المكتشف الأول والعامل المجهول

المكتشف الأول والعامل المجهول

المكتشف الأول والعامل المجهول

 العرب اليوم -

المكتشف الأول والعامل المجهول

بقلم ـ مصطفي الفقي

تراودنى- مثل غيرى- تساؤلات مفتوحة حول المعاناة التى مر بها الإنسان فى أطواره المختلفة، وكيف كان يعيش فى الكهوف؟ ماذا كان يفعل فى العصر الجليدى؟ ماذا كان شعوره أول مرة عندما رأى النار؟ وكيف وقف مشدوهاً أمام البحار والمحيطات؟ إن رحلة البشرية المضنية تؤكد أن علينا أن ندرك أن الجندى المجهول فى تاريخنا هو المكتشف الأول لأنه هو العامل المجهول، والغريب أنه كلما ازدادت معارفه لا يتقلص المجهول أمامه بل تزداد التساؤلات وتتعقد شبكة التفكير فى مواجهة هندسة الكون، ماذا فعل الإنسان الأول أمام غضب الطبيعة من رعد وبرق وسيول وزلازل وبراكين؟ كم أشفق على ذلك المخلوق الذى استخلفه الله فى الأرض وقال له: (إنك لن تخرق الأرض ولن تبلغ الجبال طولاً) فكيف تراكمت معارفه؟ وماذا كان شعوره فى الانتقال من العصر الحجرى إلى عصر آخر عبر ملايين السنين؟ كيف بدأ حياته الطويلة بالصيد والرعى قبل أن يعرف الزراعة؟ لذلك ظل وثنياً يعبد الأشياء المحسوسة إلى أن أطلت عليه الأديان السماوية منذ ما يقرب من ثلاثة آلاف عام فقط ليدرك أن هناك قوة غيبية تحكم أبعاد الحياة وآفاق المعمورة، وأحسبنى أحياناً متحدثاً لـ«إخناتون» المصرى، الذى اكتشف وحدة الوجود ووصل إلى شاطئ التوحيد، ويصيبنى الشطط أحياناً أخرى فأظنه بديلاً لموسى كليم الله ونبى اليهودية، خصوصاً أن التداخل بين الروايتين الدينية والتاريخية يلزمنا أحياناً بالمقارنة الزمنية التى قد تقترب من التطابق كما قد تبتعد أيضاً على نحو يؤدى إلى الارتباك بين الروايتين حتى تستطرد الأسئلة تلح على خاطر المرء.. هل كان «داروين» محقاً عندما تكلم عن أصل الأنواع وأوضح فى نظرية النشوء والارتقاء أن الإنسان الأول هو امتداد متطور لحيوانات راقية ربما تجسدها (مرحلة القردة)؟ ثم أتراجع بشدة لأبحث فى التيار المادى الذى عصف بـ«أوروبا» فى القرنين الثامن عشر والتاسع عشر ليضم «الدارونية» و«الفرويدية» و«الماركسية» وكلها امتداد لتيار مادى واحد يبتعد عن الغيبيات ويتخذ موقفاً محايداً من الأديان كى يمضى بالإنسان فى مسارات جديدة، وكلما قطعت البشرية أشواطاً إلى الأمام شعرنا بأنها تفسر الماضى من جديد وتقرأ التاريخ قراءة مختلفة وتضع يديها على مئات القضايا المجهولة عبر مسيرة الإنسان، ثم نأتى إلى اللغز الأعظم وهو كيفية البداية فى الخلق الإلهى، وما هو الانفجار العظيم الذى أدت انشطاراته الهائلة إلى ميلاد الخلية الأولى فى تكوين الإنسان؟ وكيف تتطابق تلك الدراسة العلمية غير المؤكدة مع نظرية الخلق فى الأديان السماوية والتى تبدأ بآدم وحواء؟ إن علينا أن ندقق كثيراً فيما تعلمناه وصدقناه واستسلمنا له، خصوصاً أن قضية الإيمان تبقى مسيطرة على أرواح مليارات البشر، فالإيمان ليس فقط هو ما وقر فى القلب وصدقه العمل ولكنه أيضاً القبول بأطروحات لا يدركها العقل البشرى ولكنه يؤمن عن اقتناع غيبى بوقوعها وتلك هى قمة الإيمان الذى يجعل الإنسان بحق سيد الكون، لذلك أفيق فجأة من هذه التأملات وما يصاحبها من خيالات مدركاً أن المؤمن أفضل عشرات المرات ممن لا إيمان له، فلو تاه صديقان فى الصحراء أحدهما مؤمن والثانى أقرب إلى الإلحاد فإن المؤمن سوف يعتصم بإيمانه وقد يبقى متماسكاً، بينما قد ينهار صديقه الذى لا يجد زاداً من دين يعتصم به أو إيمان يحميه من المجهول، ولقد تابعت سيرة كبار المفكرين والعلماء والقمم فى التاريخ البشرى فلم أجد للإلحاد مكاناً إلا من خلال نسبة ضئيلة، فنحن لا نكاد نعرف اسماً كبيراً اتخذ موقفاً محايداً من الألوهية أكثر من الفيلسوف البريطانى «برتراند راسل»، بينما كبار الأطباء وعلماء التشريح والمتبحرون فى فروع العلم المختلفة من القمم المعروفة هم من المؤمنين، بل وأحياناً من غلاة المؤمنين، لأن الإنسان إذا عرف أكثر وأدرك ما يمكن أن يكون خافياً فإنه يكون أشد أيماناً.. ما أروع الفكر والعلم والإيمان إذا اجتمعت!.

المصدر : جريدة المصري اليوم

arabstoday

GMT 23:51 2024 الخميس ,25 إبريل / نيسان

طهران ــ بيونغيانغ والنموذج المُحتمل

GMT 23:10 2024 الخميس ,25 إبريل / نيسان

ماذا نريد؟

GMT 23:06 2024 الخميس ,25 إبريل / نيسان

أكذوبة النموذج الإسرائيلي!

GMT 21:15 2024 الخميس ,25 إبريل / نيسان

الأهلي في أحلام الفيفا الكبيرة..!

GMT 20:59 2024 الخميس ,25 إبريل / نيسان

نجيب محفوظ كاتب أطفال

GMT 20:56 2024 الخميس ,25 إبريل / نيسان

أرجوحة الخديو

GMT 20:54 2024 الخميس ,25 إبريل / نيسان

رفح وعلم التخصص وأسئلة النساء

GMT 20:48 2024 الخميس ,25 إبريل / نيسان

روشتة لمواجهة الحر!

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

المكتشف الأول والعامل المجهول المكتشف الأول والعامل المجهول



GMT 23:31 2024 الخميس ,25 إبريل / نيسان

منى واصف تكشف عن أمنيتها بعد الوفاة
 العرب اليوم - منى واصف تكشف عن أمنيتها بعد الوفاة

GMT 22:06 2024 الأربعاء ,24 إبريل / نيسان

3 عمليات حوثية ضد سفن ومدمرات أميركية وإسرائيلية

GMT 15:09 2024 الأربعاء ,24 إبريل / نيسان

النوم الجيد يطيل حياة الإنسان ويضيف سنوات لعمره

GMT 22:17 2024 الأربعاء ,24 إبريل / نيسان

تونس تنتشل 14 جثة لمهاجرين غير شرعيين قبالة جربة

GMT 15:32 2024 الأربعاء ,24 إبريل / نيسان

ملك الأردن يأمر بإجراء انتخابات مجلس النواب

GMT 18:03 2024 الأربعاء ,24 إبريل / نيسان

أحمد السقا أولي مفاجأت فيلم "عصابة المكس"

GMT 10:46 2024 الخميس ,25 إبريل / نيسان

زلزال بقوة 5.3 ريختر يضرب شرق إندونيسيا

GMT 01:08 2024 الخميس ,25 إبريل / نيسان

نانسي عجرم بإطلالات عصرية جذّابة
 
syria-24

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Arabstoday Arabstoday Arabstoday Arabstoday
arabstoday arabstoday arabstoday
arabstoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
arabs, Arab, Arab