نهاية مقولة «امسك فلول»

نهاية مقولة «امسك فلول»

نهاية مقولة «امسك فلول»

 العرب اليوم -

نهاية مقولة «امسك فلول»

بقلم - عمرو الشوبكي

جاء رحيل الفقيه القانوني والسياسي المصري الكبير أحمد فتحي سرور، ليفتح جانباً من النقاش الذي دار في مصر عقب ثورة يناير (كانون الثاني) وتركز حول إقصاء رموز وقيادات نظام مبارك -أو النظام القديم- من الحياة السياسية، ورُفع وقتها شعار «امسك فلول» لمطاردة كل من مر على الحزب «الوطني» الحاكم (وهم بالملايين) حتى لو لم يتورط في أي جريمة فساد، ولكنه اختار الانضمام لـ«حزب الدولة» الذي كان في ذلك الوقت اسمه الحزب «الوطني»، وقبله سُمي حزب «مصر» وقبله سُمي «الاتحاد الاشتراكي»، وهو انضمام لتقديم خدمات لأهل دائرته الانتخابية وأهله وأحبابه، أو الترقي في المنظومة السياسية والاجتماعية. وروَّج لهذه التصورات «الإقصائية» بعض الجماعات الثورية، وأجندة جماعة «الإخوان المسلمين»، ورددها قطاع واسع من مؤيدي «يناير» قبل مراجعات كثيرة حدثت، ومياه هادرة غمرت البلاد.

والحقيقة أن كثيراً من تجارب التغيير العربية -ومنها مصر وتونس والسودان- تعاملت مع ما اصطُلح على تسميتهم «رجال النظام السابق» (الفلول) وكان بها أوجه قصور جسيمة، فاستهداف الأشخاص لمجرد أنهم انتموا لمؤسسات الدولة القديمة، حتى لو لم يرتكبوا أي جرائم كان خطأ فادحاً. وخرجت قوانين للعزل السياسي في أعقاب ثورة يناير، بدعم من «الإخوان» وبعض القوى المدنية (ولو قلة) مع كثير من القوى الثورية، وتم استدعاء نظريات ثورية من متاحف التاريخ، حدث فيها إقصاء وتنكيل برموز النظام القديم، كما جرى بالثورة الشيوعية في روسيا والصين.

والحقيقة أن تجارب التغيير والتحول الديمقراطي المعاصرة التي جرت في أوروبا الشرقية وأميركا الجنوبية، وبعض بلدان أفريقيا وآسيا، تجاوزت ما جرى في الثورات التاريخية الكبرى، وأقصت فقط مرتكبي الجرائم من رجال النظام القديم، وليس أعضاء الأحزاب القديمة؛ بل إن كثيراً منهم دخلوا في المنظومة الجديدة دون أي مشكلات أو قيود.

فعلى سبيل المثال لا الحصر، مستشارة ألمانيا السابقة، أنجيلا ميركل، كانت من «فلول» النظام القديم؛ لأنها كانت عضواً في الحزب الشيوعي بألمانيا الشرقية، والذي اختفى ومعه البلد بأكملها لصالح منظومة جديدة أسست لألمانيا الموحدة، وكان المستشارة السابقة من قادتها.

إن عملية الإصلاح في التجارب التي أسست لدولة قانون ونظم ديمقراطية؛ لا لنظم استبدادية تحت ستار الدين أو الثورة أو الاشتراكية، هي التي حاسبت مرتكبي الجرائم من رجال النظام القديم، ولم تصفِّ الحسابات ولم تنتقم من الأشخاص؛ بل عملت على وضع منظومة جديدة تحول دون إعادة إنتاج «فلول» جدد مع النظام الجديد.

معضلة أي تجربة ترغب في بناء نظام جديد، تكمن في قدرتها على تفكيك المنظومة القديمة التي عاش في ظلها رجال النظام القديم، وليس استسهال الأمر كما فعل البعض مع الراحل فتحي سرور وغيره، بإقصاء بعض قيادات النظام القديم والإبقاء على المنظومة القديمة دون تغيير، في حين أن التحدي الحقيقي يكمن في قدرة أي نظام جديد على تفكيك المنظومة القديمة التي عُدَّت سيئة وفاسدة، وإقامة منظومة جديدة؛ لا جلب أشخاص موالين للنظام الجديد ليقودوا المنظومة القديمة نفسها، فتكون النتيجة إعادة إنتاج النظام القديم بوجوه جديدة.

إذا جاء أنقى ثوري وأعظم إصلاحي على قمة المنظومة القديمة، دون أن يمتلك رؤية واقعية لإصلاحها وإعادة بنائها، فإنه سيديرها بطريقة النظام القديم نفسها، دون أي تغيير يذكر.

معضلة ما جرى في مصر عقب ثورة يناير، وتكرر بصور مختلفة في تجارب أخرى، مثل السودان، أنه لم يعِ طبيعة ما جرى في مصر، ولم يهتم بمتابعة خبرات تجارب التغيير المعاصرة، لصالح خطاب ثوري يستهدف أشخاص ورموز النظام القديم، دون بذل أي جهد، من أجل بناء منظومة جديدة تفكك المنظومة القديمة، ولا تنتقم ولا تصفي حساباتها مع شخوصها، فكانت النتيجة هي اقتتال أهلي، وقبلها في مصر كان فشل المسار السياسي الذي أنتجته يناير.

إن الأحاديث الإيجابية لجانب كبير من السياسيين المصريين، وعلى رأسهم المعارضون، عن رئيس البرلمان المصري الأسبق فتحي سرور (بقي 21 عاماً رئيساً للبرلمان) جعلت كثيرين يراجعون موقفهم الإقصائي من رموز النظام القديم.

والحقيقة أن النقاش حول الراحل يجب ألا يقتصر حول تجربته «وماله وما عليه» فقط، إنما يجب أن يمتد ليشمل أهمية أن يكون في مصر وسيط سياسي مدني صاحب قرار، وأحد قياداته شخص بوزن فتحي سرور ومعه آخرون، بجانب مجموعة اقتصادية تؤمن بالعلم ودراسات الجدوى واقتصاد السوق، حتى لو اختلفنا مع كل أو بعض توجهاتها.

يقيناً، هامش الحرية الذي تمتع به نواب البرلمان أثناء رئاسة الدكتور فتحي سرور يرجع لاعتبارات كثيرة، منها اختيار الرجل نفسه رئيساً للبرلمان، وأيضاً وجود قناعة بضرورة وجود وسيط سياسي مدني بين الدولة والمجتمع، رغم أخطاء هذا الوسيط، فالمطلوب تصحيحها لا إلغاء وجوده من الأساس.

يقيناً، تجربة إقصاء قيادات وعناصر النظام القديم باءت بالفشل، في مصر وتونس والسودان. صحيح أن في تونس جرى التخلي عنها سريعاً، وبالتالي لم يكن لها التأثير نفسه الذي حدث في مصر والسودان.

إن إقصاء قيادات النظام القديم لصالح الاحتفاظ بالمنظومة القديمة نفسها، عادة ما يفرز قيادات أكثر سوءاً من السابقة، ويجعل الناس يترحمون على القيادات القديمة بعد فوات الأوان.

arabstoday

GMT 06:34 2025 الأربعاء ,08 كانون الثاني / يناير

المصريون والأحزاب

GMT 04:32 2024 الأربعاء ,13 تشرين الثاني / نوفمبر

رسائل الرياض

GMT 04:28 2024 الأربعاء ,13 تشرين الثاني / نوفمبر

د. جلال السعيد أيقونة مصرية

GMT 04:22 2024 الأربعاء ,13 تشرين الثاني / نوفمبر

إيران وترمب... حوار أم تصعيد؟

GMT 04:19 2024 الأربعاء ,13 تشرين الثاني / نوفمبر

هل تغتنم إيران الفرصة؟!

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

نهاية مقولة «امسك فلول» نهاية مقولة «امسك فلول»



الأسود يُهيمن على إطلالات ياسمين صبري في 2024

القاهرة ـ العرب اليوم

GMT 04:11 2025 الأربعاء ,08 كانون الثاني / يناير

أدوية حرقة المعدة تزيد من خطر الإصابة بالخرف
 العرب اليوم - أدوية حرقة المعدة تزيد من خطر الإصابة بالخرف

GMT 16:16 2025 الأربعاء ,08 كانون الثاني / يناير

ميمي جمال تكشف سبب منع ابنتها من التمثيل
 العرب اليوم - ميمي جمال تكشف سبب منع ابنتها من التمثيل

GMT 06:20 2025 الأربعاء ,08 كانون الثاني / يناير

الحكومة والأطباء

GMT 04:11 2025 الأربعاء ,08 كانون الثاني / يناير

أدوية حرقة المعدة تزيد من خطر الإصابة بالخرف

GMT 07:59 2025 الإثنين ,06 كانون الثاني / يناير

النظام الغذائي الغني بالفواكه والخضراوات يحدّ من الاكتئاب

GMT 11:18 2025 الثلاثاء ,07 كانون الثاني / يناير

رسميًا توتنهام يمدد عقد قائده سون هيونج مين حتى عام 2026

GMT 13:28 2025 الثلاثاء ,07 كانون الثاني / يناير

5 قتلى جراء عاصفة ثلجية بالولايات المتحدة

GMT 19:53 2025 الثلاثاء ,07 كانون الثاني / يناير

أوكرانيا تعلن إسقاط معظم الطائرات الروسية في "هجوم الليل"

GMT 10:05 2025 الثلاثاء ,07 كانون الثاني / يناير

شركات الطيران الأجنبية ترفض العودة إلى أجواء إسرائيل

GMT 19:00 2025 الثلاثاء ,07 كانون الثاني / يناير

أوكرانيا تؤكد إطلاق عمليات هجومية جديدة في كورسك الروسية

GMT 10:12 2025 الثلاثاء ,07 كانون الثاني / يناير

انخفاض مبيعات هيونداي موتور السنوية بنسبة 8ر1% في عام 2024

GMT 11:11 2025 الثلاثاء ,07 كانون الثاني / يناير

إقلاع أول طائرة من مطار دمشق بعد سقوط نظام بشار الأسد

GMT 18:52 2025 الإثنين ,06 كانون الثاني / يناير

هوكستين يؤكد أن الجيش الإسرائيلي سيخرج بشكل كامل من لبنان

GMT 07:25 2025 الثلاثاء ,07 كانون الثاني / يناير

استئناف الرحلات من مطار دمشق الدولي بعد إعادة تأهيله

GMT 10:04 2025 الثلاثاء ,07 كانون الثاني / يناير

البيت الأبيض يكتسى بالثلوج و5 ولايات أمريكية تعلن الطوارئ

GMT 08:21 2025 الإثنين ,06 كانون الثاني / يناير

أحمد الفيشاوي يتعرّض لهجوم جديد بسبب تصريحاته عن الوشوم

GMT 06:39 2025 الثلاثاء ,07 كانون الثاني / يناير

زلزال قوي يضرب التبت في الصين ويتسبب بمصرع 53 شخصًا
 
syria-24

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Arabstoday Arabstoday Arabstoday Arabstoday
arabstoday arabstoday arabstoday
arabstoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
arabs, Arab, Arab