بقلم : عمرو الشوبكي
فاز دونالد ترامب فى انتخابات الرئاسة الأمريكية، وعاد ليحكم أكبر دولة فى العالم أربع سنوات أخرى اختلفت التوقعات حولها، خاصة أن هناك الكثير من التقديرات التى تقول إننا سنكون أمام طبعة «ترامبية» جديدة أشد انضباطًا ومؤسَّسية من تجربة حكمه الأولى من 2016 إلى 2020.
والحقيقة أن الانتصار الكبير والواضح لترامب فى التصويت الشعبى وفى المجمع الانتخابى على منافسته كمالا هاريس، مرشحة الحزب الديمقراطى، يرجع إلى جملة من الأسباب أغلبها يخص منافسته ومزاج الناخب الأمريكى وبعضها يخص قدرات ترامب وخطابه السياسى والدعائى.
لقد استغل ترامب الضعف النسبى لهاريس واستثمر لأقصى درجة فى توجهات الاتجاه المحافظ، الذى لا يفضل ذوى الأصول العرقية «غير البيضاء»، ولا يحب أن تحكمه امرأة، ويكره المهاجرين، حتى لو حملوا الجنسية الأمريكية.
فوز ترامب أكد أن أمريكا العميقة مازالت محافظة وبيضاء، وأنها لكى تنتخب رئيسًا من أصول عرقية غير بيضاء فيجب أن يكون رجلًا، وأيضًا يمتلك كاريزما «باراك أوباما» وقوة خطابه وقدرته على تحقيق إنجازات، خاصة ما يتعلق بتوسيع دائرة التأمين الصحى فيما عُرف بـ«أوباما كير» وجذب جانب من القوى المحافظة لصالح توجهاته ليُعاد انتخابه بسلاسة مرة أخرى، أما أن تكون امرأة ومن أقلية عرقية «غير بيضاء» ودفعت بها المصادفة إلى أن تكون مرشحة لانتخابات الرئاسة، فإن هذا يجعل مهمتها فى الفوز شبه مستحيلة. أما توجهات ترامب أو ما ينوى تقديمه لأمريكا، فشملت وعودًا بازدهار اقتصادى و«عودة أمريكا العظمى» وتخفيض الضرائب، أما سياساته فى الشرق الأوسط فقد سبق أن نقل سفارة بلاده من تل أبيب إلى القدس، وقال الشهر الماضى إن مساحة إسرائيل محدودة، ويجب أن تتسع أكثر فى موافقة ضمنية على احتلال الضفة الغربية وغزة، بما يعنى العودة إلى مشروع تهجير الفلسطينيين.
والسؤال الذى سيُطرح: هل ستختلف الطبعة الجديدة من ترامب عن الطبعة التى سبق أن حكمت؟. الحقيقة أن هناك بعض المؤشرات فى أداء حملته الانتخابية تقول إنه أصبح أشد انضباطًا وإيمانًا بالعمل المؤسَّسى مقارنة بالأداء العشوائى الذى ميز سنوات حكمه السابقة، والتى حاول فيها تطويع المؤسسات لصالح أهوائه وتقلباته وفشل، والمؤشرات هذه المرة تقول إنه تغير قليلًا، واكتشف أنه مضطر أن يحترم قواعد عمل هذه المؤسسات المهنية، ولا يُدخلها فى معاركه الشخصية والسياسية.
إن أحد أهم دروس حكمه السابق يكمن فى قوة المؤسسات الأمريكية، ونجاحها فى تصويب كثير من تصرفاته المتسرعة، ووقوفها أمام قراراته الفجائية وأسلوبه وطريقته الخاصة فى الحكم والإدارة. فوز ترامب سيغير معادلات كثيرة فى الشرق الأوسط، وقد يكون تطرفه فى دعم إسرائيل مدخلًا للضغط عليها لإنهاء حرب غزة، ولكنه لن يستطيع تقديم أى حلول تتعلق باليوم التالى للحرب، وبمسار عادل للتسوية السلمية، بعيدًا عن صفقة القرن وتهجير الفلسطينيين