السياسة والفن

السياسة والفن

السياسة والفن

 العرب اليوم -

السياسة والفن

بقلم - مصطفي الفقي

يتوهم الكثيرون أن المسافة بعيدة بين السياسة والفن، وهذا وَهْم النظرة الأولى، فالارتباط بينهما كبير.. إن السياسة هى فن الممكن، والفن هو لغة الحياة، ويربط بين الاثنين عوامل متعددة، فكثيرًا ما دعم الفن السياسة، وكثيرًا ما ساندت السياسة الفنون بأنواعها، وعندما تُوفر السياسة مناخ الإبداع فإن ذلك يعطى الفن درجة عالية من الحرية تسمح بازدهاره وعمق تأثيره.. وفى بلادنا نماذج كثيرة لذلك، فقد صنعت ثورة يوليو 1952 منظومة فنية تأثر بها الذوق المصرى العام حتى الآن، فقد تحول الفن المصرى الذى كان يغنى لفاروق الأول إلى جوقة كبيرة تتغنى بالثورة وتردد أناشيد الوطن وأهازيج الانتصارات فى حماسٍ زائد واندفاع شديد، وبرز اسم عبدالحليم حافظ رمزًا لتلك الثورة وتعبيرًا عن مناسباتها المختلفة، بل إن كبار الفنانين، خصوصًا أم كلثوم وعبدالوهاب، لم يتركا الفرصة واندفعا فى دعم الثورة وتوظيف اسميهما الكبيرين فى خدمة الإعلام الفنى، تحية للرئيس عبدالناصر الذى أصبح زعيمًا والقائد الذى تحول إلى ظاهرة، فنسجت تلك المظاهر بخيوطها المتشابكة أسطورة ذلك العصر بما فيه من حلم قومى وإحساس وطنى، حتى جاءت ضربة 1967 التى كانت إجهاضية لذلك الحلم القومى أو حتى الوهم الجماعى.

ولم نرَ عهدًا دعّم فيه الفن السياسة فى بلادنا مثلما حدث فى خمسينيات وستينيات القرن الماضى، بل إن الشاعر الراحل صالح جودت الذى كتب نشيد الفن الذى رعاه فاروق فى عهده هو نفسه صاحب المقال الشهير ضد الزعيم عبدالناصر وبعد مضى عامٍ واحد على رحيله تحت عنوان (على من نطلق الرصاص).

والأمر المؤكد هو أن الفن وراء السياسة دومًا، ولم يحدث العكس. وإذا بحثنا عن المنظور العالمى، فإن الفن بأنواعه المختلفة قد قدم قيادات كبرى لبلاده بدءًا من رونالد ريجان فى البيت الأبيض، وصولًا إلى زلينيسكى رئيس أوكرانيا الحالى، مرورًا بعشرات الأمثلة من فنانين اقتربوا من السياسة ولقوا تكريمًا منها، بدءًا بيوسف بك وهبى، وسليمان بك نجيب فى بلادنا، وصولًا إلى اللواء محمد عبدالوهاب قمة الطرب المصرى عندما كرمه بتلك الرتبة العسكرية الرئيس الراحل أنور السادات الذى كان فنانًا بطبيعته يقدر الفن ويهوى التمثيل ويتذوق الطرب الأصيل، فقد كان عاشقًا لصوت فريد الأطرش، وقريبًا من أدباء الشعب، مثل: زكريا الحجاوى ومحمود السعدنى.. وكما كان عبدالحليم حافظ هو مطرب ثورة يوليو، فالكثيرون يعتبرون صوت فيروز هو المرادف الذى تواكب مع مسار حزب البعث العربى الاشتراكى فى بلاد الشام.

بقيت قضية نريد أن نختتم بها هذه السطور، وأعنى بها العلاقة بين استمرار الفن والمناخ السياسى الذى يحيط به، والأجواء التى تصنع البيئة الحاضنة لذلك الفن مزدهرًا أو ذابلًا، فإذا كانت «الحاجة أم الاختراع»، فإن «الحرية هى أم الإبداع».. ويرد البعض محليًا على هذه المقولة باستدعاء إنجازات ثروت عكاشة لفروع الفن المصرى فى عهد عبدالناصر وازدهارها النسبى، بينما يدفع آخرون على المستوى الدولى بتاريخ الاتحاد السوفيتى وازدهار فنون الباليه والرقص الإيقاعى إلى جانب التميز الواضح فى المجالات الرياضية خصوصًا الألعاب الفردية، وذلك رغم غياب الديمقراطية وسطوة الحكم الفردى فى موسكو، حتى وإن اتخذ صورة قيادة جماعية.

ويحلل البعض ذلك بأن ما جرى فى مصر حول ستينيات القرن الماضى كان نتيجة قوة الدفع التى اكتسبتها الفنون المصرية من عصور سيد درويش ونجيب الريحانى وغيرهما من أساطين الفن، أما ما جرى فى الاتحاد السوفيتى السابق فسببه التدريب المركزى الشاق والالتزام الحاد بتحقيق النتائج المطلوبة.

.. خلاصة القول، إن الفن والسياسة وجهان لعملة بشرية واحدة تتصل بالإنسان، بدءًا من أفكاره، مرورًا بمشاعره، وصولًا إلى الدوافع الذاتية والانتماءات النفسية التى تصنع فى مجملها كاريزما كل مرحلة، وتنشر الضياء حولها كلما أتيح لها ذلك فى العالم كله.

arabstoday

GMT 20:40 2024 الأحد ,06 تشرين الأول / أكتوبر

عندما يعلو صوت الإبداع تخفت أصوات «الحناجرة»

GMT 06:23 2024 الخميس ,04 تموز / يوليو

المبحرون

GMT 06:20 2024 الأربعاء ,10 تموز / يوليو

قرارات أميركا العسكرية يأخذها مدنيون!

GMT 06:17 2024 الخميس ,04 تموز / يوليو

تسالي الكلام ومكسّرات الحكي

GMT 06:14 2024 الخميس ,04 تموز / يوليو

كيف ينجح مؤتمر القاهرة السوداني؟

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

السياسة والفن السياسة والفن



صبا مبارك تعتمد إطلالة غريبة في مهرجان البحر الأحمر

القاهرة ـ العرب اليوم
 العرب اليوم - اكتشاف تمثال يكشف الوجه الحقيقي لكليوباترا في معبد تابوزيريس

GMT 06:13 2024 الأربعاء ,11 كانون الأول / ديسمبر

تجربة علاج جيني جديد تظهر تحسناً مذهلاً في حالات فشل القلب
 العرب اليوم - تجربة علاج جيني جديد تظهر تحسناً مذهلاً في حالات فشل القلب

GMT 14:35 2024 الأربعاء ,11 كانون الأول / ديسمبر

عادل إمام يكشف كواليس لقائه الوحيد بأم كلثوم
 العرب اليوم - عادل إمام يكشف كواليس لقائه الوحيد بأم كلثوم

GMT 04:44 2024 الأربعاء ,11 كانون الأول / ديسمبر

بلينكن يطالب بتأمين أي مخزونات للأسلحة الكيميائية في سوريا
 العرب اليوم - بلينكن يطالب بتأمين أي مخزونات للأسلحة الكيميائية في سوريا

GMT 06:09 2024 الأربعاء ,11 كانون الأول / ديسمبر

روبوت كروي ذكي يُلاحق المجرمين في الشوارع والمناطق الوعرة
 العرب اليوم - روبوت كروي ذكي يُلاحق المجرمين في الشوارع والمناطق الوعرة

GMT 16:39 2024 الثلاثاء ,10 كانون الأول / ديسمبر

التأثير الإيجابي للتمارين الرياضية على صحة الدماغ

GMT 06:13 2024 الأربعاء ,11 كانون الأول / ديسمبر

تجربة علاج جيني جديد تظهر تحسناً مذهلاً في حالات فشل القلب

GMT 06:09 2024 الأربعاء ,11 كانون الأول / ديسمبر

روبوت كروي ذكي يُلاحق المجرمين في الشوارع والمناطق الوعرة

GMT 20:19 2024 الثلاثاء ,10 كانون الأول / ديسمبر

الفنان جمال سليمان يبدي رغبتة في الترشح لرئاسة سوريا

GMT 18:20 2024 الأحد ,08 كانون الأول / ديسمبر

بشار الأسد يصل إلى روسيا ويحصل على حق اللجوء

GMT 02:54 2024 الأربعاء ,11 كانون الأول / ديسمبر

480 غارة إسرائيلية على سوريا خلال 48 ساعة

GMT 22:09 2024 الثلاثاء ,10 كانون الأول / ديسمبر

داني أولمو مُهدد بالرحيل عن برشلونة بالمجان

GMT 08:24 2024 الأربعاء ,11 كانون الأول / ديسمبر

سوريا... محاولة في إعادة ترتيب الآمال والمخاوف

GMT 04:49 2024 الأربعاء ,11 كانون الأول / ديسمبر

وزارة الصحة الكينية تسجل 5 حالات إصابة جديدة بجدري القردة

GMT 06:15 2024 الأربعاء ,11 كانون الأول / ديسمبر

استئناف عمل البنك المركزي والبنوك التجارية في سوريا

GMT 05:03 2024 الأربعاء ,11 كانون الأول / ديسمبر

وزير الدفاع الكوري الجنوبي السابق حاول الانتحار في سجنه

GMT 12:06 2024 الثلاثاء ,10 كانون الأول / ديسمبر

إجلاء نحو 87 ألف شخص بعد ثوران بركان كانلاون في الفلبين

GMT 22:40 2024 الأحد ,08 كانون الأول / ديسمبر

الملك تشارلز والملكة كاميلا يصدران بطاقة الكريسماس
 
syria-24

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Arabstoday Arabstoday Arabstoday Arabstoday
arabstoday arabstoday arabstoday
arabstoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
arabs, Arab, Arab