لهذه العبّارة سبق أن تكرر مع العبّارة سالم إكسبريس، التى غرقت عام 91 فى شاطئ البحر الأحمر، وتحركت فرق الإنقاذ بعد عشر ساعات.

الإهمال وعدم الكفاءة لم يتغيرا فى العهدين السابق والأسبق عن العهد الحالى، إلا أن هناك فارقا لا تخطئه أى عين أن مبارك ذهب ليحتفل بكأس أفريقيا هو ونجلاه، وأشعر المصريين بأن أرواح من سقطوا لا تعنى الكثير، حيث كان التبلد وكراهية الناس سيدا الموقف، على عكس ما رأيناه بعد جريمة ليبيا، حيث ذهب السيسى فورا للتعزية فى الكاتدرائية، ثم حرك بعدها بساعات طائرات الجيش المصرى لتدك مواقع الإرهابيين، ثم أرسل وزير خارجيته لتحريك المجتمع الدولى لمواجهة الإرهاب.

أن تثأر لشهدائك، وأن تضرب دون إذن، وأن تبادر بالذهاب للأمم المتحدة لكى تحصل على قرار دولى لمحاربة الإرهابيين فى ليبيا، ولا تقصر دورك الخارجى على اللحاق بما تفعله أو تقوله أمريكا، هى كلها شواهد على عودة الروح الجديدة.

مصر هذه المرة لم تكن بليدة ولا باهتة وتحركت بفاعلية وقوة فى الخارج، وحافظت على حذر مطلوب فى تحركاتها خارج الحدود حتى لا تسقط فى فخ لايزال يُنصب بعناية وتتورط فيما لا يجب أن تتورط فيه.

تعامل الصحافة المكتوبة كان هذه المرة مختلفا، ولم يكن هناك فارق جذرى بين الصحف الحكومية والمستقلة، وأصبح الناس والمنكوبون هم جوهر الخبر، ففى عصر مبارك، وفى اليوم التالى لغرق العبارة، كتبت صحيفة قومية كبرى فى الجملة الأولى من سطرها الأول فى المانشيت الرئيسى «٣٠ ألف جنيه إعانة عاجلة لأسرة المفقود»، واعتبرت التسعيرة المالية لأرواح البشر أهم من البشر أنفسهم، على عكس ما شهدناه فى كل الصحف هذه المرة التى تحدثت جميعها أولاً، وفى صدر صفحاتها، عن البشر والضحايا والثأر لهم وليس تسعيرة تعويضات الحكومة.

أن تشعر بأن هناك شيئاً اسمه الكرامة الوطنية، وبأن رئيس الجمهورية لا يعيش فى عزلة وجدانية عن شعبه، هو عودة لروح جديدة افتقدناها على مدار ما يقرب من 40 عاما، فالتحرك السريع لمصر غطى على مثالب كثيرة فى أدائنا الداخلى، وفتح الباب أمام استدعاء جديد لمشاعر وطنية صادقة مهم أن تُوظف فى الاتجاه الصحيح.

التحركات الخارجية جديدة وملهمة، ولكنها تضيع بسبب صريخ الإعلام وهتيفة العصر الجديد وكل العصور، وإذا لم تُوظف هذه التحركات فى إصلاح داخلى فإنها ستتحول مع الوقت إلى مُسكن يغطى على أزمات داخلية كثيرة.

عودة الروح إلى كرامتنا الوطنية بعد سنوات طويلة من الغياب تعنى أننا أضفنا رافدا جديدا، إذا استفدنا منه فسنتقدم خطوات للأمام، وإذا وظفناه فى الهتافات اليومية فإننا سنعود خطوات للوراء، وعلينا ألا نهيل التراب على روح جديدة بدأت تسرى فى نفوس المصريين.

arabstoday

GMT 08:02 2024 الأربعاء ,26 حزيران / يونيو

الملحمة الكبرى

GMT 08:00 2024 الأربعاء ,26 حزيران / يونيو

هل صاحب «ويكيليكس» على حق؟

GMT 07:58 2024 الأربعاء ,26 حزيران / يونيو

هزيمة «المحافظين» ذاتية

GMT 07:56 2024 الأربعاء ,26 حزيران / يونيو

في الوحدة والتقسيم والفيدراليّة وسواها...

GMT 07:55 2024 الأربعاء ,26 حزيران / يونيو

لماذا لا تُفتح أبواب السلام؟

GMT 07:52 2024 الأربعاء ,26 حزيران / يونيو

جبهات نتنياهو في حربه الأخيرة

GMT 07:51 2024 الأربعاء ,26 حزيران / يونيو

بايدن ـــ ترمب... المناظرة ورهان الفوز

GMT 07:48 2024 الأربعاء ,26 حزيران / يونيو

الحياة مع الاستدانة وبعدها... مرة أخرى

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

عودة الروح عودة الروح



 العرب اليوم - هنية يؤكد أن أي اتفاق لا يضمن وقف الحرب في غزة "مرفوض"

GMT 00:37 2024 الأربعاء ,26 حزيران / يونيو

أحمد عز مع سيد رجب للمرة الثانية على المسرح
 العرب اليوم - أحمد عز مع سيد رجب للمرة الثانية على المسرح

GMT 14:29 2024 الإثنين ,24 حزيران / يونيو

الإفراط في تناول الفلفل الحار قد يُسبب التسمم

GMT 00:29 2024 الثلاثاء ,25 حزيران / يونيو

نعم لغزة وفلسطين ولا للميليشيات

GMT 03:16 2024 الثلاثاء ,25 حزيران / يونيو

جولة في مطار بيروت لتفنيد تقرير تلغراف

GMT 06:07 2024 الثلاثاء ,25 حزيران / يونيو

الأهلي يعلن فوزه في مباراة القمة رسميًا

GMT 15:54 2024 الإثنين ,24 حزيران / يونيو

غوغل تجلب الذكاء الاصطناعي إلى طلاب المدارس

GMT 14:45 2024 الإثنين ,24 حزيران / يونيو

أسماك القرش تُودي بحياة ممثل أميركي في هاواي
 
syria-24

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Arabstoday Arabstoday Arabstoday Arabstoday
arabstoday arabstoday arabstoday
arabstoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
arabs, Arab, Arab