«وطن» لـ«عم خليل» قصتان

«وطن» لـ«عم خليل».. قصتان

«وطن» لـ«عم خليل».. قصتان

 العرب اليوم -

«وطن» لـ«عم خليل» قصتان

بقلم - عمار علي حسن

فى باكورة الشباب، وذات صباح ندىّ، عاهدت الوطن أن أحرره من قيد الغاصبين، وأنفخ فى أوصاله من مخزون ولائى فيشتد عوده. تراءت أمامى وقتها صور لفلاحى الغيطان تحت لهيب الهجير. عمّال المصانع بين أحضان التروس. عيون المثقفين التى أكلها الورق وأجهدها الانتظار. الشبان المأخوذون من صحون المساجد، وفصول المدارس، إلى غياهب السجون. نساء البيوت الحبيسات فى جدران غشم الأزواج و.. و..

راح الشباب يتداعَى، وجاء خريف المشيب بانكساره وتهالكه، فلاح الموت فى الأفق.

ذات صباح كنت أسير فى الميدان الفسيح المطل على المقاهى، التى شهدت ساعات غضبنا.

نظرت هناك وهنا.. عشرون شُرطياً يقذفون أمامهم شاباً نحيلاً. الباعة الجائلون يهربون بعرباتهم الصغيرة وأقفاصهم إلى جوف الأزقة ويتنادون فزعاً من «البلدية». امرأة متشحة بالسواد والعفاف، تسأل الناس على قارعة الطريق. فلاح ملفوف فى جلباب ممزق يُسرع الخُطى باتجاه محطة القطار. أبراج تعانق الفضاء على أول الميدان وتجثو فى آخره على بنايات متداعية. تتلاقى جدرانها على أجساد أوجعها الكدح ونفوس مزقتها المفارقة..

لمحت عينى فتى يافعاً قادماً من الشارع الجانبى يُهرول نحو قلب الميدان. فى يديه كتاب، وشعره يُهفهف فى النسمات التى وهبتها السماء للناس.

كنت ذاهباً إلى الشارع الذى هلّ منه. التقينا عند أول نقطة فى جانب الميدان. رُحت أتابعه وهو يغوص فى الزحام مخلفاً وراءه جملته المخنوقة بالدمع:

«غداً سنُحررك يا وطن».

2 - «عم خليل»

كان يوماً عصيباً. جاءوا بعمى خليل فى دوار العمدة. وقف مصفر الوجه، يرتعش، العرق والدموع يمتزجان فى تجاعيد الوجه، فيلمع فى صهد الشمس. الناس ينظرون من ثقوب الأبواب والحيطان. نحن الصغار تسلقنا السور. صراخ زوجة عم خليل ينداح فى شوارع القرية. يرتد صداه فى أذن الرجل، يزداد الدمع جرياناً. يرفع قدميه الحافيتين من لهب التراب، ويدس وجهه فى كفيه.

بعد دقائق أتت عربة الشرطة «الجيب». نزل منها الضباط والعساكر. رآهم العمدة فأقبل مهرولاً نحوهم.

اتجه الجميع إلى عم خليل. تفحّصه كبير الضباط وسأله بغضب:

- أين البندقية يا خليل؟

- خطفوها الحرامية..

- حرامية يا روح أمك..

وطبع قساوته فوق وجهه. صفعة كادت تطرحه أرضاً..

عم خليل حبيبنا نحن الصغار. نصاحبه حتى السحر. هو الخفير الوحيد الذى يسهر ويطارد اللصوص. حين يجن الليل يُشعل أمامه أزاهير اللهب فى الشتاء. نجلس حوله نتسامر على نواصى الشوارع. لا يبخل علينا برشفات الشاى فى قعر كوبه الصاجى.

لم يُنجب، فكنا جميعاً أولاده. يربت أكتافنا ويحكى لنا عن «أبوزيد الهلالى» و«الزير سالم»، فتنبت بين جوانحنا البطولة، نقول له:

- لا تنَم مثل غيرك من الخفر؟

- الواحد لازم يحلل لقمة عيشه.

ها هو عم خليل يقف أمامنا شبه عارٍ. جرّده العسكر من ملابسه. ألصقوه بشجرة النبق المنتصبة فى وسط الدوار. أتوا بحبل من ليف النخيل وربطوه. رأينا التحدى يقفز فى عينى عم خليل، يصرخ فيهم:

- أنا كنت طوال الليالى أحاربهم، وانتم كل واحد فيكم نايم فى حضن مراته.

نهره الضابط:

- اخرس يا كلب..

- ما كلب إلا أنت وعساكرك..

ولمّا رأينا السياط تنهال عليه وهو جلد يقاوم تحفّزنا. حجورنا مليئة بالحجارة. أجسادنا متخندقة خلف السور. أيدينا أقواس تمطر سهام الحصى كالرصاص من كل جانب.

arabstoday

GMT 02:25 2023 الأربعاء ,13 كانون الأول / ديسمبر

أفول الديمقراطية

GMT 02:22 2023 الأربعاء ,13 كانون الأول / ديسمبر

واشنطن مندهشة من الخطر الحوثي!

GMT 02:19 2023 الأربعاء ,13 كانون الأول / ديسمبر

التشويش المنظم

GMT 02:16 2023 الأربعاء ,13 كانون الأول / ديسمبر

البحر الأحمر: الدماء والبناء!

GMT 02:07 2023 الأربعاء ,13 كانون الأول / ديسمبر

الإبادة لن تبيد الإرادة

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

«وطن» لـ«عم خليل» قصتان «وطن» لـ«عم خليل» قصتان



أحلام بإطلالات ناعمة وراقية في المملكة العربية السعودية

الرياض ـ العرب اليوم

GMT 02:58 2025 الخميس ,16 كانون الثاني / يناير

نتنياهو يشكر ترامب وبايدن لدورهما في الإفراج عن الرهائن
 العرب اليوم - نتنياهو يشكر ترامب وبايدن لدورهما في الإفراج عن الرهائن

GMT 14:03 2025 الأربعاء ,15 كانون الثاني / يناير

رانيا يوسف تكشف طريقة دخولها مجال الفن
 العرب اليوم - رانيا يوسف تكشف طريقة دخولها مجال الفن

GMT 10:46 2025 الإثنين ,13 كانون الثاني / يناير

أخطاء شائعة تؤثر على دقة قياس ضغط الدم في المنزل

GMT 12:08 2025 الثلاثاء ,14 كانون الثاني / يناير

مصرع شخصين بسبب انهيار جليدي بجنوب شرق فرنسا

GMT 05:30 2025 الأربعاء ,15 كانون الثاني / يناير

زلزال جديد بقوة 4.3 درجة يضرب إثيوبيا

GMT 03:15 2025 الأربعاء ,15 كانون الثاني / يناير

السلطات الأميركية تطالب بإخلاء 85 ألف شخص في لوس أنجلوس

GMT 03:00 2025 الأربعاء ,15 كانون الثاني / يناير

تفعيل حالة التأهب الجوي في 10 مقاطعات أوكرانية

GMT 11:43 2025 الثلاثاء ,14 كانون الثاني / يناير

لوهافر يعلن رسميا ضم أحمد حسن كوكا لنهاية الموسم الحالى

GMT 02:56 2025 الأربعاء ,15 كانون الثاني / يناير

بلو أوريجين تؤجل إطلاق صاروخها الجديد لمشكلة فنية

GMT 03:06 2025 الأربعاء ,15 كانون الثاني / يناير

مقتل 8 أشخاص بسبب تفشي فيروس ماربورغ في تنزانيا

GMT 03:09 2025 الأربعاء ,15 كانون الثاني / يناير

الاتحاد الأوروبي يخطط لفرض عقوبات على سفن نفطية روسية

GMT 11:28 2025 الأربعاء ,15 كانون الثاني / يناير

كاف يكشف عن شعار وكأس بطولة أمم أفريقيا للمحليين 2024

GMT 12:16 2025 الثلاثاء ,14 كانون الثاني / يناير

رانيا يوسف تشوّق جمهورها لمسلسلها الجديد "موضوع عائلي
 
syria-24

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Arabstoday Arabstoday Arabstoday Arabstoday
arabstoday arabstoday arabstoday
arabstoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
arabs, Arab, Arab