عمرو الشوبكي
من الصعب أن نجد دولة فى الكرة الأرضية دللها المجتمع الدولى مثلما فعل مع إسرائيل، ومن المستحيل أن نجد دولة احتلال تضامنت معها القوى الكبرى مثلما فعلت أمريكا وأوروبا مع الدولة العبرية، ومن الصعب تبرير هذا الضعف العربى فى التعامل مع دولة خارجة على القانون مثلما يحدث مع إسرائيل، ومن الصعب أن نجد إصرارا على تكرار نفس أساليب المقاومة التى لا تغير فى معادلة الصراع شيئا ويدفع ثمنها المدنيون والأبرياء.
والمؤكد أن جرائم أى دولة تكتمل حين يصبح عدد المتواطئين أكبر من عدد القادرين على مواجهتها، وتصبح الجريمة كاملة حين تمتلك غطاء شرعيا لا يعتبرها جريمة ولا قتلا خطأ، إنما يجد لها المبررات والأعذار لكى تتحول إلى عمل طبيعى، بل فى بعض الأحيان إلى نوع من الكفاح والبطولة. هذا ربما ما فعلته إسرائيل منذ احتلالها لفلسطين عام 1948 وحتى عدوانها الغاشم على قطاع غزة، وقتلها للأطفال والنساء والشيوخ دون أى حساب.
والحقيقة أن إسرائيل استفادت من ثلاثة عوامل رئيسية ساعدتها على تكرار «عدوانها المتتالي»: الأول يتعلق بتواطؤ المجتمع الدولى مع إسرائيل والثانى هو ضعف الأداء العربى بل وغيابه فى كثير من الأحيان، والثالث الانقسام الداخلى الفلسطينى وتخبطت المقاومة التى خلطت فى كثير من الأحيان بين حسابات حماس ومكاسبها الصغيرة وبين نبل أهداف المقاومة حيث غابت الرؤية الاستراتجية التى تحول كل عملية عسكرية إلى مكسب سياسى لصالح القضية الفلسطينية.
وهنا من السذاجة وضع التعاطف الغربى الدائم مع إسرائيل باعتباره فقط نتيجة تغلغل اللوبى المؤيد لإسرائيل فى مراكز صنع القرار، إنما أساسا بسبب نجاحها فى الترويج بأن حروبها العدوانية كانت إما من أجل الدفاع عن النفس أو فى إطار «الحرب ضد الإرهاب»، مستغلة أخطاء الجانب الفلسطينى والعربى على السواء.
ولأن إسرائيل لديها حلفاء كثرا فى الغرب، وجماعات ضغط موالية لها فى مراكز صنع القرار تبنت خطابها وبررت جرائمها، ودبلوماسية نشطة وفعالة غير دبلوماسية العلاقات العامة التى يعرفها العالم العربى، فنجحت فى تحويل قرارات مجلس الأمن التى تدين إسرائيل إلى مجرد حبر على ورق.
وحتى يتذكر المصريون الذين خلط بعضهم بين حماس وبين فلسطين أن مجلس الأمن أصدر منذ عام 1948 وحتى الآن 63 قرارا دوليا لم تحترم إسرائيل أيا منهم، وظلت استثناء فريدا فى تاريخ المجتمع الدولى محصنة من أى قرار أممى أو من أى عقاب دولى قبل ظهور حماس وبعدها.
المؤسف أن سقوط حوالى ألف شهيد فلسطينى لم يحرك مشاعر كافية من التضامن والدعم الإنسانى من قبل قطاع يعتد به من المصريين خلطا بين حماس وأبرياء الشعب الفلسطينى، فقد انهال على المجتمع المصرى خطاب كراهية بائس بحق الشعب الفلسطينى المحاصر غير متكرر فى أى مكان آخر فى العالم، حتى يؤدى «غسيل الدماغ» والنفوس وإلى تقليص التعاطف السوى والطبيعى مع القضية الفلسطينية، وانقسام المجتمع المصرى بصورة غير صحية بين مدافعين عن حماس وليس القضية الفلسطينية ارتدوا ثوبا إخوانيا، وآخرين معادين للشعب الفلسطينى وليس حماس ولم يفرقوا كثيرا عن الخطاب العنصرى السائد فى إسرائيل.
الفصل التام بين التضامن الكامل والمشروع مع الشعب الفلسطينى فى مواجهة آخر دولة احتلال فى العالم، وبين رفض الوجه الإخوانى لحماس أمران مختلفان لا يجب الخلط بينهما، طالما بقيت هناك دولة احتلال تقتل كل يوم الأبرياء، ويدللها العالم وغير قادر على ردعها.