رحلة الضباع 1  2

رحلة الضباع (1 - 2)

رحلة الضباع (1 - 2)

 العرب اليوم -

رحلة الضباع 1  2

عمار علي حسن

هذه روايتان فى واحدة، أو درة مكنونة فى صدفتين، الأولى هى علاقة زوجية غير متكافئة، والثانية أحوال مهنية واجتماعية وسياسية قاسية ومضطربة، وبالتالى نكون أمام ثلاثة نصوص متباينة، الأول حين تكتب هى حكاية توارثتها البنات من الأمهات بلغة تراثية غارقة فى البلاغة والإحكام تناسب ولعها بـ«ألف ليلة وليلة»، وشكسيبر، والثانية حين يروى هو بلغة لا تخلو من عذوبة تتماشى مع كونه كاتباً ومحرراً يعمل بصحيفة متخيلة سمتها المؤلفة «أندلسية»، والثالثة حين يتحاوران معاً بلغة يومية دارجة يستعملها الناس فى حياتهم اليومية المفعمة بالأوجاع والمسرات، أو يدير هو علاقاته برئيس التحرير، المتحيز له، وزملائه باللغة ذاتها.

قد يظن من يقرأ رواية د. سهير المصادفة «رحلة الضباع»، التى صدرت طبعتها الثانية عن «دار سما» مؤخراً أنها كانت قد فرغت من كتابة رواية قصيرة تحاكى فيها الكتب القديمة أو تناظرها ثم أرادت أن تلبسها رداء حكاية من أيامنا لا تختلف عن تلك السارية والجارية فى بيوت الموظفين، وعالم الصحافة والكتابة. لكن من يمعن النظر يدرك أن الكاتبة دبرت ما أرادت أن تبدعه بوعى منذ البداية، محاولة أن تجدد فى الشكل، بقدر ما تجرب فى اللغة وتعدد الأصوات داخل النص، وفى الوقت نفسه تقدم تصوراً نسوياً يرفع كل بطلاتها، ما عدا واحدة، ويحط من شأن كل الأبطال بلا استثناء، ويجعل روايتها فى معناها المباشر حكاية عن امرأة مثالية ورجل وغد.

فعلى مستوى الرؤية، يكفى أن الكاتبة قد وزعت سمات «الضباع» على بداية الفصول، قاصد به الزوج الذى يفترس زوجته ويظن أنه لم يبق منها شىء، ثم يفاجأ بتحققها بعد طلاقه لها، إثر عقمها الذى لا يرجى منه شفاء، حين يشاهدها ثائرة فى «ميدان التحرير»، وقبلها حين يتابعها من مكان عمله عبر كاميرات سرية فى شقته فيجدها منهمكة فى كتابة قطعة فنية عميقة يعجز هو عن إبداع مثلها، بدلاً من مقالاته التى لا يقرأها أحد، وكأنه يترك المساحة التى يشغلها من الصحيفة بيضاء ناصعة، ثم حين تتزوج برجل أفضل منه، لا يجبرها مثله على ارتداء النقاب والعزلة المميتة بين جدران أربعة، بل يحفز طاقتها الإبداعية، ويشجعها حتى تعوض ما فاتها حين كانت محبوسة فى جدران بيت الزوج الأول.

فى ثنايا الرواية ينعت الزوج زوجته المثقفة الصبور المنظمة النظيفة المثقفة الوديعة بكل الصفات السيئة رغم أنه قد تزوجها عن حب، فيراها كما يرد فى مواضع عديدة من الرواية «العاهرة» و«الفاجرة» و«الحشرة» و«كومة اللحم الأملس» و«الحيوانة الصغيرة»، ويصف زوجته الأخرى بـ«السوقية» و«البقرة» و«الغريبة».

ولا يقف الأمر عند زوجتيه، بل تنبع رؤيته لهما من تصور أشمل لديه حول جميع النساء، فها هو يقول: «لطالما آمنت بأنه لا يفل النساء إلا النساء، ولطالما حلمت بأن يتحد كل رجال العالم، فيتركونهن ينتفن شعر بعضهن بعضاً، وينهشن بعض لحمهن البعض، ومن سيتبقى منهن سيكفى كل رجال الدينا». وفى مكان آخر يتساءل: «ألم يكن العرب أذكياء بدرجة كبيرة عندما اكتشفوا فى الجاهلية أنهم لن يستطيعوا التخلص من فتنة المرأة وعارها إلا بوأدها حية بمجرد ولادتها. أنا لم أفهم أبداً ما أهمية المرأة فى الحياة، ذلك المخلوق البائس المكون من أعضاء لا تصلح كلها إلا للجنس والولادة». ويقول أيضاً: «النقود فى حقائب النساء مفسدة لا يدرى سوى الشيطان فيم يمكن أن ينفقنها».

فى المقابل، فإن زوجته الأولى لا تسبه بشىء، بل تروضه بأنوثتها المتفجرة، وتضمن له فى بيته السكينة، وتبذل جهداً فائقاً فى سبيل الحفاظ عليه، دون أن تهضم حقه فى أن يكون له ذرية، وتبيع سيارتها من أجل أن يشترى هو سيارة جديدة، وتضحى بمستقبلها التعليمى، حيث كان بوسعها أن تواصل دراساتها العليا كخريجة متفوقة فى كلية الآداب، لتصير فى هيئتها الجميلة وتصرفاتها المتزنة بطلة «إشكالية» لا يملك القارئ إلا أن يتعاطف معها، وقد يولع بها، ويبحث عن مثلها فى دنيا الآدميين.

(ونكمل غداً إن شاء الله تعالى)

arabstoday

GMT 05:53 2024 الأحد ,28 تموز / يوليو

المقدِّمة ألغت الألعاب

GMT 05:49 2024 الأحد ,28 تموز / يوليو

الآن أعينكم على نتنياهو

GMT 05:46 2024 الأحد ,28 تموز / يوليو

فى انتظار كامالا هاريس!

GMT 05:40 2024 الأحد ,28 تموز / يوليو

الإسقاط على «يوليو»

GMT 05:16 2024 الأحد ,28 تموز / يوليو

«المتحدة» واستعادة دولة التلاوة

GMT 04:44 2024 الأحد ,28 تموز / يوليو

القلم الذهبي... في البدء كانت الكلمة

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

رحلة الضباع 1  2 رحلة الضباع 1  2



ميريام فارس بإطلالات شاطئية عصرية وأنيقة

القاهرة ـ العرب اليوم

GMT 16:07 2024 الجمعة ,26 تموز / يوليو

غارة إسرائيلية على أطراف بلدة مركبا فى لبنان

GMT 16:01 2024 الجمعة ,26 تموز / يوليو

ارتفاع التضخم في أمريكا خلال يونيو الماضي

GMT 13:19 2024 الجمعة ,26 تموز / يوليو

محمد ممدوح يكشف عن مهنته قبل التمثيل
 
syria-24

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Arabstoday Arabstoday Arabstoday Arabstoday
arabstoday arabstoday arabstoday
arabstoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
arabs, Arab, Arab