بقلم - عمرو الشوبكي
هل سيغير العدوان الإسرائيلى على قطاع غزة واستهدافه آلاف المدنيين والأطفال جانبا من معادلات السياسة في العالم العربى، وتحديدا ما اصطلح على تسميته بثنائية المعتدلين والممانعين؟، الإجابة نعم سيغير هذه المعادلة وقد يعيد تعريفها بشكل جديد على ضوء ما يجرى في قطاع غزة.
الحقيقة أن الحديث عن تغيير معادلة التشدد والاعتدال لا يعنى اختفاء الأفكار والنظم والتنظيمات التي تنحاز لأى من التوجهين، إنما يعنى أنه لم يعد عمليا هناك فرق في النتائج بين كلا التوجهين بسبب إخفاق كلا المشروعين في تحقيق أهدافه التي وضعها لنفسه، فلا الممانعون حرروا فلسطين ولا المعتدلون بنوا نموذجا ملهما في التنمية والرخاء قادرا على الضغط على إسرائيل من أجل قبول التسوية السلمية.
وقد تراجعت الخلافات بين جمهور كلا التيارين في التعاطى مع القضية الفلسطينية أمام هول ما يجرى في عزة من قتل وحشى بمباركة أمريكية، فمعارضو حماس في محور الاعتدال والذين يرفضون توجهها العقائدى وأسلوب المقاومة المسلحة، لم يطرحوا إلا بصورة محدودة السؤال المعتاد في العالم العربى حول جدوى عمليات المقاومة المسلحة والعائد من ورائها، والذى طرح بقوة في المرات السابقة، بسبب بشاعة الجرائم الإسرائيلية والانحياز الغربى الفج للدولة العبرية.
إن الشعار الأمريكى الإسرائيلى «من حق إسرائيل الدفاع عن نفسها» عنى عمليا إعطاءها شرعية لقتل المدنيين من أطفال وشيوخ ونساء، وأصبح المدنى الإسرائيلى يستحق الحياة ونظيره الفلسطينى يستحق الموت، في مشهد جعل المعتدلين والمتشددين يطرحون أسئلة عن أساب هذا التمييز والكيل بمكيالين تجاه أرواح الناس، وتراجعت خلافات التوجهات السياسية (معتدل أم ممانع؟) لصالح أسئلة «وجودية» حول أساب هذا الاستهداف للفلسطينيين بهذه الطريقة، وهل ذلك يرجع إلى قوميتهم أو ثقافتهم أو دينهم أو لون بشرتهم؟، لأنه بالتأكيد ليس بسبب أنهم ممانعون أو معتدلون.
إن الانحياز الغربى والأمريكى الفج لإسرائيل، واعتبار أن هناك ضحايا يُبكى عليهم وآخرون لا قيمة لهم، شكك الجميع في قيم أكبر تتعلق بالعدالة والشرعية الدولية والمساواة بين الشعوب، وأدى إلى تراجع معادلة التشدد والاعتدال في العالم العربى، وحول الموقف من مسار التسوية والخلاف بين مؤيدى التطبيع ومعارضيه.
لقد أفرغت الممارسات الإسرائيلية، منذ توقيع اتفاق أوسلو في 1993، مشروع الاعتدال العربى من مضمونه بعد أن قضت على حل الدولتين وأضعفت تماما السلطة الفلسطينية، ثم تراجع الانقسام العربى بين معتدلين وممانعين أمام بشاعة الجرائم الإسرائيلية في غزة.
إن الجيل الجديد من الشباب العربى والمصرى الذي ينهل أفكاره من المحسوس والمرئى، أكثر من كتب التاريخ والأفكار الأيديولوجية، رأى بأم العين حجم الجرائم الإسرائيلية في غزة والدعم الأمريكى، وتراجع أمامه خطاب السلام والعيش المشترك، وأصبح هذا الشباب الآن أكثر نقمة على إسرائيل ورفضا للتطبيع.