بقلم - عمرو الشوبكي
ترددت فى استكمال مقال مقبرة طه حسين بعد أن وجدت مقالًا وافيًا، أمس السبت، للصديق عبداللطيف المناوى حول نفس الموضوع، ومع ذلك اعتبرت أنها فرصة لتكرار ما كُتب فى الصحف ووسائل التواصل الاجتماعى حول إزالة مقبرة طه حسين.
والحقيقة مطلوب مراجعة هذا التوجه، الذى يُعتبر الأولوية لتوسيع الشارع ولو على حساب تاريخه وأحيانًا آثاره أو بناء الكبارى ولو على حساب وجود ممر آمن لعبور المشاة، فكانت النتيجة حوادث مميتة، ويجب أن يكون للمتخصصين والرأى العام دور فى اتخاذ أى قرار له علاقة بتطوير أى حى.
إن القاهرة لن تستطيع منافسة العواصم الحديثة مثل دبى وغيرها فى الأبراج العالية أو المولات الحديثة، إنما فى الحفاظ على كل أحيائها ومقابرها التاريخية، فأحياء القاهرة التى شُيدت فى أوائل القرن الماضى هى كنوز معمارية، مثلها مثل العواصم الكبرى فى باريس وروما ومدريد، التى يشكل الحفاظ على معمارها القديم وتجديدها الجانب الأكبر من سحرها، فالمبانى القديمة والحوارى والأزقة والأحياء الشعبية فى المدن الأوروبية كانت فى بدايات القرن الماضى أماكن للجريمة والقبح، أصبحت الآن بعد تجديدها طاقة جمال وجذب سياحى كبير.
أما مقابرنا القديمة والحديثة فهى لها خصوصية كبيرة فى بلد تراثه الفرعونى قدّس الموت وثقافته الشعبية الحالية مرتبطة بالأموات وزيارة المقابر، وأطالب كل مَن يتصدى لموضوع هدم الجبانات، حتى لو لم تكن لشخصية كبيرة مثل طه حسين، بأن يقرأ ولو ترجمة لكتاب المعمارية المصرية العالمية الدكتورة جليلة القاضى «عمارة للموتى» «Architecture for the Dead» الصادر عن الجامعة الأمريكية فى القاهرة (AUC Press)، والذى ذكر قيمة المقابر فى مصر عبر تاريخها الطويل.
الجبّانات فى كثير من دول العالم هى رئة للمدن ولحظة تأمل وصفاء نفسى حتى فى المجتمعات الغربية التى نقول عنها مادية، وهى فى بلد مثل مصر مكون ثقافى خاص منذ الفراعنة وحتى الآن يجب عدم تجاهله.
إن شطب كلمة إزالة التى وُضعت على مقبرة عميد الأدب العربى، أحد أبرز رموز التنوير فى عصرنا الحديث، يجب أن يكون نقطة انطلاق لمراجعه طريقة التعامل مع إرثنا التاريخى والمعمارى والثقافى، وأن نحول طاقة الرفض التى عبر عنها الناس تجاه قرار الإزالة وحسهم الفطرى فى الحفاظ على تاريخ بلدهم، والذى غاب عن بعض المسؤولين، إلى طاقة للتمسك بتراثنا المعمارى والثقافى، وعلى رأسه مقابرنا القديمة والجديدة، والتوقف عن هدم أى مقابر جديدة سواء التى أكد المعماريون وعلماء الآثار أنها مرقمة ومسجلة على أنها أثر، أو التى تخص أفرادًا عاديين وغير أثرية والبحث عن بدائل مرورية أخرى.
مبانى مصر القديمة ومقابرها هى أساس قوة القاهرة وسحرها ليس فقط المعنوى، إنما باللغة الحالية والمادية أيضًا لأنها هى مصدر جذب السياح والعملة الصعبة.