حبل التكاذب طويل

حبل التكاذب طويل

حبل التكاذب طويل

 العرب اليوم -

حبل التكاذب طويل

بقلم: بكر عويضة

حصل هذا منذ زمن بعيد جداً، في مختلف مجتمعات العرب، بكل ما تحفل به من عادات تتباين، وثقافات تتعدد في مجالات عدة، وبكل ما تعرف من تقاليد تتشابه حيناً، وتتباعد أحياناً، إذ جرت الألسن بمثل شعبي يقول التالي: «حبل الكذب قصير». ذلك تعبير صحيح عن رفض عموم الناس السويين تقبّل سلوك الكذابين، وبالتالي توجيه تحذير لهم أن أمر كذبهم سينكشف عما قريب، ولو ظنّوه بعيداً. بيد أن بعض الخلق، بصرف النظر عن العِرق، والجنس، والأصل، سوف يستمرئ أن يكذب دائماً، وقد يقال فيه إن فلاناً ليس كذاباً فحسب، بل هو «كذوب»، فقد أدمن الكذب حتى أنه أضحى بمثابة الشيء العادي عنده، وربما يجد في ممارسته حلاوة ترضي جانباً غير معروف للغير عنه، حتى لو أبدى من الندم ما قد يُسكت تأنيب ضمير مؤقت، سرعان ما يذهب أدراج الرياح، لسبب شديد الوضوح، خلاصته أن الكذب المستمر بات هو المنهج الدائم لدى تلك الشرائح من البشر، أما المبادرة من جانبها إلى اعتذار خجول، في حال افتضاح كذب مفاجئ لها، فمن الصحيح، منطقياً، إدراجها ضمن تصنيف «التكاذب»، الذي قد يُعامل بتسامح، وأحياناً يُقابل بالصفح حتى من قِبل ضحاياه، فأين العجب، إذنْ، إذا طالت حباله، وتعددت أشكاله، وامتدت أزمانه سنوات؟

ليس من عجب، ولا ثمة ما يدهش. إنما يثير الاستغراب ألا تبالي فئات محددة بتأثير الذي تمارس مما يروق لها من أقوال التكاذب على قطاعات بين الناس تسارع إلى تصديق ما تسمع، بلا بذل أدنى جهد بغية التدقيق، وبلا تلمس لحقائق الأفعال التي تتنافر تماماً مع كل كلام بَرّاق يُقال، فتبدو كما مخدوع يستعذب الخداع لمجرد أن ذلك يشبع عواطف يُراد استرضاؤها، أو إقناعها بإمكانية تحويل سراب رمال الصحراء إلى واقع موهوم. الفئات المعنية هنا هي، تحديداً، حركات وأحزاب وجبهات تحترف العمل السياسي. إنها تتوارث ذلك الاحتراف جيلاً بعد جيل، ثم تجدها لا تتورع عن إعطاء ما تمتهن، سياسياً، صفات تنتحل «نقاء» النضال، أو «ورع» الجهاد، ولن تعوزها حيل التفنن في استحداث الجديد من قوالب أوصاف تتناسب مع كل المراحل. مثلاً، ما سُمي «الصمود والتصدي» في ثمانينات القرن الماضي، صار يحمل وصف «المقاومة والممانعة» في الزمن الحالي. بالطبع، تقف وراء تلك التنظيمات، دائماً، أنظمة وحكومات يعنيها أن تمد الذين صاروا بمنزلة الحلفاء لها بكل أسباب البقاء كي تضمن استمرار أطراف تمارس كل أنواع الكذب السياسي نيابة عنها، مع أنها ليست تخشى الممارسة ذاتها في التعامل مع شعوبها أساساً. ضمن هذا السياق، يعكس النظام الإيراني، وحليفه السوري، مِثالين بوسع كل متابع رؤية انعكاسات ممارساتهما للكذب السياسي على واقع الشعبين في سوريا وإيران أولاً، وعلى شعوب الفصائل والتنظيمات المتحالفة معهما، ثانياً.
لعل من الواجب التذكير هنا بضرورة الفصل، دائماً، بين قواعد تلك الأحزاب والحركات التي تضم عناصر أتت من صفوف بسطاء الناس، والتي يجب احترام ما يعتمل في نفوسها من أحاسيس وطنية، وبين الأطقم القيادية التي تتحمل على نحو مباشر مسؤولية إبرام التحالفات مع مختلف القوى، وما يترتب عليها من ممارسات. الفرق بيّنٌ، وإذا كان هناك أي قدر من لوم على سوء تقدير الحسابات، فهو واقع - كما يؤكد منطق العمل السياسي ذاته - على عاتق مَن يقود، وليس مَن يتبع فيطبق ما يتلقى من تعليمات. تلفت النظر، في هذا الجانب، مفارقة يستطيع ملاحظتها كل دارس لمسار الحركات السياسية، وكل ممارس للعمل السياسي خلال مرحلة من حياته، خلاصتها أن كثيراً من القيادات الحزبية، أو الحركية، خرجت أصلاً من تلك القواعد نفسها، لكن تصرفاتها، أو مواقفها، بعدما تربعت على قمة الهرم القيادي، ليست هي ذاتها حين وجودها في الصفوف الخلفية. نعم، الاستثناء قائم في أكثر من حالة، ثم إن التعميم المُطلق ليس موضوعياً على الإطلاق. خطورة حبل تكاذب الساسة الطويل، حتى حين يُبرر بأنه تكتيك سياسي، هي أنه يطيل عمر أوهام تضيّع من أعمار أجيال الشعوب سنين طويلة، بلا جدوى تُلمس عملياً، أو فائدة تُجنى واقعياً. أليس ممكناً رؤية دليل ذلك في الواقع الفلسطيني، أكثر من غيره؟ بلى، لكن التفصيل يتطلب مقال أسبوع مقبل.

arabstoday

GMT 06:23 2024 الخميس ,04 تموز / يوليو

المبحرون

GMT 06:20 2024 الأربعاء ,10 تموز / يوليو

قرارات أميركا العسكرية يأخذها مدنيون!

GMT 06:17 2024 الخميس ,04 تموز / يوليو

تسالي الكلام ومكسّرات الحكي

GMT 06:14 2024 الخميس ,04 تموز / يوليو

كيف ينجح مؤتمر القاهرة السوداني؟

GMT 06:11 2024 الخميس ,04 تموز / يوليو

اكتشافات أثرية مهمة بموقع ضرية في السعودية

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

حبل التكاذب طويل حبل التكاذب طويل



أحلام بإطلالات ناعمة وراقية في المملكة العربية السعودية

الرياض ـ العرب اليوم

GMT 03:23 2025 الأربعاء ,15 كانون الثاني / يناير

أنتوني بلينكن يكشف عن خطة "تشمل قرارات صعبة" لغزة بعد الحرب
 العرب اليوم - أنتوني بلينكن يكشف عن خطة "تشمل قرارات صعبة" لغزة بعد الحرب

GMT 14:03 2025 الأربعاء ,15 كانون الثاني / يناير

رانيا يوسف تكشف طريقة دخولها مجال الفن
 العرب اليوم - رانيا يوسف تكشف طريقة دخولها مجال الفن

GMT 10:46 2025 الإثنين ,13 كانون الثاني / يناير

أخطاء شائعة تؤثر على دقة قياس ضغط الدم في المنزل

GMT 04:19 2025 الثلاثاء ,14 كانون الثاني / يناير

بايدن يعلن ولاية كاليفورنيا منطقة منكوبة

GMT 07:10 2025 الإثنين ,13 كانون الثاني / يناير

أحلام بإطلالات ناعمة وراقية في المملكة العربية السعودية

GMT 03:27 2025 الثلاثاء ,14 كانون الثاني / يناير

وكالة الفضاء الأوروبية تخطط لاختبار محركات لصواريخ Ariane 6

GMT 05:20 2025 الثلاثاء ,14 كانون الثاني / يناير

إغلاق تسعة شواطئ في سيدني بعد ظهور حطام غامض على شكل كرات

GMT 03:24 2025 الثلاثاء ,14 كانون الثاني / يناير

مقتل 5 عسكريين اسرائيليين من لواء النخبة بمعركة في غزة

GMT 04:37 2025 الثلاثاء ,14 كانون الثاني / يناير

ثغرة برمجية تسمح باختراق بعض هواتف سامسونغ

GMT 04:31 2025 الثلاثاء ,14 كانون الثاني / يناير

أنباء تفيد باقتراب حرائق الغابات من مقر ميتا

GMT 14:49 2025 السبت ,11 كانون الثاني / يناير

كريم محمود عبدالعزيز يكشف عن رأي أولاده في أعماله
 
syria-24

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Arabstoday Arabstoday Arabstoday Arabstoday
arabstoday arabstoday arabstoday
arabstoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
arabs, Arab, Arab