السلفيون والعولمة

السلفيون والعولمة

السلفيون والعولمة

 العرب اليوم -

السلفيون والعولمة

بقلم : عمار علي حسن

مع توحش العولمة ورغبتها الجارفة فى اجتياح الخصوصيات وقتل الثقافات الفرعية وإذابة الهويات، ونقل الادعاء الذى يقول بأن العالم بات «قرية صغيرة» إلى حيز أبعد من حيز الاتصالات والمواصلات، عاد الناس أكثر وأعمق إلى انتماءاتهم الأولية، وصار الدين جدار حماية فى وجه قيم العولمة وإجراءاتها، ولذا اعترف فلاسفة ومفكرون وعلماء اجتماع بأن القرن الحادى والعشرين هو قرن «العودة إلى الأديان» بعد أن اعتقد أتباع العلمانية الشاملة والماركسيون أن الدين قد أدى دوره فى تاريخ الإنسانية وأن عليه أن يسلم الراية إلى العلم ثم يتوارى ليوضع فى المتحف إلى جانب الفأس البرونزية.

لكن العولمة إن كانت قد ترافقت مع عودة «المقدس» أو عودة التدين، فإنها وضعت الأديان أمام تحديات كبيرة وامتحانات عسيرة، فسقوط الشيوعية أعاد الدين إلى بلدان أوروبا الشرقية، لكنه اختلط فى أذهان الناس بالتصورات القومية الضيقة، وعلى حساب الروح المتسامحة للدين، ودعوته إلى الإخاء والمحبة والسلام. وأخذت هذه العودة فى بلدان أخرى شكل «الصحوة» لكنها تأثرت بثورة الاتصالات والنزعة الرأسمالية المتوحشة للعولمة فأصبحت الأديان لدى قطاعات عريضة أشبه ما تكون بمخزن تجارى كبير، يدخله المرء ويلتقط منه السلع التى تناسبه، ويبدلها كيفما شاء.

وفى هذا السياق سيطرت ثلاثة اتجاهات أساسية، أولها تنامى «التدين الرخو» الذى لا ينضوى تحت لواء مؤسسات دينية رسمية، بما لها من أفكار وطقوس ونظم. وثانيها ازدياد «التدين الحرفى» الذى يضيق بالتنوع والحوار، ويتوهم أتباعه أنهم يمتلكون الحقيقة المطلقة والقاطعة. وثالثها ظهور ما يمكن تسميته «حركات دينية كاريزمية جديدة» تتوالد وتتكاثر باستمرار، مستغلة ثورة الاتصالات ومتوسلة بالفضائيات والشبكة العنكبوتية (الإنترنت) ومنتجة فوضى من الفتاوى والاجتهادات والتفاسير.

إن التطورات التقنية كان لها تأثير على الأديان، سواء من زاوية إحداث تغيرات فى المظاهر التنظيمية لها من خلال خلق قنوات جديدة للاتصال، وفتح نوافذ وفرص لفاعلين جدد لا ينتمون للمؤسسات الدينية المتعارف عليها، علاوة على منح جماعات دينية فرصاً متعاظمة لتطوير طقوس دينية على الشبكة العنكبوتية. ويتعاظم هذا التأثير مع ازدياد عدد المتعاملين مع الإنترنت عبر العالم باطراد.

لكن جزءاً كبيراً من هذا التأثير يقع فى مسار «التدين المحافظ» أو «السلفى» الذى تمكن من الاستيلاء على قسط وفير من الحيز الدينى على الإنترنت، عبر مواقع سلفية معروفة، وشيوخ متواصلين مع الجمهور لإنتاج الفتوى والرأى، ودخول فى معارك متواصلة ليس ضد «العلمانيين» بل أيضاً فى وجه المجددين فى الفقه والفكر الإسلامى.

ولهذا يمكن القول إن العولمة التى قد رافقها تعزز دور الأديان فى الحياة الإنسانية، قد فتحت نافذة واسعة لمنتجى الخطاب الدينى المحافظ للوصول إلى قطاعات بشرية جديدة.

arabstoday

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

السلفيون والعولمة السلفيون والعولمة



إطلالات الأميرة رجوة الحسين تجمع بين الفخامة والحداثة بأسلوب فريد

عمّان ـ العرب اليوم

GMT 07:58 2024 الأربعاء ,27 تشرين الثاني / نوفمبر

تحوّل جذري في إطلالات نجوى كرم يُلهب السوشيال ميديا
 العرب اليوم - تحوّل جذري في إطلالات نجوى كرم يُلهب السوشيال ميديا

GMT 07:25 2024 الأربعاء ,27 تشرين الثاني / نوفمبر

وجهات سياحية راقية تجمع بين الطبيعة الساحرة وتجارب الرفاهية
 العرب اليوم - وجهات سياحية راقية تجمع بين الطبيعة الساحرة وتجارب الرفاهية

GMT 07:39 2024 الأربعاء ,27 تشرين الثاني / نوفمبر

كيف تختار الأثاث المناسب لتحسين استغلال المساحات
 العرب اليوم - كيف تختار الأثاث المناسب لتحسين استغلال المساحات

GMT 08:36 2024 الثلاثاء ,26 تشرين الثاني / نوفمبر

أطعمة ومشروبات تساعد في علاج الكبد الدهني وتعزّز صحته

GMT 08:12 2024 الأربعاء ,27 تشرين الثاني / نوفمبر

التغذية السليمة مفتاح صحة العين والوقاية من مشاكل الرؤية

GMT 06:06 2024 الأربعاء ,27 تشرين الثاني / نوفمبر

راجعين يا هوى

GMT 19:32 2024 الثلاثاء ,26 تشرين الثاني / نوفمبر

رانيا فريد شوقي تكشف سبب ابتعادها عن السينما

GMT 08:18 2024 الأحد ,24 تشرين الثاني / نوفمبر

الجيش الإسرائيلي يعلن اعتراض مسيّرة قبالة سواحل حيفا

GMT 02:48 2024 الأربعاء ,27 تشرين الثاني / نوفمبر

المحكمة العليا الأميركية ترفض استئناف ميتا بقضية البيانات

GMT 07:58 2024 الأربعاء ,27 تشرين الثاني / نوفمبر

تحوّل جذري في إطلالات نجوى كرم يُلهب السوشيال ميديا
 
syria-24

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Arabstoday Arabstoday Arabstoday Arabstoday
arabstoday arabstoday arabstoday
arabstoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
arabs, Arab, Arab