القاهرة_ العرب اليوم
صدرت عن منشورات المتوسط ـإيطاليا، الطبعة الثانية من رواية "جليتر" للكاتبة الفلسطينية مايا أبو الحيات، والتي كانت صدرت في طبعة أولى عربية، وطبعة فلسطينية، ضمن مشروع "الأدب أقوى" (طبعة فلسطين من الداخل)؛ سنة 2018. روايةٌ يعكسُ عنوانها المُحيِّر انخداعَنا بكلِّ ما يبرق، تلك المادَّة اللمَّاعة التي تُخفي العوالق وما يوسِّخ الحياة العادية، في زمن انهيار الأفكار الكبيرة.
تدفعنا رواية "جليتر" إلى التساؤل عن مصائر شخصيات الرواية الأربع، كيف كانوا وأين أوصلتهم الحياة! نتحدث هنا عن الحياة في فلسطين المحتلة، التي خلقت واقعها الخاص، خلال فترة زمنيةٍ تمتدُّ من منتصف تسعينيات القرن الماضي إلى غاية اليوم، زمن انهيار الأفكار الكبيرة، والأحلام التي لا تتحقق بل تتحول، وما ينبغي أن يكون جوهريًا، هو الهامش. شخصيات تُحرِّكها رغباتها وأحلامها، ولتصبح الأفكار عن الحياة اليومية الطبيعية شيئًا ما يمكن أن نُسميه بكوابيس اليقظة، وما يوقظنا هناك مذعورين، وخائفين، ليست الكوابيس بل الأحلام الجميلة والرومانسية.
رواية مكثفة جدًا عن الحب والقمع والوطن، تذهب مايا فيها مباشرة إلى النفس البشرية فتجلس مرَّة كطبيب نفساني يستمع إلى اعترافات إحدى شخصياتها) لمى داوود)، من خلال شخصية أخرى وهو الطبيب النفسي فراس، الذي جمعته بلمى زمالة جامعية من أيام الدراسة كان لأشخاص آخرين أثر فيها، مثل الأستاذ (أبو حفاية) و(مصطفى) زوج لمى و(مازن الحالم)، و(الدّبّاح) الشخصية الأكثر تعقيدًا ربَّما.
أخيرًا جاء الكتاب في 96 صفحة من القطع الوسط، رواية عن مرحلةٍ فاصلة في تاريخ الشباب الفلسطيني، مرحلة قد تكون سنتها 1995، سنة قتل الأحلام، رغم اختلاف الأفكار والمفاهيم وتحوُّل تلك الأحلام.
ورث الدّبّاح عن أبيه صلابة قلبه في جَزِّ رؤوس الخرفان والماعز والدجاجات، في العاشرة من عمره، جزّ رأس أوّل خاروف في حياته، بعد أن تدرَّب على عدد من الصيصان والدجاجات بعيدًا عن عينَي أمّه، ومنذ تلك اللحظة، أصبح لقبه الدّبّاح، الجميع يناديه الدّبّاح، حتّى إن أحدًا لا يحتاجُ لا يذكر له اسمًا آخر، الدّبّاح يلعب في الحارة، الدّبّاح لم يُكمل إفطاره، الدّبّاح بلّل فراشه.
لم يكن هذا الأمر مناسبًا لأمّه التي أرادت أن تلعب دور كريمة مختار، وتراقب أبناءها يعودون من الجامعة حاملين كُتُبهم الجامعية، أو يعودون من معهد الموسيقى، بينما تتدلّى علبة الآلة الموسيقية، تهتزّ فوق مؤخرّاتهم. ورغم أنها لم تدخل جامعة إلا أنها صنعت من عمل العائلة بزنسًا حقيقيًا، وحوّلت عمل زوجها الذي كان يعيده إلى البيت مهدودًا وملطّخًا بالدماء، إلى مصلحة تجارية.
بدأت بتربية خمس دجاجات وثلاثة خراف وخمس وعشرين عنزة، اشترتها من النقود التي ورثتها عن أبيها، لتصنع لهم لاحقًا عملًا محترمًا. كانت تدير شؤونها كأنها تخرّجت في كُلّيّة الإدارة بتقدير ممتاز، لكن ذلك كان مقابل أن تحقّق حلمها في لعب الدور الأمومي العظيم بمراقبة أطفالها، يعودون بكامل النظافة والرائحة الفوّاحة التي تنتشر خلفهم في شارع البيت.
مايا أبو الحيّات، روائيّة وشاعرة ومترجمة من فلسطين، مواليد بيروت 1980، وتعيش في القدس. صدر لها في الرواية: "حبّات السكّر" 2004، "عتبة ثقيلة الروح" 2011، و "لا أحد يعرف زمرة دمه"، 2013. كما صدر لها في الشعر: "ما قالته فيه" 2007، "تلك الابتسامة... ذلك القلب" 2012، و"فساتين بيتية وحروب" 2015. كما تكتب مايا للأطفال، وتعمل معهم.
قد يهمك أيضــــــــــــــــًا :
3 كتب جديدة لـ"دي بونو" عن نهضة مصر
أرسل تعليقك