العوام يختطفون السياسة 1  2

العوام يختطفون السياسة (1 - 2)

العوام يختطفون السياسة (1 - 2)

 العرب اليوم -

العوام يختطفون السياسة 1  2

عمار علي حسن

غاية ما تصل إليه الحياة السياسة من نضج أن تدير الأمور طليعة أو صفوة تعى نبض الجماهير الغفيرة، فلا تفتئت عليها أو تتجاوزها باسم الحكمة أو السرعة أو التذرّع بمقتضيات المصلحة العامة. لكن أن تنقلب الأحوال فيخطف العوام السياسة، ويجرون الصفوات والطلائع والقيادات وراءهم من دون هوادة، ولا روية، ولا استبصار، فهذا ما لا يمكن قبوله، ولا يجب السكوت عليه.
فى حقبة ما بعد الاستقلال ضربت الأنظمة الحاكمة فى العالم العربى بشدة على أيدى الصفوات، التى نضجت فى كفاحها المرير ضد الاستعمار من أجل تحرير الأرض وصيانة العرض السياسى والاقتصادى الذى استباحه المحتلون. وكان لضربات هذه الأنظمة المتتابعة أثر بالغ فى القضاء تدريجياً على النخب «المضادة»، أو تلك التى لم يرق لها مسلك حكومات ما بعد الاستقلال، فعارضتها، متوهمة أن من قفزوا إلى كراسى السلطة، سيوفرون لمعارضيهم حرية الوجود والتوالد والامتداد والاستمرار، حتى لو من الناحية الشكلية، أو بالمستوى الذى كان عليه الحال أيام المستعمر.
ومع توالى العقود، ترنّحت الصفوات السياسية البديلة، ولم يبقَ إلا «صفوة» واحدة تضم من بأيديهم مقاليد الأمور، وحولهم الذيول التابعة الدائرة فى فلكهم، طمعاً فى مغنم أو مخافة مغرم، أو طلباً لحماية أو تجنباً لبطش، حتى تم، بعد خمسة عقود من رحيل المستعمر، تفريغ الحياة السياسية العربية من العناصر التى تمنحها الحيوية، وتمدها بالقوة واللياقة، التى من شأنها أن تجعل الاستجابة فى صناعة القرارات على قدر التحديات الضاغطة، التى وصلت فى الوقت الراهن إلى حد مطالبة العرب بتفكيك نظامهم الإقليمى، الذى عاشوا تحت ظلاله بمسميات عدة، منها «الأمة العربية» و«الوطن العربى» و«العالم العربى» و«العروبة»، كى ينضووا تحت نظام مغاير يحمل اسم «الشرق أوسط الكبير» أو «الشرق أوسط الموسع» حسبما يُسعف به لسان البيت الأبيض من اصطلاحات، أو تفكيك الدول الوطنية إلى وحدات صغيرة مثلما هو مطروح الآن.
ومع اتساع الهوة بين النخب الحاكمة والجماهير العريضة، بعد أن وأدت السلطة أغلب الوسائط السياسية الحقيقية من مؤسسات حزبية ونقابية ورموز سياسيين ووجهاء اجتماعيين، لم يبقَ أمام الجماهير من طريق سوى التعامل الملتوى مع من هم فى سدة الحكم، إما بالسخرية منهم، أو تجاهل قراراتهم، أو معاندتهم إن سمحت الظروف وقويت الشوكة، لكن الأخطر هو محاولة التسلل البطىء إلى صفوف النخبة، بدفع عناصر من العوام إلى الصفوف الأمامية، وهو ما تجسّد فى مصر مثلاً بالإصرار على أن يكون نصف أعضاء مجلس الشعب (البرلمان) من العمال والفلاحين، وفى العراق وصل بائع الثلج «عزة إبراهيم» إلى منصب نائب الرئيس، وينسحب هذا الأمر على الكثير من النظم الشمولية العربية، التى يتقدّم فيها أهل الثقة على أهل الخبرة، حيث قطع العوام شوطاً بالغاً إلى الأمام. ورغم قيام ثورات وانتفاضات فى بعض البلدان العربية فلا يزال الوضع على حاله فى هذه الناحية. وهذا التسلل لم يكن قراراً خالصاً للعوام، بل إنه فى كثير من الأحيان كان تدبيراً من قبل النخبة الشمولية الحاكمة، التى أرادت أن تقطع الطريق أمام النخب البديلة، رغم ما لاقته على أيدى السلطة من تهميش، فلا يكون بإمكانها التواصل مع الجماهير، وتعبئتها حول برامج وأطروحات مغايرة لتلك التى تتبناها الحكومات.

 

 

 

 

arabstoday

GMT 07:17 2024 الأحد ,24 تشرين الثاني / نوفمبر

شالوم ظريف والمصالحة

GMT 07:13 2024 الأحد ,24 تشرين الثاني / نوفمبر

حرب اعتزاز ومذكرة مشينة

GMT 07:11 2024 الأحد ,24 تشرين الثاني / نوفمبر

العدالة... ثم ماذا؟

GMT 07:08 2024 الأحد ,24 تشرين الثاني / نوفمبر

لبنان وسؤال الاستقلال المُرّ

GMT 07:05 2024 الأحد ,24 تشرين الثاني / نوفمبر

شاورما سورية سياسية مصرية

GMT 07:03 2024 الأحد ,24 تشرين الثاني / نوفمبر

الحضارة بين العلم والفلسفة أو التقنية والإدارة

GMT 07:00 2024 الأحد ,24 تشرين الثاني / نوفمبر

استقرار لبنان... رهينة التفاوض بالنار

GMT 06:58 2024 الأحد ,24 تشرين الثاني / نوفمبر

الصراع الطبقي في بريطانيا

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

العوام يختطفون السياسة 1  2 العوام يختطفون السياسة 1  2



إطلالات هند صبري مصدر إلهام للمرأة العصرية الأنيقة

القاهرة ـ العرب اليوم

GMT 09:46 2024 الخميس ,21 تشرين الثاني / نوفمبر

الفستق يتمتع بتأثير إيجابي على صحة العين ويحافظ على البصر

GMT 06:42 2024 السبت ,23 تشرين الثاني / نوفمبر

إيران ولبنان.. في انتظار لحظة الحقيقة!

GMT 07:07 2024 السبت ,23 تشرين الثاني / نوفمبر

كندا تؤكد رصد أول إصابة بالسلالة الفرعية 1 من جدري القردة

GMT 07:23 2024 السبت ,23 تشرين الثاني / نوفمبر

"فولكس فاغن" تتمسك بخطط إغلاق مصانعها في ألمانيا

GMT 11:10 2024 السبت ,23 تشرين الثاني / نوفمبر

مسيرات إسرائيلية تستهدف مستشفى كمال عدوان 7 مرات في غزة

GMT 17:28 2024 الجمعة ,22 تشرين الثاني / نوفمبر

أحمد عز يتحدث عن تفاصيل فيلم فرقة موت

GMT 11:15 2024 السبت ,23 تشرين الثاني / نوفمبر

شيرين عبد الوهاب توضح حقيقة حفلها في السعودية
 
syria-24

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Arabstoday Arabstoday Arabstoday Arabstoday
arabstoday arabstoday arabstoday
arabstoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
arabs, Arab, Arab