استقلال الإرادة  إرادة وطن

استقلال الإرادة .. إرادة وطن

استقلال الإرادة .. إرادة وطن

 العرب اليوم -

استقلال الإرادة  إرادة وطن

بقلم : سالم الكتبي

في تاريخ الشعوب والدول محطات نوعية استثنائية يتوقف عندها الجميع احتفاء بأحداث ومناسبات مفصلية في حياة هذه الشعوب، ومن أبرز هذه المحطات ذكرى أو أعياد الاستقلال بعد فترات معاناة تطول أحيانًا وتقصر في أحيان أخرى مع العهود الاستعمارية البغيضة. والمؤكد أن الثامن عشر من نوفمبر من كل عام يمثل إحدى هذه المحطات الزمنية الفارقة في المملكة المغربية الشقيقية، حيث يحتفي الشعب المغربي بذكرى الاستقلال المجيدة، التي تنطوي على الكثير والكثير مما يقال ويناقش على كافة الصعد المعنوية والسياسية والوطنية.

الاستقلال بحد ذاته هو أحد ثمار التضحيات البشرية والمادية التي تقدمها الشعوب، ومن ثم فإن عيد الاستقلال المجيد في المملكة المغربية الشقيقة، هو رمز للوفاء لمن يجسدون هذه التضحيات بما قدموه من نموذج وقدوة ومثل أعلى في حب الأوطان والانتماء الشديد للأرض، فلا توجد تجربة بشرية شهدت خلال دولة من الدول استقلالًا من دون تضحيات جسام وأبطال عظام كانوا وقودًا للانتصارات وتصدروا صفوف الشهادة والبطولة والفخر الوطني.
في المملكة المغربية الشقيقة، يكتسب عيد الاستقلال المجيد ميزة استثنائية إضافية تتعلق بتضحيات العرش من أجل البلاد، حيث تظل هذه المناسبة التاريخية أحد شواهد العلاقة التي لا تنفصم بين الشعب والقيادة، حيث لعبت هذه العلاقة القوية الدور الحاسم في نهاية عصر الحماية الذي فرضه الاستعمار على البلاد منذ عام 1912.
تجربة الاستعمار في المغرب الشقيق ذات طابع مغاير لمثيلاتها في دول العالم، فقد تعرضت البلاد لمحاولات مستميتة من القوتين الاستعماريتين (فرنسا وإسبانيا) لتقطيع أوصالها ولكن إرادة الأشقاء المغاربة التي تلاقت مع إرادة المغفور له بإذن الله تعالى محمد الخامس كانت أحد مفاتيح الانتصار على مخططات الاستعمار بوجهيه الفرنسي والإسباني.

أبطال التحرير والتحدي الذين وقفوا في وجه القوى الاستعمارية هم رموز تاريخية وأيقونات للوطنية يوفرون للأجيال طاقات الأمل، وإرادة التحدي والعطاء للأرض والوطن. ولعل استعراض كفاح المغفور له بإذن الله تعالى محمد الخامس وأسرته الشريفة وما نالهم من مؤامرات وما قدموه من تضحيات في سبيل استقلال المملكة المغربية برهان قوي على قوة الإرادة والتصميم والوطنية، فقد كان ما نالهم على يد الاستعمار من نفي وإقصاء قسري بمنزلة الشرارة التي أطلقت شحنات الفورة الوطنية في صدور المغاربة، الذين انتفضوا من أجل الوطن وثاروا من أجل الاستقلال، ووقفوا على قلب رجل واحد وراء رمز الوحدة والاستقلال، وما أجبر القوة الاستعمارية وقتذاك على الخنوع والرضوح أمام إرادة شعبية عارمة أبت ألا تتراجع سوى بعد انتزاع مطالبها وإملاء إرادتها، وهذا هو درس التاريخ الذي لقنه المغاربة للا ستعمار الذي اعتقد أن نفي رمز الوحدة وأسرته الشريفة كفيل بإخماد مطالب الاستقلال وإسكات الصوت الوطني المغربي، ولكن خاب ظنهم فما كان النفي سوى شعلة الانتصار ومقدمة للعودة المظفرة للمغفور له بإذن الله تعالى محمد الخامس وأسرته الشريفة إلى أرض البلاد في نوفمبر عام 1955 في إعلان تاريخي عن انتصار ثورة الشعب والملك، وإعلانه ـ طيب الله ثراه ـ عن انتهاء عصر الحماية الاستعمارية وطي صفحة الاحتلال وفتح صفحة جديدة مشرقة بالأمل في تاريخ المغرب الشقيق.
دروس كثيرة وعديدة تنتجها هذه المناسبة التاريخية الفارقة، ولكن أبرزها وأكثرها جلاءً على الإطلاق ربما يكمن في هذا التلاحم الفريد بين الشعب وقيادته التاريخية، وهو تلاحم لا يزال يمثل أحد عناصر الخصوصية والتفرد المغربي، فالأسرة الشريفة في المملكة المغربية لا تمثل فقط قمة النظام السياسي بل هي رمز تاريخي لوحدة هذا البلد الشقيق ونضاله العريق ضد الاستعمار ودفاعه الفريد عن هويته وعروبته وتماسك أراضيه ووحدتها.

"ثورة الملك والشعب" أو "ثورة الشعب والملك"، تعكس قدر التلاحم الوطني، وتضفي طابع التفرد على التجربة التحررية والنضالية المغربية وتوفر لها قدر مميز من الخصوصية والاستثنائية بين نظيراتها من التجارب التحررية في دول العالم الثالث التي عانت ويلات الاستعمار لفترات طويلة أو قصيرة. وهذه السمة المتفردة في العلاقة بين الشعب وحاكمه تظل سمة مميزة لنظام الحكم في المملكة المغربية الشقيقة على مر التاريخ، حيث العلاقة بين الشعب وحاكمه لا تزال تمتلك هذه الخصوصية والترابط القوي، حيث يعد صاحب الجلالة محمد السادس ـ أعزه الله ـ امتدادًا لحقبة نضالية متجذرة في التاريخ المغربي، لذا يلاحظ المراقبون والمتخصصون في الشأن السياسي والتاريخي المغربي أن هناك حرصًا شديدًا من القيادة المغربية على تجنيب سفينة الوطن عواقب الأخطار والتحديات الاستراتيجية التي تموج بها منطقة الشرق الأوسط، والإبحار بالسفينة وسط الأمواج بكل حكمة واقتدار من خلال إعلاء مصلحة الشعب والوطن وامتلاك رؤية رشيدة وواعية للأحداث ومقدرة عالية على استشراف اتجاهات الأحداث وتبني ما يلزم من سياسات وتوجهات لمصلحة الوطن والشعب، ليؤكد جلالته في كل مناسبة من المناسبات أن الاستقلال ليس قرارًا فرديًا بل هو إرادة شعب مستمرة ومتواصلة عبر التاريخ تستمد قوتها من استقلال الإرادة الوطنية، وتتجلى في دعم رمز الوحدة الوطنية الذي يعبر عن إرادتها وقرارها وتصميمها... وهذا هو درس التاريخ الذي تعلمناه من تجربة الاستقلال وإزاحة الاستعمار في المملكة المغربية الشقيقة، فهنيئًا للأشقاء المغاربة بقيادتهم الوطنية وهنيئًا لهذه القيادة بشعب عربي أصيل تضرب جذوره في عمق التاريخ ويمتلك هذا المورث المشرف من التضحيات.
 

arabstoday

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

استقلال الإرادة  إرادة وطن استقلال الإرادة  إرادة وطن



GMT 14:19 2023 الإثنين ,18 أيلول / سبتمبر

العراق فاتحاً ذراعيه لأخوته وأشقائه

GMT 10:32 2023 السبت ,29 تموز / يوليو

أعلنت اليأس يا صديقي !

GMT 14:36 2022 الأحد ,13 آذار/ مارس

بعد أوكرانيا الصين وتايون

GMT 11:09 2021 الإثنين ,20 كانون الأول / ديسمبر

عطش.. وجوع.. وسيادة منقوصة

GMT 20:31 2021 الجمعة ,12 آذار/ مارس

التراجيديا اللبنانية .. وطن في خدمة الزعيم

GMT 12:52 2019 الأربعاء ,20 آذار/ مارس

قرار المحكمة الصهيونية مخالف للقانون الدولي

GMT 18:56 2018 الأربعاء ,05 كانون الأول / ديسمبر

أخونة الدولة

GMT 10:35 2018 الأحد ,02 كانون الأول / ديسمبر

عدن مدينة الحب والتعايش والسلام

نجوى كرم تُعلن زواجها أثناء تألقها بفستان أبيض طويل على المسرح

بيروت ـ العرب اليوم

GMT 16:37 2024 الجمعة ,05 تموز / يوليو

سوناك يقر بالهزيمة في انتخابات بريطانيا
 العرب اليوم - سوناك يقر بالهزيمة في انتخابات بريطانيا

GMT 14:42 2024 الجمعة ,05 تموز / يوليو

الزواج سم قاتل مسلسل هنا الزاهد فى رمضان 2025
 العرب اليوم - الزواج سم قاتل مسلسل هنا الزاهد فى رمضان 2025

GMT 11:08 2024 الخميس ,04 تموز / يوليو

عقار "الفياغرا" قد يساعد في الوقاية من الخرف

GMT 08:55 2024 الجمعة ,05 تموز / يوليو

ارتفاع كبير في حالات حمى الضنك من حول العالم

GMT 06:08 2024 الخميس ,04 تموز / يوليو

الحل في ليبيا بإخلائها من الميليشيات

GMT 23:59 2024 الخميس ,04 تموز / يوليو

ليون الفرنسي يُبرم أغلى صفقة في تاريخه

GMT 10:43 2024 الجمعة ,05 تموز / يوليو

جوجل يحتفل بالذكرى الـ 62 لاستقلال الجزائر
 
syria-24

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Arabstoday Arabstoday Arabstoday Arabstoday
arabstoday arabstoday arabstoday
arabstoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
arabs, Arab, Arab