بقلم - عمرو الشوبكي
أثارت الحرب الروسية في أوكرانيا نقاشًا واسعًا حول قضية الأمن القومى، فقد اعتبر كثيرون أن من حق الرئيس بوتين أن يدافع عن أمن بلاده القومى بكل الوسائل، بما فيها الوسيلة العسكرية، في حين اعتبر آخرون أنه ورّط روسيا في حرب سيدفع شعبه ثمنًا باهظًا لها بسبب العقوبات الغربية والمقاومة الأوكرانية.
والمؤكد أن قضية الأمن القومى تتجاوز الموقف من النظام السياسى القائم، فلا يمكن القول إنه يجب أن تُرفض طلبات روسيا بحياد أوكرانيا ومنع انضمامها إلى حلف الناتو لكون النظام الروسى غير ديمقراطى، ولا يمكن لأحد أن يُقيِّم الدفاع عن حقوق مصر المائية على ضوء موقفه من النظام السياسى القائم، فهذه التهديدات للأمن القومى لا يمكن مناقشتها على ضوء الموقف من النظم القائمة وما إذا كانت ديمقراطية أو شمولية، رأسمالية أو اشتراكية.
والحقيقة أن الحسابات الاستراتيجية الصحيحة أو الخاطئة التي يتبناها النظام الروسى ستكون العامل الأساسى في نجاحه أو هزيمته، دون تجاهل أن النظام الديمقراطى الذي يؤسس لدولة قانون مرشح أكثر من غيره للانتصار، ولكن هذا لا يعنى ضمان هذا النصر إذا تم تجاهل باقى العوامل الأخرى من توازنات القوى وكفاءة النظام والقدرات العسكرية والسياسية.
فلو قرر بوتين توسيع دائرة هجومه حتى يصل إلى بولندا ودول البلطيق وتهور ولم يراجع حساباته طوال الوقت وكرر أخطاء فادحة ارتكبها زعماء آخرون مثل الرئيس الراحل صدام حسين حين غزا الكويت عام 1990 وأعلن ضمها إلى العراق، فإن خسارته المعركة ستكون حتمية حتى لو كانت روسيا دولة ديمقراطية.
الحقيقة أن قضية الأمن القومى مختلفة عن أمن النظام، فإذا كان البلد يتعرض لخطر حقيقى يهدد أمنه القومى، فإن فرص انتصاره ستكون أكبر بكثير مما لو كانت القضية مرتبطة بحسابات النظام السياسى وليس الشعب.
ورغم الخلاف الجذرى مع الوسيلة التي اعتمدها بوتين بغزو دولة ذات سيادة، فإن جوهر ما يطالب به بخصوص حياد أوكرانيا مُحِقّ فيه لأن انضمام أوكرانيا إلى الناتو يمثل تهديدًا حقيقيًّا لأمن روسيا القومى وليس أمن بوتين أو نظامه، فمعظم دول أوروبا الشرقية وبعض الجمهوريات السوفيتية السابقة تحولت إلى نظم ديمقراطية ولم تهدد أو تُسقط نظام بوتين، وأوكرانيا الديمقراطية أو أي عضو في الاتحاد الأوروبى لن يفرق كثيرًا مع روسيا، إنما انضمام أوكرانيا إلى حلف الناتو ونشر أسلحة استراتيجية على حدوده سيمثل تهديدًا لأمن روسيا القومى.
نجاح روسيا في أوكرانيا ليس نجاحًا لـ«النموذج الروسى»، الذي تغيب عنه دولة القانون والشفافية والديمقراطية، فسيظل نموذجًا مأزومًا، إنما سيعنى أن الدفاع عن الأمن القومى عابر لطبيعة النظم القائمة، فهو أقرب إلى معارك التحرر الوطنى التي حرّكتها مبادئ تتجاوز طبيعة النظام السياسى، ويبقى نجاح بوتين أو فشله مرتهنًا أساسًا بأوراق القوة التي يمتلكها، والتى خسر جانبًا منها