بقلم - عمرو الشوبكي
لا تحب إسرائيل الصور وتكره الصحفيين من شيرين أبوعاقلة وحتى عشرات فى غزة، وتحاول أن تُعتم إعلاميًا على ما يجرى فى الأراضى المحتلة، وتقدم رواية كاذبة كان لها بعض البريق فى الأيام الأولى التالية لعملية 7 أكتوبر، ولكنها سرعان ما انطفأت مع خروج مئات الصور والتقارير الصحفية عن بشاعة المأساة الإنسانية التى يرتكبها جيش الاحتلال فى غزة.
والحقيقة أن حضور إسرائيل فى بعض وسائل الإعلام الغربية واضح وتركيزها دائمًا ما يكون على الإعلام المرئى (الصورة) أكثر من الصحافة الورقية التى كانت معالجتها فى المجمل جيدة ومهنية، ووجهت كبريات الصحف فى العالم انتقادات حادة لإسرائيل وسياساتها.
أما الإعلام المرئى فقد كانت هناك المنصات الكبرى، مثل «بى بى سى» و«فرنسا 24» و«سى إن إن»، والتى لم تتخلَّ عن قواعدها المهنية وحاولت أن تنقل جانبًا من الصورة الحقيقية رغم الضغوطات الإسرائيلية، أما القنوات الإخبارية المحلية التى تابعتُ بعضها فى فرنسا، فقد كانت منحازة بشكل فج للرواية والصورة الإسرائيلية.
ويمكن هنا الإشارة إلى نموذج قناة «BFM» الإخبارية الفرنسية، فسنجدها فى إحدى حلقاتها المسائية الأسبوع الماضى أدخلت ضيفًا وحيدًا وسط ثلاثة ضيوف ومعهم المحاور مؤيدين لإسرائيل، فى نقاش حول شعار رفعه عدد قليل من المتظاهرين يوم السبت الماضى ٤ نوفمبر، (قُدّر عدد المشاركين فى هذه المظاهرة بحوالى ٦٠ ألفًا) أن إسرائيل كدولة احتلال ليس لها حق الدفاع عن النفس، وهو تعبير سبق أن استخدمه عمرو موسى، وفيه كثير من الوجاهة، ويسلط الضوء على أن الجريمة الحقيقية فى فلسطين هى الاحتلال، ومع ذلك اعتبره المحاور أنه معادٍ للسامية ولا يعترف بإسرائيل، ويبرر الاعتداء على المواطنين الإسرائيليين.
وانبرى ضيف آخر مؤيد لإسرائيل يقول إن المظاهرة المؤيدة لإسرائيل غنت النشيد الوطنى الفرنسى، فى حين هتف بعض المتظاهرين المؤيدين لفلسطين: «الله أكبر»، وهذا دليل على دعمهم التطرف والإرهاب وعدم الولاء لفرنسا، وهو أمر بدا غريبًا، لأن هذا الهتاف أولًا لا يعنى دعم التطرف، وثانيًا- وهو الأهم- أنه لم يسمعه أحد من المتظاهرين الذين شاركوا فى المظاهرات الداعمة للشعب الفلسطينى. كل هذه الصور من الانحياز هدفها الرئيسى صرف أنظار المشاهدين عن مناقشة الصورة الحقيقية المرتبطة بهذا الصراع، وهى الاحتلال الإسرائيلى، وحجب صور الضحايا المدنيين فى الجانب الفلسطينى. لا يجب الاستهانة بمعركة الصورة، وأن نقل ما يجرى فى غزة موقف مهنى وأخلاقى صحيح، لأنه يمثل نقطة ضوء حقيقية وورقة ضغط من أجل وقف العدوان.
ورغم آلة الدعاية الإسرائيلية وقوة جماعات المال والأعمال والإعلام المؤيدة لها، فإن حضور الصورة الحقيقية وليس المزيفة هو الذى عدل فى توجه الرأى العام العالمى، وأصبح يمثل قوة ضغط كبيرة على الحكومات الغربية من أجل تعديل موقفها ووقف العدوان.