بقلم:عمرو الشوبكي
لا يتوقف الجدل فى كثير من البلدان العربية، وخاصة مصر، حول هل الأولوية يجب أن تكون للإصلاح الاقتصادى أم السياسى، حيث يرى الكثيرون أن غالبية الناس غير مهتمة بالإصلاح السياسى، إنما مهتمة أساسًا بأوضاعها الاقتصادية والمعيشية، وأنه إذا حلت مشاكلها الاقتصادية أو جانب كبير منها فإنها لن تنتقد أى أوضاع تتعلق بملف حقوق الإنسان والديمقراطية وغيرها.
ورغم أهمية وجهه النظر هذه، إنما السؤال الذى يجب طرحه: هل يمكن إجراء إصلاح اقتصادى وتحسين أحوال معيشة غالبية المصريين بمعزل عن إصلاح سياسى؟.
والحقيقة أن جوانب الأزمة الاقتصادية فى مصر كثيرة، بعضها يتعلق بأوضاع دولية وإقليمية محيطة، وأغلبها يرجع إلى سياسات داخلية تحتاج إلى مراجعة.
والحقيقة أنه بات مطلوبًا أن تؤسس مصر منظومة اقتصادية أكثر شفافية ووضوحًا لأن جانبًا كبيرًا من الأوضاع الحالية لا يمكن فهمه على ضوء تحليل للنظم الاشتراكية أو الرأسمالية لأن كثيرًا من الإجراءات المطبقة ليست لها علاقة كبيرة بالنظم الرأسمالية الناجحة، كما أن صور تدخل الحكومة فى الاقتصاد ليست هى المعروفة فى النظم الاشتراكية المتقدمة أو الاشتراكية المعاصرة، وبالتالى أصبحت المشكلة تتعلق فى شكل إدارة الملفات الاقتصادية وليس الخلاف حول خيار سياسى واقتصادى بعينه عرفته مصر فى فترات سابقة أو يعرفه العالم حاليًا.
إن المشكلة الحالية ترجع إلى أن هناك بعض الشركات الحكومية لا تُدار كما يُدار القطاع العام من حيث ملكية وسائل الإنتاج ووجود نظام للمحاسبة والشفافية، إنما بطريقة «رأسمالية الدولة»، ولا يوجد تقييم لأدائها فى المجالات التى دخلتها، وهل حققت مكسبًا أم خسارة؟، وهل فتحت أسواقًا جديدة أم لا؟، وهل الشركات الحكومية اختارت مجالات صناعية متقدمة تطلب تكنولوجيا عالية الدقة وتنتج سلعًا استراتيجية يخشى أو يعجز القطاع الخاص على أن يقوم بها أم أنها اختارت مجالات هى فى قلب نشاط القطاع الخاص، وهو أجدر على القيام بها، حتى فى النظم الاشتراكية الديمقراطية المعاصرة؟.
هذه كلها أسئلة مشروعة، وفُتح النقاش حولها فى الحوار الوطنى، وطرح البعض مسألة «تخارج الدولة» من الاقتصاد، والمطلوب بالضبط هو وضع قواعد واحدة تحكم عمل شركات القطاعين الخاص والعام، تمامًا مثلما فُتح الملف السياسى فيما يتعلق بحقوق الإنسان والحبس الاحتياطى، واتُّخذ قرار بدراسة تخفيض مدة الحبس الاحتياطى وفق إعلان رئاسى محمود.
الإصلاح سيبدأ من السياسة بوضع منظومة قيم وقواعد قانونية جديدة تنظم المجال العام بجانبيه السياسى والاقتصادى، وتترك الناس تختار بين تيار اشتراكى أو ليبرالى أو محافظ، أى أن الأولوية هى فى وضع قواعد تنظم المجالين السياسى والاقتصادى منسجمة مع قيم العالم المتقدم أو الراغب فى التقدم فى الإنتاج والمحاسبة والشفافية والرقابة بصرف النظر عن توجهاتها السياسية وانحيازاتها الاقتصادية.