تجارب إصلاح الأزهر 3 3

تجارب إصلاح الأزهر (3- 3)

تجارب إصلاح الأزهر (3- 3)

 العرب اليوم -

تجارب إصلاح الأزهر 3 3

بقلم : عمار علي حسن

لكن بذرة تحوُّل الأزهر إلى «جامعة» غُرست عام 1930، فى عهد الإمام محمد الأحمدى الظواهرى (1929-1944)، حيث تم إنشاء ثلاث كليات هى «أصول الدين» و«الشريعة» و«اللغة العربية»، فلما جاء عام 1961 صدر القانون رقم 103 الذى بات الأزهر بمقتضاه «جامعة»، بعد أن أضيفت إلى كلياته الثلاث المذكورة كليات مدنية، مثل «الهندسة» و«الطب» و«الإدارة» و«الزراعة» و«البنات»، وقد كان ذلك فى عهد الإمام محمود شلتوت (1958-1964).

ووازى هذا التطور فى البنية التعليمية تدرُّج فى الإصلاح الفكرى للأزهر، كان يعلو ويهبط، يتوهج ويخبو، حسب التكوين العقلى لمن يتولى المشيخة. وإذا كانت حركة النهضة المصرية قد اشتد عودها مع بداية القرن العشرين، فإن الأزهر فى تلك الآونة كان يقوده رجل ناصر الثورة العرابية، وتولى نظارة دار الكتب، وكان صديقاً لمحمود سامى البارودى، وتحمس بقوة لأفكار الإمام محمد عبده الإصلاحية، وهو الشيخ على محمد الببلاوى (1902-1905)، لكن خلفه الشيخ عبدالرحمن الشربينى (1905-1906)، كان تقليدياً سلفياً، عادى الإصلاح وتحيز للقديم. فلما جاء المراغى وضع نواة رقابة الأزهر على المنتج الفكرى من خلال إنشاء هيئة تراقب البحوث والثقافة الإسلامية والكتب التى تهاجم الدين. وتبعه الظواهرى الذى كان إصلاحياً إلى حد كبير، يميل إلى تجديد الفقه بما يواكب التغيرات الاجتماعية والسياسية، ويسعى إلى أن يكون علماء الدين ملمين بمجريات الواقع، وأن يفهموا فى السياسة قدر فهمهم فى الفقه والأصول والحديث.. إلخ. وقد كان الظواهرى يطبق هنا أفكاره التى ضمنها فى كتاب وسمه بـ«العلم والعلماء»، دافع فيه باستماتة عن الأفكار الإصلاحية لمحمد عبده، ما دفع الخديو عباس حلمى إلى محاربته، وجُمعت نسخ الكتاب لتحرق فى ساحة الجامع الأحمدى بطنطا، لكن مصادرة الكتاب لم تحُل دون ذيوعه، فانكب الطلاب ينسخون منه صوراً باليد، ويتبادلونها. وأعاد الإمام عبدالحليم محمود طبع الكتاب حين كان يتولى أمانة مجمع البحوث الإسلامية.

وبعد الظواهرى تبوأ مشيخة الأزهر رجل مستنير من تلاميذ محمد عبده، إنه الإمام مصطفى عبدالرازق (1945-1947)، الذى درس الفلسفة والآداب بجامعة السربون، فزاوج بين ثقافة الغرب وتراث الإسلام، ولذا نادى بانفتاح الأزهر على الغرب، وشيّد قاعة محمد عبده بالأزهر لتكون ملتقى للمؤتمرات الدولية الإسلامية، وترجم بعض الكتب الدينية، وفى مقدمتها «رسالة التوحيد» إلى اللغة الفرنسية. وواصل خلفه الإمام محمد مأمون الشناوى (1947-1950) ما أمكنه مسيرة عبدالرازق، حين أرسل نوابغ طلاب الأزهر لتعلم اللغة الإنجليزية، كى يصبحوا دعاة عصريين قادرين على مخاطبة «الآخر». أما الإمام عبدالمجيد سليم (1950-1951/ 1952-1954)، فقد انصب اهتمامه على تحرير الفقه من التقيد بالمذاهب، التى حاول التقريب بينها، ودعا إلى إعمال العقل فى الأمور الدينية.

وبعد ثورة يوليو 1952 حاول أغلب من تولوا مشيخة الأزهر تطويع رأى الدين لخدمة السياسات السائدة، فشلتوب أفتى بأن «القوانين الاشتراكية لا تتعارض مع الإسلام»، والدكتور محمد الفحام الذى تولى المشيخة فى الفترة (1969-1973)، اعتبر أن الانقضاض على الاشتراكية بمقتضى ما سماها السادات ثورة التصحيح عام 1971 هو «خطوة تأتى من أجل كفالة الحريات للوطن والمواطنين وسيادة القانون وبناء لدولة الجديدة».

لكن الأزهر كان قد استوعب الكثير من الأفكار الإصلاحية التى روج لها رواده على مدار قرن من الزمان، يبدأ من منتصف القرن التاسع عشر حتى منتصف القرن العشرين، إلا أنه لم يتخذ خطوات فارقة على هذا الدرب، نظراً لطغيان «السياسى» على «الدينى» و«الفكرى» معاً عقب قيام ثورة يوليو، بما جعل الخط البيانى فى إصلاح الأزهر يعلو ببطء لا يقارن أبداً بالقفزات التى كان تحدث من قبل، حين شرع أنصار الليبرالية فى طبع بصماتهم على الرؤية الدينية، بما يمكّنها من أن تلقى بغمارها تدريجياً فى الواقع المعيش، وتخرج من إسار الكتب القديمة التى أنتجها الفقهاء فى عصور ولّت.

arabstoday

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

تجارب إصلاح الأزهر 3 3 تجارب إصلاح الأزهر 3 3



إطلالات حمراء جريئة للنجمات على سجادة مهرجان البحر الأحمر

الرياض ـ العرب اليوم

GMT 07:51 2024 الخميس ,12 كانون الأول / ديسمبر

أفكار لملابس تناسب شتاء 2025
 العرب اليوم - أفكار لملابس تناسب شتاء 2025
 العرب اليوم - مقتل 54 صحافياً في عام 2024 ثلثهم على أيدي القوات الإسرائيلية

GMT 16:39 2024 الثلاثاء ,10 كانون الأول / ديسمبر

التأثير الإيجابي للتمارين الرياضية على صحة الدماغ

GMT 06:13 2024 الأربعاء ,11 كانون الأول / ديسمبر

تجربة علاج جيني جديد تظهر تحسناً مذهلاً في حالات فشل القلب

GMT 06:09 2024 الأربعاء ,11 كانون الأول / ديسمبر

روبوت كروي ذكي يُلاحق المجرمين في الشوارع والمناطق الوعرة

GMT 20:19 2024 الثلاثاء ,10 كانون الأول / ديسمبر

الفنان جمال سليمان يبدي رغبتة في الترشح لرئاسة سوريا

GMT 18:20 2024 الأحد ,08 كانون الأول / ديسمبر

بشار الأسد يصل إلى روسيا ويحصل على حق اللجوء

GMT 02:54 2024 الأربعاء ,11 كانون الأول / ديسمبر

480 غارة إسرائيلية على سوريا خلال 48 ساعة

GMT 22:09 2024 الثلاثاء ,10 كانون الأول / ديسمبر

داني أولمو مُهدد بالرحيل عن برشلونة بالمجان

GMT 08:24 2024 الأربعاء ,11 كانون الأول / ديسمبر

سوريا... محاولة في إعادة ترتيب الآمال والمخاوف

GMT 04:49 2024 الأربعاء ,11 كانون الأول / ديسمبر

وزارة الصحة الكينية تسجل 5 حالات إصابة جديدة بجدري القردة

GMT 06:15 2024 الأربعاء ,11 كانون الأول / ديسمبر

استئناف عمل البنك المركزي والبنوك التجارية في سوريا

GMT 05:03 2024 الأربعاء ,11 كانون الأول / ديسمبر

وزير الدفاع الكوري الجنوبي السابق حاول الانتحار في سجنه
 
syria-24

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Arabstoday Arabstoday Arabstoday Arabstoday
arabstoday arabstoday arabstoday
arabstoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
arabs, Arab, Arab