إدارة التراب الوطنى

إدارة التراب الوطنى

إدارة التراب الوطنى

 العرب اليوم -

إدارة التراب الوطنى

عمار علي حسن

يقسم أى حاكم على «سلامة أراضى الدولة» علاوة على «رعاية مصالح الشعب»، لكن هذا القسم يجب ألا يظل حبراً على ورق، إنما يُترجم فى سياسات وإجراءات وقرارات تحمى الوطن، ولا تسمح باقتطاع أو قضم أى جزء من ترابه، سواء من خلال احتلال عدو خارجى له، أو حدوث «انفصال شعورى» بين مواطنين يقطنون بقعة جغرافية معينة من أرض الدولة وبين بقية البقع والأجزاء لغُبن يتعلق بإهانة الكرامة أو الظلم الاجتماعى. ولا يجب ترك هؤلاء إلى درجة إعلان الانفصال المادى عن الدولة، أو تهيئة المناخ لجماعات إرهابية لإعلان دويلة أو «إمارة إسلامية» على جزء من الدولة، مثلما تحاول أن تفعل السلفية الجهادية الآن فى سيناء، مدفوعة بالولاء لفكرتها الدائمة بـ«إنشاء وطن بديل» أو «دولة مؤمنين» تواجه «الدولة الكافرة» وتفتحها فى يوم من الأيام فى إعادة إنتاج لتجربة الهجرة والفتح الأولى فى صدر الإسلام، وهى الفكرة التى تطبقها فى الصومال حالياً، وسبق أن حاولت تطبيقها فى العراق، وقريباً قد تفعل هذا فى سوريا، مثلما فعلت فى مالى وفشلت فشلاً ذريعاً.

ومع وصول سوريا إلى حافة التفكك، وعدم استعادة الدولة العراقية لانصهارها السابق على الغزو الأمريكى، وتصاعد الخلاف حول استمرار «الوحدة اليمنية»، وبقاء الصومال مفككاً، وانقسام السودان، واحتمال تكرار هذه النماذج فى بلدان عربية أخرى، يصبح من الضرورى أن تمتلك الحكومات العربية قدرة على إدارة التراب الوطنى.

فى الحقيقة، يتزايد الاهتمام بقضايا «التكامل القُطرى» و«السيادة» و«وحدة التراب الوطنى» و«التماسك الاجتماعى» أو «الانصهار المجتمعى»، منذ أن عرف العالم صيغة الدولة القومية، بعد أن عاش قروناً تحت حكم إمبراطوريات نازعة إلى الإغارة والتوسع لا تريد أن تعين لها حدوداً إلا بقدر ما تصل سنابك خيولها.

وتوجد وسائل أو أدوات كثيرة للوصول إلى هذه الغاية التى يسعى أى حكم رشيد إلى تحقيقها، منها «التواصل والاتصال» و«إدارة السياسات العامة»، فالأولى توفر الجانب المعنوى والرمزى والثانية تلبى الاحتياجات والمطالب المادية المتصلة بالحياة اليومية للمواطنين، والتى تمارس دوراً بارزاً فى تحقيق الرضاء عن أداء الحكومة والشعور العام بالعدل والاقتناع ببذل السلطة ما وسعها من جهد فى سبيل تحقيق ما لـ«المواطن» من حقوق. بناء على هذا يجب أن نفكر جميعاً، خلال هذه اللحظة العصيبة التى يطارد فيها دولاً عربية شبح التفكك، فى كيفية استعمال «وسائل الاتصال» التقليدية والحديثة و«السياسات العامة» بغية تحقيق هذا الهدف، ويمكن أن يكون التفكير وفق التسلسل التالى:

1- توظيف أساليب التواصل، التقليدى منها المعتمد على علاقات الوجه للوجه، واستعمال الموروث الشعبى وكل ما ترسب فى العقل الجمعى وصنع الشخصية الوطنية للدولة، وكذلك التحديثى الذى تترجمه وسائل الاتصال المعاصرة (مسموعة ومقروءة ومرئية وإلكترونية) سواء الرسمى والمؤسسى منها أو شبكات التواصل الاجتماعى.

2- تحديد معنى وأنماط السياسات العامة بوصفها الحقل المعرفى من العلوم السياسية الذى يهتم بوصف وتحليل القواعد والممارسات والأداءات والشخصيات الإدارية، ثم استخدامها فى خدمة «الانصهار الوطنى».

3- توظيف وسائل الاتصال، التقليدية والحديثة، فى خدمة المشروع الوطنى الجامع، والحفاظ على الهوية والخصوصية والتماسك المجتمعى، وتحقيق العدل الاجتماعى والديمقراطية.

4- توجيه مفردات الميزانية العامة للدولة نحو تحقيق الرضاء، وتعزيز التلاحم الوطنى.

5- استخدام مؤسسات الدولة فى هذا، ومنها «الجهاز البيروقراطى» و«المؤسسات التعليمية: مدارس وجامعات» و«المنشآت الاقتصادية والتنموية» والتجنيد فى الجيش والخدمة العامة والأنشطة الرياضية، فى تعزيز الاندماج الاجتماعى.

6- تعزيز دور المنتخبين المحليين والبرلمانيين فى استخدام وسائل الاتصال والتفاعل الإيجابى مع صانعى السياسات العامة فى سبيل تحقيق كل ما يفرضه «التراب الوطنى» رمزياً ومعنوياً ومادياً.

وتتأسس هذه الإجراءات بالطبع على إرساء وإعلاء مبدأ «المواطنة»، حيث لا تفرقة بين أفراد الشعب على أساس الدين أو العرق أو الطبقة أو الجهة أو المذهب، إلى جانب قواعد مستقرة تضمن تداول السلطة وتحقق العدل الاجتماعى.

arabstoday

GMT 05:18 2024 السبت ,27 تموز / يوليو

أمة الرواد والمشردين

GMT 05:16 2024 السبت ,27 تموز / يوليو

يوليو جمال عبد الناصر وأنور السادات

GMT 05:15 2024 السبت ,27 تموز / يوليو

المسلمون والإسلاميون في الغرب

GMT 05:13 2024 السبت ,27 تموز / يوليو

في مدح الكرم

GMT 05:12 2024 السبت ,27 تموز / يوليو

إنها أزمة مصطلحات!

GMT 05:10 2024 السبت ,27 تموز / يوليو

أميركا واختبار «الديمقراطية الجندرية»

GMT 04:33 2024 السبت ,27 تموز / يوليو

لبنان بين حربي 2006 و2024

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

إدارة التراب الوطنى إدارة التراب الوطنى



ميريام فارس بإطلالات شاطئية عصرية وأنيقة

القاهرة ـ العرب اليوم

GMT 16:07 2024 الجمعة ,26 تموز / يوليو

غارة إسرائيلية على أطراف بلدة مركبا فى لبنان

GMT 16:01 2024 الجمعة ,26 تموز / يوليو

ارتفاع التضخم في أمريكا خلال يونيو الماضي

GMT 13:19 2024 الجمعة ,26 تموز / يوليو

محمد ممدوح يكشف عن مهنته قبل التمثيل
 
syria-24

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Arabstoday Arabstoday Arabstoday Arabstoday
arabstoday arabstoday arabstoday
arabstoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
arabs, Arab, Arab