بقلم - عمرو الشوبكي
ازداد التصعيد العسكرى فى أوكرانيا وتقدمت القوات الروسية التى دخلت مدينة ماريوبول الساحلية الاستراتيجية، وباتت على مشارف العاصمة التاريخية خاركيف والعاصمة الحالية كييف، التى من المتوقع سقوطها اليوم أو فى الأيام القليلة القادمة.
صمود القوات الأوكرانية مؤكد، ورفض الشعب الهجوم الروسى مؤكد أيضًا، والتصعيد المتبادل بين روسيا والغرب اختلف فى أدواته، ولكنه بات هو مشهد الحرب الدائرة هناك.
روسيا تمتلك الورقة العسكرية القوية، والغرب يمتلك الورقة الاقتصادية المؤثرة، وفى نفس الوقت يناكف روسيا ويستنزفها بدعم أوكرانيا عسكريًا رغم معرفته أن هذا الدعم لن يغير فى توازنات المواجهة ويجعل أوكرانيا منتصرة.
اللجوء إلى الحرب والمواجهة الخشنة جاء بعد فشل كل الأدوات الروسية «شبه الناعمة» فى تغيير الموقف الغربى من قضية امتداد حلف الناتو إلى البلدان المتاخمة للحدود الروسية، فروسيا تدخلت سلميًا فى أوكرانيا «بالاستفتاء الديمقراطى» من أجل ضم ثلث البلاد (القرم) إلى روسيا، ولم يغير الغرب موقفه من مطالبها برفض توسع الناتو، إلا بإعلان رفضه ما قامت به وفرض عقوبات محدودة عليها، كما حاصرت روسيا أوكرانيا برًا وبحرًا وجوًا لأسابيع طويلة دون أن يسفر ذلك عن تراجع فى الموقف الغربى.
ولعل عجز أدوات المواجهة «شبه الناعمة» عن تحقيق مطالب أى طرف جعل الحرب حتمية، ويبدو أن الطرفين فى حاجة إلى بعض الوقت لكى يكتشفا أن أدوات الحرب الخشنة لن تحقق فى ذاتها مطالب أى طرف وستوصلهما حتمًا إلى نقطة تفاوض.
السؤال المطروح: هل هدف روسيا توسيع دائرة هجومها حتى تصل إلى بلدان أوروبية أخرى مثل بولندا ودول البلطيق، فى ظل حديث البعض عن رغبة بوتين فى استعادة «أمجاد الاتحاد السوفيتى»؟ الحقيقة أن الرئيس بوتين ليس من نماذج الزعماء المتهورين الذين تُحركهم فقط نوازع شخصية أو أحلام إمبراطورية ليس لها أساس فى الواقع، فهو رجل يحسب بدقة حساباته الاستراتيجية، ويعرف بعيدًا عن الرغبة الثمن الباهظ الذى ستدفعه روسيا والعالم فى حال أقدم على توسيع دائرة هجومه إلى خارج أوكرانيا، ولذا فهو ينطلق من أوكرانيا ويكتفى بها لتحقيق نجاح يُجلسه على طاولة المفاوضات وهو مسيطر على البلد بأكمله.
قسوة الحرب وبشاعتها والضحايا المدنيون الذين يسقطون كل يوم وشريط اللاجئين الذى انتقل من إفريقيا والعالم العربى إلى أوروبا، كل ذلك لن يُوقف بكل أسف الحرب، إنما ستتوقف حين يتأكد كل طرف أنه لا منتصر فيذهبون إلى التفاوض، أو حين ينتصر طرف على آخر وهنا أيضًا سيذهب الطرفان إلى نقطة التفاوض.
انتصار الغرب سيكون بفشل الهجوم الروسى وإعلان انسحاب موسكو من أوكرانيا دون أن تحقق أهدافها، أما نجاح روسيا الراجح فسيتوقف على قدرتها على تحمل العقوبات الغربية وسرعة تحقيق أهدافها العسكرية والاستراتيجية فى أوكرانيا لكى تذهب بها إلى مائدة المفاوضات