بقلم : عمرو الشوبكي
حذر كثيرون فى مصر من أهل الحكم والسياسة من النظام الجديد فى سوريا، يجب ألا يؤجل أى تحرك تجاه هذا البلد العربى المحبب لنفوس المصريين وصاحب التاريخ العريق والدور العربى الكبير، لأن كل دقيقة يتأخر فيها الحضور المصرى يولِّد فراغًا سيملؤه حتما آخرون.
وبعيدًا عن حملات التحريض غير المفهومة ولا المبررة التى مارسها البعض بصورة تجاوزت الخلاف المشروع مع أفكار القادة الجدد فى سوريا لتصل إلى أهم علاقة تلاحم شعبى وأقواها فى العالم العربى والتى هى بين المصريين والسوريين، فإن المطلوب النظر للمستقبل والعمل على بناء شراكات يستفيد منها الشعبان.
والمؤكد أن الحذر والخوف على سوريا مشروع ليس فقط بسبب الخلفية العقائدية لجانب كبير من الفصائل المسلحة التى تحكم سوريا حاليًّا إنما لكون هذا التغيير جاء فى منطقة تعثرت فيها تجارب التغيير سواء كانت مدنية أو مسلحة، وبالتالى سيبقى محفوفًا بالمخاطر دون أن يعنى ذلك أنه ليس أمامه فرص نجاح.
والحقيقة أن هناك عاملًا أساسيًا فى صالح تجربة التغيير السورية يجعل أمامها فرصة للنجاح، والمقصود بالنجاح جلب الاستقرار والأمان للشعب السورى وحد معقول من الحياة الكريمة أما الديمقراطية فستبقى قضية أخرى لأنها تتطلب استحقاقات أخرى ومسارًا تاريخيًا يقوده نخب مختلفة عن النخب الحالية.
يقينًا الجانب اللافت فى المسار الحالى حتى الآن هو فى طريقة التعامل مع المخالفين فى التوجه مع هيئة تحرير الشام وأيضًا مع النظام والمنظومة القديمة، وهنا سنجد أن قادة الفصائل وعلى رأسهم أحمد الشرع أكدوا على حرمة الدم ورفض الانتقام العشوائى وتصفية الحسابات خاصة أن الإدراك الذى فى ذهن الكثيرين أن «الصندوق الأسود» الذى حكم سوريا مرتبط بطائفة بعينها بسبب وجود قيادات كثيرة من الطائفة العلوية على قمة أجهزة الأمن والمخابرات مارست أبشع صور التعذيب والجرائم بحق باقى أبناء الشعب، وبالتالى فإن خطر الانتقام المذهبى نظريًا وارد، ولكنه لم يحدث ونتمنى ألا يحدث لأن ذلك سيكون بداية فشل المسار الانتقالى.
محاكمة عادلة لمن أجرموا فى حق الشعب السورى مسار نجاح، والانتقام من البيئة الحاضنة لهؤلاء مسار فشل، والتمييز بين «دلاديل» النظام وأزلامه وبين قتلته ومجرميه أمر مطلوب حتى يستطيع السوريون بناء نظام جديد عينه على المستقبل ومتعاف من مآلات التجارب العربية الأخرى.
إن طبعة التغيير «الثورية» فى سوريا إذا تبنت مشروعًا دينيًا ستمتلك مبررات أكثر من غيرها للانتقام والثأر من خصومها فى النظام السابق ومن إخوانها فى مرحلة جبهة النصرة، ولكنها مطالبه بأن تفعل العكس.
الحذر من المسار الحالى مطلوب ولكن التفاعل معه مطلوب أكثر، وهذا ما فعلته بلدان عربية كثيرة حليفة لمصر، وحان الوقت لعدم ترك الشعب السورى بمفرده فى هذه المعركة الصعبة.