بقلم : عمرو الشوبكي
فى الولايات المتحدة مثل معظم دول العالم هناك انقسام بين الأحزاب والقوى السياسية، فهناك خلاف بين الديمقراطيين والجمهوريين، وفى بريطانيا هناك انقسام بين حزب العمال والمحافظين، وفى فرنسا بين اليمين واليسار. ومن هنا فإن من الطبيعى أن نجد أفرادًا أو دولًا أو مؤسسات يؤيدون لأسباب فكرية أو سياسية أو مصالح اقتصادية الديمقراطيين أو الجمهوريين أو الرئيس ترامب أو بايدن لأن الدنيا كما يُقال اختيارات، ويبقى أن الوجه الآخر لهذا التأييد لا يحكمه فقط التوجه السياسى والاقتصادى، إنما أيضًا أداء الرئيس فى الحكم والإدارة و«بروفايل» الفريق الذى سيحكم معه وخبراته ومدى إيمانه بالقيم المدنية والإنسانية الحديثة.
صحيح أن الاتجاهات الرئيسية داخل الحزبين الديمقراطى والجمهورى لها بريق لدى قطاعات واسعة من المواطنين، فهناك بريق لليمين التقليدى والقومى، الذى يدافع عن السيادة الوطنية ويرفض جوانب كثيرة من العولمة والحدود المفتوحة التى جلبت ملايين اللاجئين إلى البلاد، وكثير منهم غير نظاميين. كما أن هناك بريقًا آخر للحزب الديمقراطى بدفاعه عن حقوق الأقليات وإيمانه بالتنوع الحضارى والثقافى، وكون كمالا هاريس كانت مرشحة الحزب الديمقراطى وقبلها كان الرئيس أوباما هو رسالة واضحة بأن أمريكا دون غيرها من دول الغرب يمكن أن يكون فيها رأس الدولة فى نظام جمهورى من أبوين مهاجرين، كما أن لدى الديمقراطيين موقفًا أفضل جزئيًّا من الجمهوريين فيما يتعلق بحقوق الشعب الفلسطينى، كما أنهم فى السياسات الداخلية أشد حرصًا على الطبقات المتوسطة والفقيرة من الجمهوريين، وهو ما ينفيه بالطبع الأخيرون بالقول إنهم بتخفيض الضرائب يشجعون على الاستثمار الذى ستستفيد منه الطبقات الشعبية.
الوجه الآخر الذى يمثله «يمين ترامب» يختلف عن اليمين المحافظ التقليدى- الذى عرفته أمريكا تاريخيًّا من خلال الحزب الجمهورى وأوروبا من خلال أحزاب اليمين، التى ترفع صراحة أو ضمنًا شعارات «بلدنا أولًا»، وتستدعى مفاهيم السيادة الوطنية فى مواجهة العولمة، وترفض استقبال المزيد من المهاجرين، وتنوى ترحيل غير النظاميين منهم- وهو غير نموذج اليمين المتطرف أو على الأقل خطاب اليمين المتطرف الذى يتبناه ولو جزئيًّا ترامب، فلديه موقف سلبى من مختلف الأقليات العرقية «غير البيضاء» من أفارقة ومكسيك وعرب وهنود، كما إن إدارته السابقة اتسمت بالعشوائية فى الأداء، ولولا أن الولايات المتحدة دولة مؤسسات قوية لكان الرجل قد نجح فى تغيير كثير من القواعد المستقرة داخل النظام السياسى الأمريكى.
على كل مَن يرى أن الجمهوريين وتيارات اليمين المحافظ أقرب إلى توجهاتهم ألّا ينسوا أن هناك وجهًا آخر لترامب وإدارته اتضح من توجهات كثير من وزرائه ومساعديه والشبهات الكثيرة التى تدور حول نزاهتهم، مما يجعل الانحياز المشروع للتوجه السياسى والاقتصادى لأى تيار فى أمريكا أو فى غيرها لا يُنسينا «الوجه الآخر» العابر لأى توجه، وهو الأداء والتمييز بين الشعوب والحضارات.