سياسات أميركية أوصلت إلى «الخلافة» البغدادية

سياسات أميركية أوصلت إلى «الخلافة» البغدادية

سياسات أميركية أوصلت إلى «الخلافة» البغدادية

 العرب اليوم -

سياسات أميركية أوصلت إلى «الخلافة» البغدادية

بكر عويضة

 تقول واشنطن إنها مستعدة لدفع عشرة ملايين دولار لرأس إرهابي يُدعى أبو بكر البغدادي، فكيف يُعقل أن أدعو الرئيس باراك أوباما ليبايع من ادعى الآن أنه «الخليفة» إبراهيم؟ مشهد كاريكاتوري، بالتأكيد. لكن، الواقع يقول إن سياسات الإدارة الأميركية الحالية أسهمت - ضمن عوامل مختلفة - في تمكين جحافل «داعش» من تثبيت الأقدام بمواقع عدة على الأرض السورية، بل جرى غض النظر حتى عندما أعلن التنظيم مدينة الرقة عاصمة مؤقتة، وراح يمارس في الشوارع منها والأزقة بطش السيوف وإزهاق الأرواح، ثم إن تواصل خطأ التساهل الأميركي في التعامل مع نظام بشار الأسد يسّر زحف التنظيم للجوار العراقي، ومع وصول الرايات للموصل، وإذ دانت لها تكريت، ومن بغداد اقتربت، بدا للبغدادي أن «الخلافة» صارت طوع يده، فقد تمكَّن، ومن ثم وجب أن تحل «الدولة الإسلامية» محل التنظيم، فتدعو لحل كل جماعة ليست تدين لها ولمن أعلنته واشنطن أخطر إرهابيي العالم، فكان جوابه أن أعلن نفسه «الخليفة» إبراهيم.
خطورة ذلك الأمر أنه أبعد من مجرد كلام قد يبدو- لمن يشاء - لا يستحق كثير اهتمام. الوضع العربي لم يعد يقف على حافة بلل التفتت، بل صار بين خيار العوم أو خطر الغرق. بلغني مثلٌ سوداني دارج يقول: «اللي يتبلبل – أي بلل الماء - يعوم». تذكرت المثل إذ يتمثل أمامي، وكثيرين غيري، سوء الحال العربي وقد بلغ من الوبال ما يقضّ مضجع كل ذي بال. بالطبع، لكل أمرئ، أينما أقام، وتحت أي سقف نام بقارات الكوكب الخمس، وبصرف النظر عن اختلاف مواقيت انبلاج الفجر وشروق الشمس، وأيضا عن جنس معجم الأمثال الساكن تحت الوسادة، بالطبع لكل امرئ أن يطبق ما يسمع أو يردد من أمثال، وفق ما يظن أنه حق توجبه مصلحته. مثلاً، سؤال المجرِّب أفضل من علاج الطبيب طالما أن دواء المُعالج بالعشب يرضي مزاج أغلبية الشعب، أو ما دام أن شكل دواية من يداوي بالقلم، لون الحبر، رائحته، مجمل الخلطة «كلهاعلى بعضها»، بلغة السوق، يمكن لها أن تسكِّن صداع معظم المعترين، حتى لو أن أكثرهم لا يعلمون. من ذاك الذي يهتم، دع عنك هذا الهمّْ، كل ما يقلق الضمير لم يعد يهم، اقلب الصفحة، عد إلى خيار العوم أو الغرق، رُبّ قائل، عن حق، أجب عن السؤال الأهم: أما يزال بوسع العرب عبور مآزق ما بعد ربيع التغيير، أم أن الخرق اتسع على كل راقع، والرتق ابتلع كل من ظن أنه أنجع راتق؟
الحق أنني لا أملك الجواب. إنما ليس من الصواب أي استسلام لليأس. موضوعية المنطق تقتضي التسليم بأن الولايات المتحدة ليست وحدها من أخطأ الحساب في سوريا، العراق، ليبيا، أو في غيرها من مجتمعات عرضتها خضّات الأربع سنوات الماضية لأخطار تفتت كياناتها إلى شظايا، وقبل لوم دول كبرى تضع مصالحها أولاً في الميزان، جدير بأهل تلك المجتمعات إمعان النظر في أفعال القوى الأساس اللاعبة بساحات ملاعبها على نحو تلاعب بمصائر الناس وبمستقبل أمصار لحساب موازين فئوية أو طبقية، فجرى تغليب كفة حزب هنا، أو منظمة هناك، جماعة أو حركة في هذا البلد أو ذاك، تكتل في قُطر ما، أو تحالف يضم تناقضات ليس يستقيم معها أي حلف، فماذا كانت النتيجة؟ تقهقر حلم ديمقراطية التغيير، فتبعه انهيار سلمية تداول السلطة، ضرب الخلل سُلم الأولويات، فاختل سِلمُ المجتمع، وأصيب وعي العقل بما يشبه صداع الدوار، فسادَ سَقَمُ التفكير، وغُيّب سوّي القول في غابات إفساد العقول، انتفخت الأفئدة بهواء الأنا، حلقت الأرواح في فضاء «أنا ومن بعدي الطوفان»، لم يخطر للمنتفخين بعظمة الذات، بأمجاد القلم ولمعان الفضائيات، أن نيران فتنة ينفخون في أوارها ستحرق أمة بأكملها يزعمون أنهم على أمجاد ماضيها حريصون، وعلى مستقبل رفعتها خائفون، ارتفع صوت من يجادل بحق يراد به الباطل بعينه، وعلا صراخ من يزعق بالباطل في رابعة النهار يريد دحض حق يسطع في كبد السماء، فإذا بحق الجهاد المتسلح بنور العلم يختلط بظلام سلاح إزهاق الأرواح، صار الخلط أساس النحو والصرف، حتى كيف يميز تلميذ الأبيض من الأسود في خيط لغة العرب بات موضع جدال، فما العجب إنْ فقدت الحروف نقاطها، أضاعت الأسماء معانيها، وما المشكل إن اعتدى خبر على مبتدأ، ولمَ الاستغراب إذا ارتابت أية قضية عربية بعدالتها، فإن سئلت عمن وأدها، حار جوابها أين يحط الرحال؟
سادت عبر التاريخ حضارات ثم بادت، أعلنت دول فما عمّرت طويلا (كما حال وحدة ليبيا وتونس تحت مسمى «الجمهورية العربية الإسلامية» التي أعلنها معمر القذافي بعد قمة مفاجئة مع الحبيب بورقيبة في 12 يناير/ كانون أول 1974)، ونهضت دول من ركام الخراب فصمدت لرياح الاضطراب من حولها، وقاومت زلازل وأعاصير أرادت تدميرها. في هذا السياق، يمكن القول إن دولة تنظيم «داعش» الذي بايع «الخليفة» إبراهيم قد تعيش بضعة أيام، أسابيع، أشهر، أو بضع سنين، من يدري، لكن يبقى المهم تذكّر أن فصيلاً صغيراً انفصل عن «القاعدة»، تمكن خلال أربع سنوات من تنظيم آلاف المقاتلين تحت رايات أمكنها أن تعبر وتحتل مساحات واسعة ما بين العراق وسوريا، وأن ذلك التطور في حد ذاته لم يؤخذ، في حينه، بمستوى جاد يتناسب مع حجم ما مثله من مخاطر مقبلة. هل ما يزال بالوسع صد تأثير حصاد الحسابات الخاطئة؟ الواجب يقتضي أن يكون الجواب بنعم إيجابية، تستفيد مما حصل، وتخطط بعلم وموضوعية للمستقبل. دعونا نأمل أن الآتي أفضل.

 

arabstoday

GMT 06:25 2024 الأربعاء ,27 تشرين الثاني / نوفمبر

... عن «الممانعة» و«الممانعة المضادّة»!

GMT 06:21 2024 الأربعاء ,27 تشرين الثاني / نوفمبر

الفكرة «الترمبية»

GMT 06:18 2024 الأربعاء ,27 تشرين الثاني / نوفمبر

واشنطن... وأرخبيل ترمب القادم

GMT 06:15 2024 الأربعاء ,27 تشرين الثاني / نوفمبر

فريق ترامب؟!

GMT 06:12 2024 الأربعاء ,27 تشرين الثاني / نوفمبر

مفاجأة رائعة وسارة!

GMT 06:09 2024 الأربعاء ,27 تشرين الثاني / نوفمبر

كيف تخطَّوْا الخطَ الأول؟

GMT 06:06 2024 الأربعاء ,27 تشرين الثاني / نوفمبر

راجعين يا هوى

GMT 07:06 2024 الثلاثاء ,26 تشرين الثاني / نوفمبر

الاحتفاء والاستحياء

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

سياسات أميركية أوصلت إلى «الخلافة» البغدادية سياسات أميركية أوصلت إلى «الخلافة» البغدادية



إطلالات هند صبري مصدر إلهام للمرأة العصرية الأنيقة

القاهرة ـ العرب اليوم

GMT 21:12 2024 الثلاثاء ,26 تشرين الثاني / نوفمبر

بايدن يعلن التوصل إلى إتفاق وقف النار بين لبنان وإسرائيل
 العرب اليوم - بايدن يعلن التوصل إلى إتفاق وقف النار بين لبنان وإسرائيل

GMT 19:32 2024 الثلاثاء ,26 تشرين الثاني / نوفمبر

رانيا فريد شوقي تكشف سبب ابتعادها عن السينما
 العرب اليوم - رانيا فريد شوقي تكشف سبب ابتعادها عن السينما

GMT 08:36 2024 الثلاثاء ,26 تشرين الثاني / نوفمبر

أطعمة ومشروبات تساعد في علاج الكبد الدهني وتعزّز صحته

GMT 02:40 2024 الثلاثاء ,26 تشرين الثاني / نوفمبر

القهوة والشاي الأسود تمنع امتصاص الحديد في الجسم

GMT 06:59 2024 الثلاثاء ,26 تشرين الثاني / نوفمبر

فلسطين و«شبّيح السيما»

GMT 07:22 2024 الإثنين ,25 تشرين الثاني / نوفمبر

دراسة تحذر من أن الأسبرين قد يزيد خطر الإصابة بالخرف

GMT 09:52 2024 الإثنين ,25 تشرين الثاني / نوفمبر

كفاءة الحكومة

GMT 06:45 2024 الثلاثاء ,26 تشرين الثاني / نوفمبر

لبنان يقترب من وقف النار

GMT 10:19 2024 الإثنين ,25 تشرين الثاني / نوفمبر

جهود هوكستين: إنقاذ لبنان أم تعويم «حزب الله»؟

GMT 16:54 2024 الإثنين ,25 تشرين الثاني / نوفمبر

روسيا تتعاون مع الحوثيين لتجنيد يمنيين للقتال في أوكرانيا

GMT 02:58 2024 الثلاثاء ,26 تشرين الثاني / نوفمبر

11 شهيدًا في غارات للاحتلال الإسرائيلي على محافظة غزة

GMT 06:56 2024 الثلاثاء ,26 تشرين الثاني / نوفمبر

فرصة إيرانية ــ عربية لنظام إقليمي جديد

GMT 19:23 2024 الإثنين ,25 تشرين الثاني / نوفمبر

ميادة الحناوي تحيي حفلتين في مملكة البحرين لأول مرة

GMT 03:09 2024 الثلاثاء ,26 تشرين الثاني / نوفمبر

عدوان جوي إسرائيلي يستهدف الحدود السورية اللبنانية

GMT 07:58 2024 الثلاثاء ,26 تشرين الثاني / نوفمبر

اندلاع حريق ضخم في موقع لتجارب إطلاق صواريخ فضائية في اليابان
 
syria-24

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Arabstoday Arabstoday Arabstoday Arabstoday
arabstoday arabstoday arabstoday
arabstoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
arabs, Arab, Arab