الحاجة أم الاختراع والحرية أم الإبداع

الحاجة أم الاختراع والحرية أم الإبداع

الحاجة أم الاختراع والحرية أم الإبداع

 العرب اليوم -

الحاجة أم الاختراع والحرية أم الإبداع

مصطفي الفقي
بقلم مصطفي الفقي

لقد قالوا قديمًا إن الحاجة أم الاختراع وأنا اعتبرها عبارة منقوصة لا تكتمل إلا بالجزء الثانى منها الذى يقول إن الحرية أم الإبداع، فقد كان الإنسان مدفوعًا فى سنوات حياته الأولى على الأرض – فى ظل نظم بدائية ورؤى محدودة للكون والكوكب – بالرغبة الشديدة فى اكتشاف ما حوله والتعرف على الدنيا ولو بطريقة بدائية، لذلك فإن جيل الرواد هؤلاء هم الذين فتحوا الطريق للمأكل المتاح والمسكن المناسب وتعرفوا على أساليب الحياة الممكنة فى عصورهم فقد تلمس الإنسان الأول خطواته الأولى على سطح الكوكب وهو لا يعرف كثيرًا مما حوله ولا يدرى طبيعة الدوافع التى تحركه، ولكن دافعًا واحدًا كان هو الذى يسيطر عليه هو الإحساس بالحرية فلقد ولد الإنسان حرًا لأن الله خلقه حرًا، فهل رأينا طفلًا ولد مكبل اليدين؟! ولذلك فإن الحرية لصيقة بالحياة وكلاهما هبة من الله وليسا منحة من أحد، إن الذين قالوا إن الحاجة أم الاختراع كانوا صادقين تمامًا لأن الإنسان كان مدفوعًا باختراع ما يسهل حياته ويطور وجوده، إن اختراع العجلة كان هو النقلة النوعية الكبرى فى وسائل المواصلات وتقريب المسافات فالاختراعات وليدة الحاجة، أما الحرية فهى صنو الحياة لصيقة بها ومكملة لوجودها، فالصيحة (العرابية) الشهيرة ليست شعارًا سياسيًا فقط، ولكنها ذات دلالة بشرية ترتبط بالوجود وتلتصق بالحياة، ولنا هنا بعض الملاحظات:

أولًا: إن عصور القهر والعبودية وقرون الإقطاع والسيطرة على الأرض وما عليها لم تكن أبدًا هى الأصل فى الحياة بل كانت فواصل زمنية، لأن الحياة الطبيعية هى الأصل والتى يسعى إليها البشر، لذلك كان طبيعيًا أن يحفل التاريخ بملفات العبودية التى امتد وجودها قانونيًا فى مناطق كثيرة من العالم حتى منتصف القرن التاسع عشر إذ لقيت حركات تحرير العبيد جهودًا جبارة، خصوصًا فى العالم الجديد، فضلًا عن الإحساس بالظروف السياسية الضاغطة والآثار الاقتصادية الضخمة الناجمة كلها عن استخدام العبيد فى المشروعات الكبرى واستصلاح الأراضى والمناجم وتعبيد الطرق، باعتبارهم وقودًا للتنمية مع حرمانهم من الحقوق الدنيا للحياة واستجلابهم من مناطق أخرى فى إفريقيا وغيرها من قارات العالم القديم.

ثانيًا: لقد جاءت الأديان داعية إلى عتق الرقيق بعد إنهاء سيطرة الإنسان على الإنسان وملكيته المطلقة لأخيه، وقد أغرى الإسلام أتباعه بالعتق قائلًا: (فك رقبة)، وهو أيضًا الدين الذى يقول: (ثلاث هزلهن جد الزواج والطلاق والعتاق)، إذ لا يقبل فى أى منها الحديث عنها لمجرد السخرية أو استغلال الوقت أو التلويح بغير الحقيقة.

ثالثًا: إن الشعوب المعاصرة والنظم الحديثة ترتبط ارتباطًا شديدًا بمفهوم الحرية التى أصبحت شعارًا فى كل الثورات وهدفًا لكل الانتفاضات وحلمًا يراود البشر الذين كانوا يهيمون تحت وطأة الرق، ذلك الكابوس الذى يسمح لإنسان بأن يتملك إنسانًا آخر مهما تكن الدوافع والتبريرات إلا أن المؤكد هو أن الخلاص من تلك العلاقة الآثمة لا يأتى إلا من خلال الثورات الكبرى التى أدت إلى تحرير العبيد.

رابعًا: نعم.. إن الحاجة أم الاختراع لضمان الحد الأدنى للوجود المادى على الأرض واستمرار الحياة فيها، لكن الحرية على الجانب الآخر هى الثمن الذى يطلبه الإنسان لكى تستمر حياته وتتواصل إنجازاته بدليل أن المجتمعات الحرة أكثر إنتاجًا وأشد تأثيرًا من المجتمعات التى تعانى الاستبداد أو التى ظلت تكابر لعقود طويلة وفى ظل معارك مستمرة تسعى نحو المساواة بغض النظر عن الفوارق اللونية أو الجنسية ولا تنظر إلى الأعراق لكنها تنظر إلى الأعناق، فالإنسان الحر هو سيد قدره ومصيره، أما العبودية فهى قهر ظلامى.

خامسًا: لقد عرفت القارة الإفريقية أسوأ ممارسات العبودية فى التاريخ حيث جرت عمليات استجلاب واسعة لأبنائها الذين جرى نقلهم عبر المحيط إلى الولايات المتحدة الأمريكية، وهم الذين تلقوا أسوأ معاملة مارسها الإنسان ضد الإنسان وكانوا دائمًا وقودًا للحرية التى دفع ثمنها عدد من قادتهم الذين ابتلعتهم السجون وعاشوا فى غياهب ظلامها لسنوات حتى خرجوا ليعلنوا تسامحهم مع الماضى ورغبتهم فى فتح صفحة جديدة مع الذين استعبدوهم إلى جانب الولاء لحرية الانتماء، واعتبارها ركيزة للوجود على الأرض، فإذا امتلك الإنسان حريته أصبح سيد قراره وصانع تاريخه.

إننى إذ أقول إن الحاجة أم الاختراع فإننى أقر دائمًا أن الحاجة ارتبطت بالإشباع المادى للإنسان الأول، بينما ارتبطت الحرية بالإشباع الإنسانى للكائن الحى الذى ولد حرًا وينبغى أن يعيش حرًا، والذين يتشدقون ظلمًا بأن الإسلام الحنيف أقر العبودية نذكرهم بأن النبى محمد صلى الله عليه وسلم قد قال: (لا فضل لحر قرشى على عبد حبشى إلا بالتقوى)، فأقر مبدأ المساواة من نقطة البداية ورفض رفضًا كاملًا تصنيف الناس طبقات على سلم الحرية بل ورأى أن الجميع سواسية أمام الحياة وفى كل وقت، كذلك فإن الأديان هى ثورات اجتماعية تقوم على مبدأ المساواة بين البشر ولا تعترف بسلم طبقى يميز بين الناس ويفرق بين البشر، إننا نكررها مرة أخرى إن الحاجة أم الاختراع والحرية هى أم الإبداع!.

arabstoday

GMT 13:05 2024 السبت ,05 تشرين الأول / أكتوبر

حزب الله بخير

GMT 11:57 2024 الثلاثاء ,01 تشرين الأول / أكتوبر

مرحلة دفاع «الدويلة اللبنانيّة» عن «دولة حزب الله»

GMT 11:55 2024 الثلاثاء ,01 تشرين الأول / أكتوبر

هل هذا كل ما يملكه حزب الله ؟؟؟!

GMT 20:31 2024 الجمعة ,13 أيلول / سبتمبر

عشر سنوات على الكيان الحوثي - الإيراني في اليمن

GMT 20:13 2024 الخميس ,12 أيلول / سبتمبر

صدمات انتخابية

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

الحاجة أم الاختراع والحرية أم الإبداع الحاجة أم الاختراع والحرية أم الإبداع



إطلالات هند صبري مصدر إلهام للمرأة العصرية الأنيقة

القاهرة ـ العرب اليوم

GMT 15:41 2024 السبت ,23 تشرين الثاني / نوفمبر

ميرهان حسين تكشف مفاجأة عن أعمالها المقبلة
 العرب اليوم - ميرهان حسين تكشف مفاجأة عن أعمالها المقبلة

GMT 09:46 2024 الخميس ,21 تشرين الثاني / نوفمبر

الفستق يتمتع بتأثير إيجابي على صحة العين ويحافظ على البصر

GMT 06:42 2024 السبت ,23 تشرين الثاني / نوفمبر

إيران ولبنان.. في انتظار لحظة الحقيقة!

GMT 07:07 2024 السبت ,23 تشرين الثاني / نوفمبر

كندا تؤكد رصد أول إصابة بالسلالة الفرعية 1 من جدري القردة

GMT 07:23 2024 السبت ,23 تشرين الثاني / نوفمبر

"فولكس فاغن" تتمسك بخطط إغلاق مصانعها في ألمانيا

GMT 11:10 2024 السبت ,23 تشرين الثاني / نوفمبر

مسيرات إسرائيلية تستهدف مستشفى كمال عدوان 7 مرات في غزة

GMT 17:28 2024 الجمعة ,22 تشرين الثاني / نوفمبر

أحمد عز يتحدث عن تفاصيل فيلم فرقة موت

GMT 11:15 2024 السبت ,23 تشرين الثاني / نوفمبر

شيرين عبد الوهاب توضح حقيقة حفلها في السعودية
 
syria-24

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Arabstoday Arabstoday Arabstoday Arabstoday
arabstoday arabstoday arabstoday
arabstoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
arabs, Arab, Arab