بقلم - عمرو الشوبكي
حاول البعض أن يختزل الموقف العربى الداعم لفلسطين في الدخول في حرب مع دولة الاحتلال، واعتبر ما دون ذلك، أي الدعم السياسى والقانونى والإنسانى للشعب الفلسطينى، لا يُعتبر دعمًا حقيقيًّا، واستند على محطات في التاريخ العربى والإسلامى المعاصر لإثبات هذا التصور.
صحيح هناك حنين مشروع لفترة تاريخية سابقة عرف فيها العالم العربى صورًا مختلفة من التضامن مع فلسطين والقضايا العربية شملت الجوانب العسكرية والاقتصادية والسياسية، فحرب 1948 شاركت فيها 7 جيوش عربية، وأصبح السؤال الذي يطرحه حاليًا البعض: لماذا لا تشارك الجيوش العربية في حرب غزة؟.
والحقيقة أن ما جرى في فلسطين عام 1948 كان هو امتداد لحروب الحلفاء والأعداء في الحرب العالمية الثانية حين اصطف كل طرف مع حلفائه في الحرب الدائرة، وأن صور التضامن العربى الإسلامى في ذلك الوقت بين بلدان خرجت منذ عقدين من حكم دولة الخلافة الإسلامية، ولم تترسخ بعد هويتها الوطنية، (باستثناء مصر)، كما أن حسابات المصالح الوطنية شعبيًّا ورسميًّا، لم تكن حاضرة بنفس القوة كما هي الآن.
أما حرب 56، التي اندلعت عقب تأميم جمال عبدالناصر لقناة السويس، فقد كانت محل تضامن وإجماع عربى في دعم مصر من المحيط إلى الخليج في وجه العدوان الثلاثى، ثم جاءت هزيمة 67 لتؤدى إلى بلورة دعم عربى بالمال والسلاح من أجل تحرير الأراضى العربية المحتلة واستعادة حقوق الشعب الفلسطينى. ورفع مؤتمر قمة الخرطوم في 1968 اللاءات الثلاث الشهيرة: (لا صلح.. لا اعتراف.. لا تفاوض) في وجه إسرائيل.
وجاءت حرب 73، وشارك فيها بدرجات مختلفة أكثر من جيش عربى، رغم كونها كانت بالأساس حربًا وطنية خاضها بشكل أساسى الجيشان المصرى والسورى لتحرير الأراضى المصرية والسورية المحتلة في سيناء والجولان، وأعقبها دخول المنطقة العربية في مسار التسوية السلمية من كامب ديفيد حتى اتفاق أوسلو، وترسخ شعور عام تقريبًا في كل بلد عربى بأن «الحرب والسلام» هما قضايا وطنية تخص كل بلد، وليست نابعة من تضامن دينى أو قومى عابر للحدود الوطنية.
لقد تعمق داخل العالم العربى والإسلامى في نصف القرن الأخير مفهوم المصالح الوطنية العليا، التي باتت تشكل القيمة الأساسية في شرعية أي نظام سياسى، وأصبحت «الحسابات الوطنية» في الاستقرار والتنمية أو «الطموحات الوطنية» في التحرر والاستقلال هي التي تحكم شعوب العالم.
انتفاضات الشعب الفلسطينى ومواجهاته المسلحة ضد الاحتلال هي جزء من حروب التحرر الوطنية التي شهدتها كثير من دول العالم الثالث، وأن المطلوب من العرب وأحرار العالم مزيد من الدعم للشعب الفلسطينى وليس الفرجة على المجازر التي تجرى أو الدخول في حروب، فبينهما هناك أدوات ضغط عديدة على دولة الاحتلال، وكثير منها لا يزال مُعطَّلًا.