بقلم : عمرو الشوبكي
هل تراجعت شعبية حماس فى قطاع غزة عقب المجازر التى ارتكبتها إسرائيل بحق المدنيين الفلسطينيين وسقط فيها حوالى ٤٥ ألف شخص غير ما يقرب من ١٠٠ ألف مصاب وتدمير شبه كامل للقطاع؟.
هذا السؤال أجاب عنه الكثيرون بالإيجاب واستندوا فى ذلك لحجم المعاناة التى تعرض لها الشعب الفلسطينى وأن الضحايا الذين سقطوا يشكلون ٢٪ من إجمالى عدد سكان غزة، وأن هذه النسبة تساوى فى إسرائيل ١٩٨ ألف شخص، وهو دليل على حجم المأساة التى تعرض لها الفلسطينيون.
وبعيدًا عن أى مبالغات إعلامية ودعائية فإن هناك «تراجعًا ما» فى الدعم الذى قدمه قطاع واسع من الشعب الفلسطينى لحركة حماس بعد المجازر التى ارتكبت بحقهم، فلم يكن يتمنى أحد أن يشاهد مقتل أطفاله أمامه، ولا أن يرى بأم العين كيف تحولت أجسام الأهل والأحباب والأصدقاء لأشلاء، وكيف يتم قتل الأبرياء دون أن يتحرك أحد فى العالم لإنقاذهم.
إن هذا الألم الذى أصاب الفلسطينيين وجرائم الإبادة الجماعية التى استهدفتهم أثرت على شعبية حماس، لكنها لن تؤثر على مبدأ المقاومة طالما بقى الظلم والاحتلال، فقد يختلف الناس فى غزة حول عملية ٧ أكتوبر ومدى نجاعتها، وهل امتلكت غطاءً سياسيًا قادرًا على أن يحقق مكاسب لصالح القضية الفلسطينية فى ظل عزلة قادة الجناح السياسى لحماس عن التواصل مع العالم، بمن فيهم الداعمون للقضية الفلسطينية.
مؤشرات ما يقوله الناس ويشعرون به داخل قطاع غزة تقول إن حماس فقدت جانبًا من شعبيتها بعد المآسى التى تعرض لها الفلسطينيون فى غزة، إلا أنه بمنطق حروب التحرير الوطنية فإن الشعوب ستحارب من أجل قضيتها وبجانبها حلفاء وداعمين، وإنه لن يكون مقبولًا مطالبة التنظيمات الفلسطينية المسلحة من حماس إلى الجهاد ومن فتح للجبهة الشعبية بأن تحل نفسها طالما بقى هناك احتلال، إنما ستطالب بمراجعة التكتيكات والوسائل والعلاقة بين السياسى والعسكرى والعزلة عن العالم، بل وحتى تجميد نشاطها المسلح لو اضطرت لذلك.
تراجع شعبية أى فصيل مقاوم أمر وارد، لأن الطريق لتحقيق النصر سيمر بمنحنيات كثيرة وانتصارات وانكسارات ستفرض عليه تغيير التكتيكات العسكرية والسياسية والتراجع عن إحداها فى فترة واختيار الثانية فى فترة أخرى.
كثير من أهل غزة كانوا يتمنون (ونحن معهم) ألا تحدث كل هذه المآسى التى تجرى بحقهم، وربما سنرى تراجعًا فى دعم تنظيمات المقاومة المسلحة ودعمًا أكبر لخيار المقاومة المدنية والشعبية فى حال إذا ظهر فى الأفق حل سياسى ومسار تسوية سلمية قادر على أن يعيد الحقوق المشروعة للشعب الفلسطينى ويقيم دولته المستقلة. أما إذا تعثر بناء هذه الدولة فإنه علينا أن نتوقع، فى خلال سنوات قليلة، عنفًا أشد من الذى مارسته حماس سيضرب المنطقة كلها وليس فقط الأراضى الفلسطينية المحتلة.