بقلم - عمرو الشوبكي
حديث القادة الغربيين فى مؤتمر ميونخ للأمن، ومؤتمرات بايدن الصحفية، وحديث وزير الخارجية الأمريكى عن أن روسيا تُعد لهجوم وشيك على أوكرانيا، جعلت العالم يقترب أكثر من أى وقت مضى من مواجهة روسية- غربية ساحتها ستكون أوكرانيا.صحيح أن هذه المواجهة لا تعنى بالضرورة أن روسيا ستجعل أوكرانيا «المحافظة 19» مثلما جرى أثناء غزو صدام حسين للكويت، ولا أنها بالضرورة ستلغيها من الخريطة الدولية، إنما ستعنى أنها ستعمل على تحقيق أهدافها الاستراتيجية عن طريق استخدام متعدد للأدوات الخشنة.
إن سيناريوهات المواجهة كثيرة، منها تحوُّل الخروقات اليومية بين الانفصاليين فى إقليم الدونباس والجيش الأوكرانى، (وصلت، أمس الأول، وفق تقارير أممية، إلى 1500 خرق)، إلى مواجهة شاملة بين الجانبين كنموذج لحرب بالوكالة، ولكنها من غير المتوقع أن تستمر كثيرًا لأن روسيا ستدخل بصورة أو بأخرى فى أى مواجهة عسكرية، حتى لو كان الشكل يبدو أنه معركة بين حلفائها فى إقليم الدونباس والقوات الأوكرانية.
إن تزايد فرص المواجهة المسلحة بين روسيا والغرب يرجع إلى أن كل أوراق الضغط السابقة لم تسفر عن تحوُّل فى الموقف الغربى من قضية امتداد حلف الناتو إلى البلدان المتاخمة للحدود الروسية، فروسيا تدخلت سلميًا فى أوكرانيا «بالاستفتاء الديمقراطى» من أجل ضم ثلث البلاد (القرم) إلى روسيا، ولم يغير الغرب موقفه من مطالبها، إلا إعلان رفضه ما قامت به، كما حاصرت روسيا أوكرانيا برًا وبحرًا وجوًا دون أن يسفر ذلك عن تراجع فى الموقف الغربى.
ولعل عجز أدوات المواجهة «شبه الناعمة» عن تحقيق مطالب أى طرف عظّم من إمكانية استخدام الأدوات الخشنة، وبات سيناريو الهجوم الانفصالى المدعوم روسيًا، أو هجوم «سيبرانى» يشل القدرات العسكرية والمؤسسات الاستراتيجية فى أوكرانيا لكى يحُول دون انضمامها للناتو، واردًا بقوة.
أما الطرف الأمريكى فهو يعلم أنه يلعب داخل المجال الحيوى لدولة كبرى، حتى لو كانت أضعف منه اقتصاديًا وعسكريًا، إنما لاتزال قوة عظمى، ولذا فإن تورطه فى مواجهة عسكرية مباشرة مع روسيا أمر غير وارد، وإنه سيكتفى هو وحلفاؤه الغربيون بتقديم سيل من شحنات السلاح إلى أوكرانيا فى محاولة لتعظيم قدراتها على الصمود، كما أنه سيطبق عقوبات اقتصادية قاسية على الجانب الروسى.
قدرة روسيا على تحمل هذه العقوبات وسرعة تحقيق أهدافها العسكرية والاستراتيجية فى أوكرانيا ستعطيانها مكاسب جديدة على الساحة الدولية، وستؤثران حتمًا على صورة أمريكا بين حلفائها وستُظهرانها فى صورة العاجز عن حمايتهم، وهو ما سيعنى نجاح روسيا فى إعادة تشكيل خريطة التحالفات الدولية فى أوروبا الشرقية وبعض الجمهوريات السوفيتية السابقة التى خرجت عن الطوع الروسى.
لقد أصبحنا فى اللحظات الأخيرة من معادلات ما بعد انهيار الاتحاد السوفيتى