امرأة من حديد
الجيش الإسرائيلي يقول إن سلاح الجو استهدف منشأة يستخدمها حزب الله لتخزين صواريخ متوسطة المدى في جنوب لبنان أكثر من 141 قتيلا في اشتباكات بين القوات السورية وهيئة تحرير الشام في ريفي حلب وإدلب بوتين يقول إن الهجوم الضخم على أوكرانيا كان "ردًا" على الضربات على روسيا بأسلحة أميركية وبريطانية الجامعة العربية تطالب بالوقف الفوري لإطلاق النار في غزة والسماح بدخول المساعدات الخطوط الجوية الفرنسية تواصل تعليق رحلاتها إلى تل أبيب وبيروت حتى نهاية العام قطر ترحب بوقف النار في لبنان وتأمل باتفاق "مماثل" بشأن غزة وزير الدفاع الإسرائيلي يوعز بالتعامل بشكل صارم مع الأشخاص المحسوبين على حزب الله العائدين إلى الشريط الحدودي مع إسرائيل الجيش الإسرائيلي يصدر أوامر إخلاء لسكان عدد من المناطق في صور ويأمرهم بالتوجه إلى شمال نهر الأولي الدفاع الجوي الأوكراني يعلن إسقاط 50 مسيرة روسية من أصل 73 كانت تستهدف مواقع أوكرانية الجيش الإسرائيلي يعلن اعتراض مسيّرة قبالة سواحل حيفا
أخر الأخبار

امرأة من حديد!

امرأة من حديد!

 العرب اليوم -

امرأة من حديد

بقلم -الدكتور مظهر محمد صالح

من بدائع التشخيص التي عثرت عليها، هي تلك الورقة الفضية التي مدت على بساط الحقيقة لتهيئ لي فرصة الشعور بخلود رجالات الأمة العراقية، ودوام إرادة الحياة التي تتوارى فيها فكرة النهاية والتطلع إلى المستقبل.

فحقا بين ثلاث زعامات سياسية عراقية عملاقة، أثرت في التاريخ السياسي والاقتصادي المعاصر للبلاد بعطائها في القرن الماضي، منحت الأمة بالمقابل ثلاثة من عباقرة العمارة، وهم أبناء تلك النخبة التي أرست بدورها ولادة الدولة العراقية الحديثة، ودافعت عن الديمقراطية وبناء الحريات والتقدم في تاريخها الوطني الحافل.

فمثلما شكل رفعت الجادرجي، نجل السياسي الراحل كامل الجادرجي، واحدة من الزوايا الحادة في العمارة العراقية.

فقد شكل هشام المدفعي، نجل رئيس وزراء العراق الأسبق الراحل جميل المدفعي، بنفسه الزاوية المعمارية القائمة التي تحاكي مثلث القوة السياسي في بلاد الرافدين.
ولم تكتمل زوايا مثلث القوة، إلا عندما زينت المعمارية زهاء حديد، كريمة الزعيم السياسي والمفكر الاقتصادي وزير مالية العراق الأسبق، رائد الصناعة العراقية الراحل محمد حديد، زوايا مثلث قوة الأمة العراقية.
تلك المرأة المعمارية التي ميزتها مجلة نيوستيتمنت البريطانية في العام 2010 من بين أول خمسين شخصية مؤثرة في العالم.

انفردت المعمارية زهاء حديد والى مدى بعيد، بالرؤية المستقبلية في تصميم هياكلها المعمارية التي غالبا ما تأخذ أشكال ذات انحناءات طويلة وقوية.
وهي حسب القراءة المعمارية، فأنها من الصنف الذي يستخدم نمطا من أنماط الرياضيات التجزيئية، من حيث التعامل مع النقاط والخطوط والسطوح، مع توافر القوة والصلادة والاستقرار، بما يمكّن من استيعاب فوضى الحياة العصرية!.

فبالقدر الذي برعت فيه زهاء حديد في فن تصميم العمارة العصرية لتحصل في العام 2004 على جائزة علمية نادرة مماثلة لجائزة نوبل، من حيث مكانتها العالمية تسمى جائزة pritzker التي تعد من أعلى الأوسمة المعمارية في العالم، فإنها برعت في فن تصميم الملابس والأحذية النسائية والأثاث وبشكل لافت!

اتخذت زهاء حديد، بناية مدرسة من العصر الفيكتوري في لندن، من دون أن تغفل أن رمز مدرسة العمارة الإسلامية البغدادية والكوفية التي أسسها العملاق المعماري محمد مكية يسكن إلى جوارها لتزهو به ويزهو بها ويزهو العراق كله بهما.
إنهما عملاقا مدرسة بلاد الرافدين في تأسيس التراث المعماري العالمي.

التقيت شخصيا بزهاء حديد في مساء يوم رمضاني من شهر آب 2010، ضمن حشد رسمي من رجالات العراق على فطور عمل، اختارت هي بنفسها مكان مائدة إفطارنا الذي كان مطعم شعبي في اسطنبول، ويدلك المكان من فوره بأنه شديد في عراقته، فسيح في مجلسه، وتسرك في الوقت نفسه بساطة رؤيته، يقع المكان في وسط اسطنبول، ويسمى مطعم اسطه رجب الطاوجي، اذ يبتدئ المطعم وجبات إفطاره، وفق التقاليد الموروثة، بتقديم نوع من ألبان اسطنبول، التي تصنع تقليديا في قرية متخصصة بهذه الألبان، تقع قريبا من ضواحي المدينة نفسها.

كان مطعم اسطه رجب الطاوجي، يحاكي حقا من موقعه بوابات السماء التي انفتحت وقتها على حزمة ساطعة من سلاسل نجمية لامعة أحاط طيفها قلب اسطنبول، الذي اخذ يجرف تيارات الظلمة من حولنا، وهي مسرعة هاربة من حالة الوجود إلى اللاشيء! جلست زهاء على الطاولة نفسها التي جلسنا عليها، ومن الجهة المقابلة لنا، مع فريق عملها من المهندسين، وقدمت من فورها بطاقة عملها التعريفية لنا جميعا، وتطلعت في تلك البطاقة لأجد أمام عيني مستطيل من المقوى شديدة البساطة في تصميمه، خال من الألقاب أو التزويق إلا اسمها واسم عائلتها.

وانك تحس من الوهلة الأولى، أن هذه المرأة العالمية لا تنتمي، إلا لمدرسة واحدة هي مدرسة العراق!.
لم يأخذ الحديث في تلك الساعة همومها المعمارية، ولم يشغلها إلا التحدث عن مصير تلك العائلة البغدادية من الطبقة الوظيفية المتوسطة التي كانت ظروف حياتها تسمح لها في ستينيات القرن الماضي وسبعينياته أن

تقضي بعض عطلة صيفها في انكلترا، مثلها مثل الكثير من الطبقة الوسطى العراقية!.
ولكن لم تترك الحياة لهم بعد عقود من الزمن من فرصة، بعد أن حاصرتهم أوضاع البلاد الاقتصادية والمعاشية في تسعينيات القرن الماضي لتسحقهم عجلة البؤس التي توافرت بحرية واسعة، وهي تتجاهل مشاعر الناس وتطحن جوعهم، ما اضطر العائلة إلى بيع مدفئة شتائها في أوقات البرد التسعيني القارص لتعوض عنها برغيف خبز، كي تستمر الحياة عندها، ولو بأدنى صورها الممكنة، للتلاحم مع شغف العيش والصراع

من اجل البقاء من دون هدف يذكر!
تحدثت زهاء بحرقة وعاطفة جياشة عن حال العائلة التي تعرفها بنفسها، وحال اهل العراق جميعا في أزمنة العوز والفاقة وعيناها تدمع. إنها المرأة الحديدية صاحبة القلب الكبير.
ونحن نستمع إليها دون أن تعلم أني احد من استبدل مدفئته النفطية بأقراص خبز سمراء في تسعينيات القرن الماضي، ولو سألت زهاء حديد الجلوس كلهم في تلك المأدبة العامرة لوجدت عند كل واحد منهم قصة في

الحزن الإنساني!
فبين زمنين متناقضين، أسهم والدها السياسي الوطني والاقتصادي اللامع الراحل محمد حديد في تأسيس عناقيد أو شركات الإنتاج الصناعي، يوم امتلأت أسواق البلاد بوسائل التدفئة والتبريد والسلع الوطنية الصنع، في ظاهرة لتنويع الإنتاج الصناعي للعراق.

لننتهي حقا بعدها إلى عقود مؤلمة، وأوضاع اقتصادية ممزقة، وأزمنة خلت من عجلات إنتاجها، استبدل فيها الناس ما بحوزتهم من منتجات صناعية وطنية، من الماضي المشرق بخبز الزمن المتردي!
لقد قايضت البلاد حقا عصور تقدمها وازدهارها، التي أسسها رجالات الأمة وبناة نهضتها الحديثة، من قبيل محمد حديد وضياء جعفر وإبراهيم كبة وغيرهم، بعصور هاربة نحو المجهول، إلى عصور التنمية

الضائعة وخراب الصناعة واندثار معالمها، في اقتصاد مبهم خال من دواليب إنتاجه!
لعل أن تعيد لنا مدرسة العمارة العراقية منطلقات حداثتها في بناء عراقي عصري آخر، وبأصابع حديدية، قوامها قلم زهاء حديد وقبضة محمد مكية، وغيرهم من رموز العراق الوطنية المعمارية، من اجل الخطو نحو مستقبل جديد للاعمار، بدلا من ان نتعثر في دفن أنفسنا في الظلام والمجهول والخوف من المستقبل، والتمتع بالعيش في اللامعنى الذي ما زال يخلو من إرادة أفذاذ، يصنعون لنا الغد، وتؤازرهم امرأة من حديد!

arabstoday

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

امرأة من حديد امرأة من حديد



GMT 14:19 2023 الإثنين ,18 أيلول / سبتمبر

العراق فاتحاً ذراعيه لأخوته وأشقائه

GMT 10:32 2023 السبت ,29 تموز / يوليو

أعلنت اليأس يا صديقي !

GMT 14:36 2022 الأحد ,13 آذار/ مارس

بعد أوكرانيا الصين وتايون

GMT 11:09 2021 الإثنين ,20 كانون الأول / ديسمبر

عطش.. وجوع.. وسيادة منقوصة

GMT 20:31 2021 الجمعة ,12 آذار/ مارس

التراجيديا اللبنانية .. وطن في خدمة الزعيم

GMT 12:52 2019 الأربعاء ,20 آذار/ مارس

قرار المحكمة الصهيونية مخالف للقانون الدولي

GMT 18:56 2018 الأربعاء ,05 كانون الأول / ديسمبر

أخونة الدولة

إطلالات الأميرة رجوة الحسين تجمع بين الفخامة والحداثة بأسلوب فريد

عمّان ـ العرب اليوم

GMT 21:53 2024 الخميس ,28 تشرين الثاني / نوفمبر

ترامب يناقش إبعاد بعض وسائل الإعلام من البيت الأبيض مع نجله
 العرب اليوم - ترامب يناقش إبعاد بعض  وسائل الإعلام من البيت الأبيض مع نجله

GMT 18:57 2024 الأربعاء ,27 تشرين الثاني / نوفمبر

العين قد تتنبأ بالخرف قبل 12 عاما من تشخيصه

GMT 09:17 2024 الخميس ,28 تشرين الثاني / نوفمبر

فواكه طبيعية لتحسين وظائف الكلى ودعم تطهيرها بطرق آمنة

GMT 04:28 2024 الخميس ,28 تشرين الثاني / نوفمبر

تناول الزبادي الطبيعي يومياً قد يقلل من خطر الإصابة بسرطان

GMT 06:06 2024 الأربعاء ,27 تشرين الثاني / نوفمبر

راجعين يا هوى

GMT 04:00 2024 الخميس ,28 تشرين الثاني / نوفمبر

العلماء الروس يطورون طائرة مسيّرة لمراقبة حرائق الغابات

GMT 19:14 2024 الأربعاء ,27 تشرين الثاني / نوفمبر

الملك سلمان بن عبد العزيز يفتتح مشروع قطار الرياض

GMT 08:52 2024 الخميس ,28 تشرين الثاني / نوفمبر

كيا EV3 تحصد لقب أفضل سيارة كروس أوفر في جوائز Top Gear لعام 2024
 
syria-24

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Arabstoday Arabstoday Arabstoday Arabstoday
arabstoday arabstoday arabstoday
arabstoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
arabs, Arab, Arab