العنف الاسري ارهاب بحق الامان الاجتماعي

العنف الاسري ارهاب بحق الامان الاجتماعي

العنف الاسري ارهاب بحق الامان الاجتماعي

 العرب اليوم -

العنف الاسري ارهاب بحق الامان الاجتماعي

سارة طالب السهيل
بقلم : سارة طالب السهيل

رغم التطور المعرفي والحضاري في المجمتعات الانسانية شرقا وغربا، فانها لم تفلح في ايجاد حلول ناجعة لكارثة العنف الأسري الذي يهدد مستقبل الصغار والناشئة ويخلق منهم بشرا معقدين فاقدي الثقة في أنفسهم وبالعالم من حولهم وعرضهم لشتى انواع الضياع الاجتماعي كالتشرد، وما ظاهرة أطفال الشوراع الا انعكاس لكوراث العنف الأسري.

والحقيقة انه لم يخل مجتمع معاصر من جريمة العنف الاسري، فهي برأيي جريمة بحق الانسانية، ولا تقل في خطورتها عن خطورة الارهاب الداعشي وغيره بالنظر الى ما تخلفه من آثر تدمر الأسر وتهدد استقرار وأمان المجتمع.

وجاءت جائحة كورونا العام الماضي لتعري شعوب العالم حينما أجبر الجميع على العزل المنزلي فانكشف المستور وزاد معدلات العنف الاسري بحق المرأة والطفل. أما في عالمنا العربي، فان هذه الكارثة لها امتداد أكبر واسبق من كورونا بفعل اشتعال الصراعات والحروب بالمنطقة والتي تسببت في أزمات اقتصادية طاحنة على عاتق عائل الاسرة، والذي بدوره لم يجد ملاذا ينفس فيه جماح غضبه الا على أسرته وصغاره ليتحول البيت الي جحيم لا يطاق وقد ينتهي بالطلاق او هروب الأبناء من المنزل او هروب الزوجة او تعرضها للاصابات والضرب المبرح والاهانات اللفظية التي تدمر انسانية الانسان.

يلعب العامل الثقافي والعادات والتقاليد في عالمنا العربي دور البطولة إزاء هذا العنف الاسري، حين تعطي عائل الاسرة رجل او أمراة الحق في تأديب الابناء بمعزل عن الرحمة والحكمة، وهو ما قد يتنافى مع القيم الاخلاقية والروحية والدينية التي جاءت بها الرسالات السماوية بالمنطقة، بينما تجبر العادات والتقاليد المرأة على مقاضاة زوجها بالقضاء خوفا على مستقبل ابنائها فقد يكسر زوجها يدها او يفقع عينها امام أبنائها ويسبها أمام اطفالها وقد تحتمل لانها ليس لها عائل سوى زوجها او ليس لديها عمل تكتسب منه ما يحررها من الحاجة لزوجها العنيف حين يضعها تحت طائلة قهره.

فكم أزهقت ارواح ابرياء من الاطفال او النساء نتيجة هذا العنف؟! وكم تشرد الآلاف من الأبناء في الشوارع بفعل غياب الأمان والتقدير داخل الاسرة؟ وكم طفل تعرض للعنف الأسري وتحول الى قنبلة موقوتة تهدد أمن المجتمع.

تتصدر اليمن الدول العربية في قضايا العنف الأسري تليها المغرب فمصر وتختلف نسب العنف من قطر عربي لآخر وفقا لاحصائيات وبيانات صحيفة " وقائع" التي تظهر في استطلاع العام الماضي، ان العنف الأسري ينتشر بشكل كبير نسبياً في كل من اليمن (26 بالمائة) والمغرب (25 بالمئة) ومصر (23 بالمئة) والسودان (22 بالمئة) والجزائر (21 بالمئة).

وتكشف هذه الدراسة أن الذكور يتعرضون للعنف الأسري في أغلب الدول المشمولة بالدراسة، بينما الإناث يعتبرن ضحايا للعنف الأسري في كل من مصر ولبنان والمغرب. كما أن الإناث والذكور المقيمات والمقيمون بالمناطق الريفية في لبنان، جميعاً، يواجهون العنف الأسري.

وترى الدراسة ان العنف الأسري ظاهرة ريفية بشكل غالب، وان ضحاياه يلجأون إلى الأقارب لطلب الحماية والمساعدة، وذلك باعتبار الثقافة الاجتماعية التي ترى العنف الأسري مسألة عائلية خاصة، وذلك رغم بعض الأطفال يفقدون حياتهم على أيدي أبائهم نتيجة القسوة الشديدة أو إصابات خطيرة كالكسور.

ناهيك عن العنف الناتج عن الاهمال العاطفي، الإهمال الفكري بعدم تشجيع الاطفال، والتقليل من قدراتهم الفكرية، وعدم تشجيعهم على التعلم والحصول على الثقافة المطلوبة، كذلك العنف النفسي بحق الاطفال بترهيبهم وتهديدهم بالعقاب.

نماذج لواقع عربي
في العراق وبحسب مفوضية حقوق الإنسان فانه تم تسجيل 15000 قضية عنف أسري بالعراق خلال عام 2020، بشكل عام، وإصدار 4000 مذكرة إلقاء قبض. وغالبية هذا العنف موجه بحق النساء والأطفال وكبار السن، والخطورة انه قد تحول مؤخرا إلى حد القتل وأيضا لجوء بعض المُعَنّفين الى الانتحار، بينما لم تفلح المؤسسات العراقية على التعامل الصحيح مع حالات العنف الأسري ربما لقصور مواردها المالية والفنية.

ولا يوجد قانون خاص بالعنف الأسري ولا نصوص تحدد درجة القرابة”، الأمر الذي يستوجب ضرورة وضع قانون يحفظ لنا عاداتنا بقدر ما يوفر مصدر الرزق للمرأة، لانه في حال حبس الزوجة بعقوبة، فان الزوجة تفقد مصدرا للدخل والانفاق على صغارها، كما ينبغي أن يتبنى القانون توفير مأوى آمن للنساء المعنفات الهاربات من عنف الزوج والأهل”.

وللأسف، فان العراق فشل لسنوات في إقرار قانون العنف الأسري في العراق ومؤخرا صار مشروع هذا القانون موضع خلاف بين القوى الإسلامية والتيارات المدنية اعتقادا ان بنوده تتعارض مع الدستور والفقه الإسلامي، في حين ان مشروع هذا القانون قد يكون فرصة مناسبة لدعم قوانين العقوبات الخاصة بحماية الاسرة والاحداث، ومع ذلك فان هذه المسودة تفتقر الى التعريف الدقيق لنص العنف ومسؤوليات أولياء الأمور تجاه الأبناء، وقد يسلب من الوالدين حق توبيخ أبنائهم حتى إذا لمسا منهم حالات تطرف سلوكي، ومن ثم فهو بحاجة الى المراجعة الدقيقة.

أما مصر، فان العنف الجسدي يتصدر قائمة عدد بلاغات الخط الساخن لنجدة الطفل، وهو عزاه المراقبون الى انحفاض المستوى المعيشي، والبطالة وتعرض الزوجين لأزمات اقتصادية، يترتب عليها قلة الدخل، ومسؤوليات الأبناء المادية فوق طاقتهم مما قد يدفعهم لممارسة العنف بحق صغارهم.

ورغم تعدد مشروعات قوانين تجريم ممارسات العنف ضد النساء، فان دراسة للمجلس القومي للمرأة كشفت مؤخرا أن 28 % من النساء يتعرضن للعنف الجسدي على أيدي أزواجهن، وأقر أن ما يقرب من أربعة من كل خمسة رجال وجهوا شكلا ما من أشكال العنف النفسي إلى زوجاتهم.

وتحمي المادة 60 من قانون العقوبات مرتكبي العنف ضد النساء وتمدهم بحصانة من العقوبة فى حالات العنف الأسري، حين يُمنح الجانى الرأفة إذا أثبت أن ما ارتكبه كان بنية سليمة، ويستخدم هذه المادة لتبرير العنف الأسري على أنه حق الزوج في تأديب زوجته ولتبرير جرائم الشرف.

وفي السعودية صدرت حزمة العقوبات بحق المعتدين على المرأة جسديا أو نفسيا أو شرفيا تصل للسجن مدة لا تقل عن شهر وتصل إلى سنة. وتشمل العقوبات أيضا غرامة لا تقل عن 5 آلاف ريال سعودي قد تصل إلى 50 ألف ريال سعودي، على أن تضاعف العقوبة بحال تكرار الفعل، كمحاولة لردع يستغل رابطته الأسرية أو علاقة إعالة أو كفالة أو وصاية للاعتداء على النساء.

والعام الماضي صدر بالكويت أول قانون للحماية من العنف الأسري، يوفر أحكامًا للخدمات القانونية والطبية وإعادة التأهيل للناجين من العنف المنزلي، ويوفر فرصة لإنشاء ملاجئ حيث يمكن للضحايا اللجوء لها وطلب المساعدة.

ورغم كل هذه التشريعات القانونية في بلادنا العربية فان جرائم العنف الأسري لاتزال مسلسلا مستمرا وتتفاقم الاوضاع يوما بعد يوما ليزيد من عدد الضحايا والتشرد والتمزق الاجتماعي، وهو ما يجعلها تشريعات أشبه بحبر علي ورق!

نقاط توعوية
وبتقديري ان العنف الاسري ناتج بالأساس عن قصور بتربية الأبوين بالحنان والرحمة، وناتج ايضا عن غياب الوعي الحقيقي بأهمية المؤسسة الأسرية والوعي بدور كلا من الزوج والزوجة. وهذا الوعي ايضا ناتج عن قصور في تشكيل وعي الانسان العربي خلال مراحل تعليمه بسنوات الدراسة المختلفة، وعدم قدرة المؤسسات الثقافية والدينية والاعلامية على تشكيل وعيه المعرفي والانساني والثقافي بما له وما عليه من حقوق وواجبات.

فنشر الوعي الأسري يبدأ من المدرسة وصولا للجامعة وداخل المؤسسات الدينية، حيث تغرس وتكرس في الناشئة وايضا في الكبار من خلال الرسائل العلامية المتكررة ضرورة التوافق والتفاهم بين أفراد الأسرة، والاتفاق على أسلوب لتربية الأبناء يجمع بين اللين والحزم بحسب المواقف، وخلق بيئة أسرية صحية تقوم على التشاور والحوار والاحترام المتبادل بين الزوجين والأبناء.

ولعلي ادعو المؤسسات العربية التوعوية والثقافية، وكذلك كبار العائلات (كبير كل عائلة)الى تثقيف أبنائهم مبكرا بماهية الزواج ومسئولياته، وحقيقة الحياة الزوجية وأنها لا تخلو من عثرات يتوجب على الزوجين الصبر عليها حتى يعبرانها بسلام.

ولعل من اهم القضايا توعية المجتمع كله بحماية الطفل داخل مؤسسة الأسرة الصغيرة أو الممتدة أو داخل المجتمع، لان حماية هذه الطفولة من العنف هي حماية مباشرة للمجتمع بأسره.

ومن المناسب جدا التوسع في قيام مؤسسات المجتمع المدني ودور الرعاية الاجتماعية بدورها في رعاية المعنفين والمعنفات وعلاجهم نفسيا من الضغوط المؤلمة التي ذبحت انسانيتهم واعادة تأهيلهم نفسيا واجتماعيا.

أتمني ان تتعاون الدول العربية في اصدار قانون عربي موحد متقارب لمكافحة جرائم العنف الاسري، كما تتعاون فيما بينها في قضايا محاربة الارهاب، لان العنف الأسري لا يقل شراسة عن الارهاب.

arabstoday

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

العنف الاسري ارهاب بحق الامان الاجتماعي العنف الاسري ارهاب بحق الامان الاجتماعي



GMT 13:08 2021 الأربعاء ,14 إبريل / نيسان

صندوق أسرار الزمن المعتّق

GMT 13:33 2021 الأربعاء ,17 شباط / فبراير

الفالنتين والأوهام التي تنهي العلاقات

إطلالات هند صبري مصدر إلهام للمرأة العصرية الأنيقة

القاهرة ـ العرب اليوم

GMT 07:35 2024 الخميس ,21 تشرين الثاني / نوفمبر

قرية بورميو الإيطالية المكان المثالي للرياضات الشتوية
 العرب اليوم - قرية بورميو الإيطالية المكان المثالي للرياضات الشتوية

GMT 07:55 2024 الخميس ,21 تشرين الثاني / نوفمبر

الزرع الصناعي يضيف قيمة لديكور المنزل دون عناية مستمرة
 العرب اليوم - الزرع الصناعي يضيف قيمة لديكور المنزل دون عناية مستمرة

GMT 07:54 2024 الثلاثاء ,19 تشرين الثاني / نوفمبر

فيتامينات ومعادن أساسية ضرورية لشيخوخة أفضل صحياً

GMT 07:15 2024 الأربعاء ,20 تشرين الثاني / نوفمبر

فيتامين سي يعزز نتائج العلاج الكيميائي لسرطان البنكرياس

GMT 05:57 2024 الثلاثاء ,19 تشرين الثاني / نوفمبر

مشكلة العقلين الإسرائيلي والفلسطيني

GMT 07:39 2024 الأربعاء ,20 تشرين الثاني / نوفمبر

نجاة نهال عنبر وأسرتها من موت محقق

GMT 22:56 2024 الثلاثاء ,19 تشرين الثاني / نوفمبر

مقتل 3 جنود لبنانيين في قصف إسرائيلي

GMT 09:48 2024 الأربعاء ,20 تشرين الثاني / نوفمبر

بيب غوارديولا يوافق على عقد جديد مع مانشستر سيتي

GMT 18:37 2024 الثلاثاء ,19 تشرين الثاني / نوفمبر

واشنطن تفرض عقوبات على 6 قادة من حركة حماس

GMT 16:42 2024 الثلاثاء ,19 تشرين الثاني / نوفمبر

جماعة الحوثي تعلن استهداف سفينة في البحر الأحمر

GMT 08:32 2024 الأربعاء ,20 تشرين الثاني / نوفمبر

حسين فهمي يُعلّق على فوزه بجائزة عمر الشريف

GMT 06:43 2024 الأربعاء ,20 تشرين الثاني / نوفمبر

ترامب الطامح إلى دور شبه ديكتاتور!

GMT 11:51 2024 الأربعاء ,20 تشرين الثاني / نوفمبر

تليغرام يطلق تحديثات ضخمة لاستعادة ثقة مستخدميه من جديد

GMT 08:04 2024 الأربعاء ,20 تشرين الثاني / نوفمبر

أحمد العوضي يكشف عن بطلة مسلسله بعد انتقاد الجمهور

GMT 06:02 2024 الثلاثاء ,19 تشرين الثاني / نوفمبر

نعم... نحتاج لأهل الفكر في هذا العصر
 
syria-24

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Arabstoday Arabstoday Arabstoday Arabstoday
arabstoday arabstoday arabstoday
arabstoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
arabs, Arab, Arab