الحفاظ على الوضع القائم

الحفاظ على الوضع القائم

الحفاظ على الوضع القائم

 العرب اليوم -

الحفاظ على الوضع القائم

عمرو الشوبكي

للحفاظ على الوضع القائم مبررات كثيرة محصلتها النهائية «ابْقَ فى مكانك، فلا داعى للتغيير»، وكل البلاد التى عاشت لسنوات طويلة فى ظل «الجمود المريح» استخدمت مفردات متشابهة مجدت فيها الاستقرار و«الثبات على الثبات»، حتى تراجعت وتحول الاستقرار المنشود إلى انفجارات أهلية وفوضى وحراك عشوائى بسبب المشروع الوحيد: الحفاظ على الوضع القائم.

تجربة مصر مع الرئيس الأسبق حسنى مبارك كانت تعبيراً عن تلك الأزمة، فقد امتلك الرجل قدرة هائلة على تسكين الأوضاع على ما هى عليه 30 عاما، وكانت الحجة القوية التى يرددها هى الاستقرار والاستقرار والاستقرار.

والمؤكد أن الرجل قد نجح فى بداية حكمه فى جلب الاستقرار إلى مصر، بعد النهايات العاصفة لحكم الرئيس السادات، إلا أنه حول الاستقرار إلى هدف وليس وسيلة لجلب التقدم والتنمية والديمقراطية، فكان الانفجار الكبير فى 25 يناير.

والحقيقة أن فكرة الحفاظ على الوضع القائم فى العالم العربى كانت سببا رئيسيا فى جانب كبير من الانهيارات التى تعرض لها، فالثورات لم تحدث فى نظم ديمقراطية أو تتمتع بالحيوية والكفاءة، إنما فى نظم راهنت على السكون والجمود وإبقاء الأوضاع على ما هى عليه.

معادلات الحفاظ على الوضع القائم تقوم على مفردات متكررة منذ عقود تكرس ثقافة الخوف من التغيير، وتجرم الحوار مع الآخر، وتصفه أحيانا بالخيانة، سواء كان هذا الآخر يتمثل فى دولة تخالف توجه نظام الحفاظ على الوضع القائم أو مع خصم سياسى فى الداخل، فهذا النظام بحكم الطبيعة «يشيطن» المخالفين فى الرأى والتوجه، ويبالغ فى التهديدات وحديث المؤامرات بصورة غير رشيدة، حتى يعطى مشروعية أكبر للأوضاع القائمة، مهما كانت سيئة.

وإذا أخذنا مشكلة العالم العربى مثلا مع إيران، فسنجد أن الأول قدم نفسه فى صورة المدافع عن الوضع القائم، على عكس إيران التى نسجت صورة ذهنية عن نفسها، باعتبارها راعية الثورة والتنظيمات الثورية والمقاومة، وواجهت النظم الملكية الخليجية ومعظم النظم الجمهورية العربية، وروجت لخطاب الممانعة والمقاومة فى لبنان وفلسطين وليبيا واليمن والعراق، وحين وجدت مصلحتها فى أن تغير هذا الخطاب 180 درجة فى سوريا، فعلت ودافعت عن النظام فى مواجهة قوى التغيير، واعتبرتهم تقريبا كلهم من الإرهابيين والدواعش.

أما نحن فقد خسرنا مواجهتنا مع إيران، ليس لأننا لم نغير سياستنا حسب الأهواء والظروف، إنما لأننا لم نقدم وجها حركيا وجديدا يتجاوز مفهوم الحفاظ على الوضع القائم، ويجعل من معانى الاعتدال التى يتحدث عنها معظم النظم العربية مساوية للتنمية والديمقراطية وحل المشاكل بالطرق السلمية وليس الحفاظ على الأوضاع القائمة بمعنى الجمود والتكلس والركض فى المكان.

مسار التغيير فى العالم العربى مَثَّل فرصة للفصل بين الاعتدال بمعنى الإيجابية والفعل المنظم وبين مشروع الحفاظ على الوضع القائم، ومازال خطاب الاعتدال العربى يعانى من قصور هيكلى فى الداخل والخارج بسبب هذا الربط.

إن نظام مبارك الشائخ -ودولته المترهلة، التى مثلت العلامة الأبرز عربيا فى نظم الحفاظ على الوضع القائم- لم يستطع أن يستجيب للطاقة التى تفجرت بعد يناير لبدء مسار إصلاحى يحافظ على مكون متماسك من النظام القديم: دستور الدولة ومؤسساتها- القوى التقليدية والمحافظة، قوى بيروقراطية إصلاحية وغير إصلاحية، لكى تبدأ بها مع القوى الإصلاحية الموجودة خارج النظام مسار تفكيك الوضع القائم أو الراكد.

والحقيقة أن هذا المسار كانت ترجمته العملية تعنى منذ البداية وجود رئيس انتقالى من داخل الدولة، (مقابل القائد باجى السبسى فى تونس)، وتعديل دستور 71 وليس إسقاطه، وقواعد دستورية وقانونية لا تسمح بوجود جماعة دينية سرية فوق الدولة، ولا تخضع لأى رقابة من مؤسسات الدولة، ولها ذراع سياسية مثل الإخوان.

الخلل الرئيسى الذى دفع المجتمع المصرى ثمنه الكبير هو أنه لم يستلهم نماذج الثورات وتجارب التغيير الناجحة فى العالم كله، والتى تقوم على أن التغيير والضغوط الشعبية هى من أجل الخروج من معادلة الحفاظ على الوضع القائم والدخول فى مسار جديد، وليس هدم القديم لصالح الفراغ أو الفوضى على الطريقة العراقية أو على طريقة بعض الثورات الشيوعية المنقرضة.

محاولة كسر ركود الوضع القائم تعثرت فى مصر، بسبب عدم وجود مسار واضح يضمن تحويل طاقة التغيير التى تفجرت إلى مسار آمن لبناء مشروع جديد، فكانت فوضى السنوات الثلاث التى أعقبت ثورة يناير سببا فى عودة خطاب الحفاظ على الوضع القائم، للسيطرة مرة أخرى على المشهد السياسى، والمطلوب هو تفكيك هذا الخطاب وهذه الحالة، على اعتبار ألا مستقبل لخطاب الحفاظ على الوضع القائم، وأن مآله الفشل، بشرط الوعى الكامل بأنه لا يوجد جديد سيخلصنا بعصا سحرية من إرث القديم، إنما بضغوط ومسارات سياسية وشعبية منظمة وطويلة النفَس.

 

arabstoday

GMT 01:58 2024 الإثنين ,17 حزيران / يونيو

العدوُّ الأول

GMT 01:56 2024 الإثنين ,17 حزيران / يونيو

حديث استقرار على ضفاف النيل

GMT 01:54 2024 الإثنين ,17 حزيران / يونيو

أدبُ الحجّ وحولَ الحجّ

GMT 01:52 2024 الإثنين ,17 حزيران / يونيو

السعودية... خدمة الحجاج مجد خالد تالد

GMT 01:50 2024 الإثنين ,17 حزيران / يونيو

هل غزة قريبة من نقطة التحول؟

GMT 01:47 2024 الإثنين ,17 حزيران / يونيو

«أولاد رزق... القاضية»... عندما تتحدث الأرقام

GMT 01:44 2024 الإثنين ,17 حزيران / يونيو

تحالف فرنسى جديد

GMT 01:42 2024 الإثنين ,17 حزيران / يونيو

أخبرنى أحدُ العارفين: طفلُكِ اختاركِ!

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

الحفاظ على الوضع القائم الحفاظ على الوضع القائم



الأميرة رجوة بإطلالة ساحرة في احتفالات اليوبيل الفضي لتولي الملك عبدالله الحكم

عمان ـ العرب اليوم

GMT 06:44 2024 الإثنين ,17 حزيران / يونيو

مصر تمارس ضغوطًا للوصول إلى اتفاق هدنة في⁧ غزة
 العرب اليوم - مصر تمارس ضغوطًا للوصول إلى اتفاق هدنة في⁧ غزة

GMT 00:32 2024 الأحد ,16 حزيران / يونيو

مأساة السودان وثقافة إنكار النزاع الأهلي

GMT 12:01 2024 السبت ,15 حزيران / يونيو

أرسنال يعلن عن وفاة نجمه السابق كامبل

GMT 03:57 2024 الأحد ,16 حزيران / يونيو

قصف روسي على مدينة بولتافا الأوكرانية
 
syria-24

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Arabstoday Arabstoday Arabstoday Arabstoday
arabstoday arabstoday arabstoday
arabstoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
arabs, Arab, Arab