عملية عابرة «للآيديولوجيات»

عملية عابرة «للآيديولوجيات»

عملية عابرة «للآيديولوجيات»

 العرب اليوم -

عملية عابرة «للآيديولوجيات»

بقلم - عمرو الشوبكي

لم تكن القضية الفلسطينية مجرد قضية شعب يناضل من أجل استعادة أرضه وبناء دولته المستقلة، إنما فتحت منذ اليوم الأول لقيام إسرائيل الباب أمام نقاش فكري حول طبيعة هذا الصراع وطرق حله، وعرف العرب انقساماً بين المعتدلين والمتشددين، وأنصار الحل السلمي والصراع المسلح، وخلاف آيديولوجي حول أدوات إدارة هذا الصراع والموقف من وجود إسرائيل.

لقد نجحت عملية «حماس» في السابع من أكتوبر (تشرين الأول) الحالي في ترميم جانب كبير من الانقسامات العربية حول القضية الفلسطينية، وعبرت عن جانب من الخلافات الآيديولوجية حول مسار التسوية والحلول السلمية، فلم تكن مجرد عملية عسكرية أوقعت هذا العدد غير المسبوق من الضحايا الإسرائيليين إنما أيضاً اتسمت بالإتقان والاحترافية والخداع الاستراتيجي، نجحت فيها «حماس» في خداع الجميع حين ابتعدت عن المشاركة في المواجهات الأخيرة بين «الجهاد» وإسرائيل، إذ خرجت الكثير من التقارير والأوراق البحثية الغربية التي تتحدث عن «حياد حماس»، منها إحدى أوراق «مركز كارينغي للسلام» تحت عنوان «حماس من المقاومة إلى التحييد»، وذلك في أعقاب عدم مشاركتها في المواجهات المسلحة التي جرت في شهر مايو (أيار) الماضي، وأن الأمر لم تكن له علاقة بحياد أو انشغال فقط بإدارة شؤون قطاع غزة إنما كان عملية خداع استراتيجي كاملة جعلت المراقبين في الغرب وإسرائيل يتصورون أن «حماس» باتت في طريقها لأن تصبح «إدارة» وليس حركة مقاومة.

ومن هنا فإن عملية «حماس»، رغم عنف رد الفعل الإسرائيلي وتداعياته القاسية على الشعب الفلسطيني، إلا أنها دخلت في مسار العمليات المتقنة والاحترافية التي غابت عن كثير من ممارسات قوى الممانعة والتشدد التي اتسمت في كثير من الأحيان بالعشوائية والشعارات البراقة والانشغال بالمزايدة على قوى الاعتدال من دون تقديم بديل حقيقي.

والحقيقة أن أي نظرة للمواجهات السابقة بين فصائل المقاومة المسلحة وإسرائيل ستكتشف فارقاً هائلاً بين الضحايا الفلسطينيين ونظرائهم الإسرائيليين، فاشتباكات 2008 قتل فيها 13 إسرائيلياً مقابل 1400 فسلطيني، ومواجهات صيف 2014 استمرت 50 يوماً وقادتها حركة «حماس» قتل فيها 73 إسرائيلياً مقابل أكثر من 2000 فلسطيني، والمواجهات المسلحة بين حركة «الجهاد» وإسرائيل في 2019 و2022، ثم في شهر مايو (أيار) الماضي عرفت أيضاً فارقاً كبيراً بين الضحايا الفلسطينيين والإسرائيليين.

والمؤكد أن كل هذه العمليات كان الموقف منها يمثل أحد جوانب الخلاف الرئيسية بين تيار الاعتدال والتسوية السلمية، وقوى الممانعة والمقاومة المسلحة، خصوصاً أن إسرائيل بدت وكأنها غير قلقة من خيار المقاومة المسلحة لمحدودية تأثيره، لأنه لو قتل إسرائيلي واحد فسيقابله موت 100 فلسطيني.

والمؤكد أن عملية السابع من أكتوبر (تشرين الأول) كانت مختلفة عن كل المواجهات المسلحة السابقة التي وجهت ضربة مباغتة وغير مسبوقة للجانب الإسرائيلي، كما أن اتسامها بالاحترافية والدقة سحب الانتقاد الرئيسي الموجه لفصائل المقاومة المسلحة وتيار الممانعة العربي منذ هزيمة 1967 بأنها تيارات تهتم بالشعارات الآيديولوجية واللافتات السياسية وإنها بعيدة عن الاحترافية والقدرة على الردع والمقاومة المؤثرة.

صحيح أن مقتل 1300 إسرائيلي قُوبل برد عبري مزلزل يدفع ثمنه المدنيون في قطاع غزة، وأن استراتيجية إسرائيل باتت قائمة على تفكيك قوة «حماس» العسكرية واستهداف قادتها العسكريين والسياسيين على السواء عبر اجتياح بري.

ومع ذلك فإن هذا الرد الشديد العنف والبطش لم يطرح إلا بصورة خافتة السؤال «الآيديولوجي» المعتاد في العالم العربي، خصوصاً مصر، حول جدوى عمليات المقاومة المسلحة والعائد من ورائها، الذي طرح بقوة في المرات السابقة.

إن هذا التحول يرجع لأمرين: الأول وكما سبق وأشرنا إلى قوة واحترافية العملية الفلسطينية، كما أن الجميع اكتشف بعد 20 عاماً من السياسات الاستيطانية الإسرائيلية أنها أفرغت مشروع الاعتدال العربي من مضمونه بعد أن قضت على اتفاق أوسلو وحل الدولتين وأضعفت تماماً من السلطة الفلسطينية، أما السبب الثاني فيرجع للانحياز الأمريكي والغربي الفج لإسرائيل سياسياً وإعلامياً (تحسن الأداء الإعلامي لعدد من كبريات الصحف الغربية في الأيام الأخيرة بعد مشاهدة مجازر غزة) مما جعل الانقسام العربي بين معتدلين وممانعين يتراجع بدرجة كبيرة، لأن الموقف المبدئي لتيار الاعتدال العربي من رفض المساس بأي مدني وخلافه مع قوى الممانعة والمقاومة المسلحة التي لا تدعو لقتل المدنيين إنما تعدُّ استهدافهم رد فعل على جرائم الاحتلال، فقد اكتشف كلا التيارين أن قادة الدول الديمقراطية الكبرى يميزون بين المدنيين الفلسطينيين والإسرائيليين على أسس قومية ودينية وثقافية، وهو موقف كان صادماً للرأي العام العربي بمختلف توجهاته السياسية وتبايناته الآيديولوجية.

الانحياز الغربي والأمريكي الفج لإسرائيل واعتبار أن هناك ضحايا يُبكى عليهم وآخرين لا قيمة لهم، شكك الجميع في قيم أكبر تتعلق بالعدالة والشرعية الدولية والمساواة بين الشعوب، وأدى إلى تراجع التباينات الآيديولوجية في العالم العربي حول الموقف من مسار التسوية والخلاف بين مؤيدي التطبيع ومعارضيه وبين خيارات التشدد والاعتدال.

ما يجري في غزة رغم مآسيه إلا أنه وضع العالم العربي، ربما منذ حرب 73، أمام أسئلة كبرى تتعلق بالهوية وكيف ينظر العالم لهم ولقضاياهم وأولوياتهم، ليس فقط فيما يتعلق بالقضية الفلسطينية إنما في باقي القضايا، وهي أسئلة أقرب للأسئلة «الوجودية» التي غطت بصورة كبيرة على الانقسامات الآيديولوجية بين معتدلين ومتشددين، وبين أنصار السلم وأنصار الحرب، وهو تحول لافت ستكون تداعياته كبيرة.

arabstoday

GMT 20:40 2024 الأحد ,06 تشرين الأول / أكتوبر

عندما يعلو صوت الإبداع تخفت أصوات «الحناجرة»

GMT 06:23 2024 الخميس ,04 تموز / يوليو

المبحرون

GMT 06:20 2024 الأربعاء ,10 تموز / يوليو

قرارات أميركا العسكرية يأخذها مدنيون!

GMT 06:17 2024 الخميس ,04 تموز / يوليو

تسالي الكلام ومكسّرات الحكي

GMT 06:14 2024 الخميس ,04 تموز / يوليو

كيف ينجح مؤتمر القاهرة السوداني؟

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

عملية عابرة «للآيديولوجيات» عملية عابرة «للآيديولوجيات»



GMT 10:34 2024 الأحد ,22 كانون الأول / ديسمبر

أفضل 10 وجهات سياحية شبابية الأكثر زيارة في 2024
 العرب اليوم - أفضل 10 وجهات سياحية شبابية الأكثر زيارة في 2024

GMT 10:29 2024 الأحد ,22 كانون الأول / ديسمبر

نصائح لاختيار قطع الأثاث للغرف متعددة الوظائف
 العرب اليوم - نصائح لاختيار قطع الأثاث للغرف متعددة الوظائف

GMT 13:32 2024 الأحد ,22 كانون الأول / ديسمبر

الشرع يبحث مع فيدان في دمشق مخاوف أنقرة من الإرهاب
 العرب اليوم - الشرع يبحث مع فيدان في دمشق مخاوف أنقرة من الإرهاب

GMT 09:52 2024 الإثنين ,23 كانون الأول / ديسمبر

أحمد حلمي يكشف تفاصيل لقائه بتركي آل الشيخ وجيسون ستاثام
 العرب اليوم - أحمد حلمي يكشف تفاصيل لقائه بتركي آل الشيخ وجيسون ستاثام

GMT 10:40 2024 الإثنين ,23 كانون الأول / ديسمبر

الكرملين ينفي طلب أسماء الأسد الطلاق أو مغادرة موسكو
 العرب اليوم - الكرملين ينفي طلب أسماء الأسد الطلاق أو مغادرة موسكو

GMT 03:50 2024 الأحد ,22 كانون الأول / ديسمبر

مخبول ألمانيا وتحذيرات السعودية

GMT 06:15 2024 السبت ,21 كانون الأول / ديسمبر

جنبلاط وإزالة الحواجز إلى قصرَين

GMT 04:01 2024 الأحد ,22 كانون الأول / ديسمبر

الثكنة الأخيرة

GMT 20:58 2024 السبت ,21 كانون الأول / ديسمبر

الجيش الأميركي يقصف مواقع عسكرية في صنعاء

GMT 14:06 2024 السبت ,21 كانون الأول / ديسمبر

موسكو تسيطر على قرية بمنطقة أساسية في شرق أوكرانيا

GMT 14:19 2024 السبت ,21 كانون الأول / ديسمبر

إلغاء إطلاق أقمار "MicroGEO" الصناعية فى اللحظة الأخيرة

GMT 14:06 2024 السبت ,21 كانون الأول / ديسمبر

وفاة جورج إيستام الفائز بكأس العالم مع إنجلترا

GMT 17:29 2024 السبت ,21 كانون الأول / ديسمبر

سائق يدهس شرطيا في لبنان

GMT 14:06 2024 السبت ,21 كانون الأول / ديسمبر

إصابات بالاختناق خلال اقتحام الاحتلال قصرة جنوبي نابلس

GMT 07:06 2024 الأحد ,22 كانون الأول / ديسمبر

مقتل 6 في غارة إسرائيلية على مدرسة تؤوي نازحين بغزة

GMT 17:33 2024 الجمعة ,20 كانون الأول / ديسمبر

حرب غزة ومواجهة ايران محطات حاسمة في مستقبل نتنياهو

GMT 14:05 2024 السبت ,21 كانون الأول / ديسمبر

مي عز الدين بطلة أمام آسر ياسين في رمضان 2025
 
syria-24

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Arabstoday Arabstoday Arabstoday Arabstoday
arabstoday arabstoday arabstoday
arabstoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
arabs, Arab, Arab