انطلق في المركز الإقليمي العربي للتراث العالمي بالمنامة اليوم أعمال المؤتمر الدولي "المدن التاريخية والتجديد الحضري" .
وقد بدأ المؤتمر جلساته التي تستمر حتى 25 مارس الجاري بحضور كبير من خبراء التراث العالمي والإنساني من منظمات إقليمية ودولية مختلفة منها منظمة الأمم المتحدة للتربية والعلم والثقافة اليونسكو والمجلس الدولي للآثار والمواقع الأثرية ICOMOS والمركز العالمي لدراسة الحفاظ على المباني الثقافية وترميمها ICROM، حيث يناقش المؤتمر على مدى أيامه الثلاثة مواضيع المحافظة على المدن التاريخية المناطق الحضرية وكيفية إدارتها.
وبهذه المناسبة رحّبت معالي الشيخة مي بنت محمد آل خليفة رئيسة مجلس إدارة المركز الإقليمي العربي للتراث العالمي بالحضور، مؤكدة على أهمية هذا المؤتمر في تعزيز قيمة الموروث الثقافي للشعوب العربية في ظل ما يتعرض له من انتهاكات ومخاطر.
وأعربت معاليها عن سرورها باستضافة هذا المؤتمر في المنامة التي تحتفي هذا العام بالتراث تحت شعار "تراثنا ثراؤنا"، داعية الحضور لزيارة معالم البحرين التاريخية والحضارية في مدينتي المحرق والمنامة. كما وأكدت معاليها أن المدن القديمة "هي القلب النابض في دولنا بحب الحياة"، مشيرة أن هذا المؤتمر الدولي "يندرج ضمن الرؤية العامة للمركز الإقليمي الذي يعمل على الحفاظ على المدن المدرجة ضمن قائمة التراث العالمي في الوطن العربي، خاصة مع التحديات والأزمات التي تواجهها في دولنا العربية".
ومن جانبه أكد الدكتور منير بوشناقي مدير المركز الإقليمي العربي للتراث العالمي أن المؤتمر يهدف إلى التأكيد على أهمية المدن التاريخية، مشيراً إلى أن جدول أعماله أعد بتشاور مع المنظمات الدولية المعنية.
وأوضح الدكتور بوشناقي أن المؤتمر يعتمد في انطلاقته على ثلاثة مواثيق دولية هي توصية اليونسكو التي اتخذت في مدينة نيروبي الكينيّة حول المجموعات المدنية والتاريخية، ميثاق المنظمة الدولية للمواقع والمباني التاريخية الذي أقرّ في مدينة طليطلة في إسبانيا واعتمد في واشنطن عام 1987 حول الحفاظ على المدن التاريخية والمناطق الحضرية، بالإضافة لاتفاقية اليونسكو لعام 2011 والتي توصي بالحفاظ على المناظر التاريخية للمدن القديمة، مؤكداً أن المؤتمر سيتوقف في ضوء هذه النصوص عند أعمال بعض المدن التاريخية في حفاظها على الإرث العمراني وانسجامه مع الحياة العصرية. كما وأوضح الدكتور بوشناقي أن المؤتمر سيتناول كذلك أمثلة من مناطق كثيرة من العالم انطلاقا من المغرب العربي، إلى مصر، سوريا، العراق، إيطاليا، فرنسا، بلجيكا، إنكلترا والولايات المتحدة، إضافة إلى تقديم هيئة البحرين للثقافة والآثار تجربتها في مدينتي المنامة والمحرق.
واستهل المؤتمر جدول أعماله بتقديم كلمات لكل من السّيد بيتر غرومان ممثل منظمة الأمم المتحدة في مملكة البحرين، السيّد كريم هنديلي من مركز التراث العالمي لليونيسكو في باريس والدكتور زكي أرصلان مدير المركز الإقليمي آثار - إيكروم الشارقة .
وقدّم المؤتمر في أولى جلساته مداخلة تناولت المدن التاريخية والمناظر الحضرية قدّمها جان لوي لوكسان منسق مشروع التراث الأورومتوسطي في بلجيكيا، حيث أكد خلالها أن كل مدينة تاريخية لها هويتها الخاصة وصفاتها التي تميزها عن غيرها، مشددا أن المدينة التاريخية يجب أن تصان وتتطور ضمن محيطها بما يحفظ خصائصها المعمارية والاجتماعية. كما وقدم السيد لوكسان شرحا مفصلا حول طرق إدارة المدن التاريخية وكيفية تطبيق مناهج إدارتها .
وفي سياق متصل تحدّث السيد كريم هنديلي أخصائي البرامج في مركز التراث العالمي لليونيسكو في فرنسا عن عمل منظمة اليونيسكو في مجال المحافظة على التراث الحضري، حيث أكد أن اليونيسكو تؤمن بأهمية التراث في التطوير الحضري المستدام وتنمية المجتمع. كما وأوضح السيد هنديلي أن الحفاظ على التراث هو أساس اتفاقية اليونيسكو لعام 1972م بالمعنية بالحفاظ على التراث الثقافي والطبيعي حول العالم. وأردف السيد هنديلي أن منظمة اليونيسكو دخلت الحركة العالمية للحفاظ على المدن التاريخية من خلال برنامج المدن التاريخية العالمية، توصية التراث العالمي الحضري وتوصية المناظر الحضرية التاريخية .
كذلك ناقش المؤتمر كيفية المزج ما بين المحافظة على التراث والتنمية الحضرية في المدن المدرجة على قائمة التراث العالمي من خلال مداخلة قدّمها السيد فرانشيسكو سيرافو من مؤسسة الأغا خان للثقافة في سويسرا، حيث قّدم خلالها مثالا لمدينة جورج تاون في بينانغ .
أما السيد نبيل منصر منسق الهيئة العامة للمحافظة على المدن التاريخية في اليمن فتطرق خلال مداخلته إلى تحديات المحافظة على مدينتي زبيد وصنعاء، حيث أشار إلى أن التراث الثقافي في اليمن يتعرض لمخاطر كثيرة بسبب قلة الإمكانيات والأحداث المستمرة، موضحاً أن مدينة زبيد أدرجت على قائمة المواقع المعرضة للخطر لمنظمة اليونيسكو بسبب أعمال الصيانة غير الملائمة والإهمال المستمر. وفي هذا السياق قدّم السيد منصّر شكره للمركز الإقليمي العربي للتراث العالمي لدعمه لمشروع ترميم في مدينة زبيد، حيث تستفيد من المشروع مجموعة مباني تاريخية وساحات عامة في المدينة .
وحول المناطق التاريخية التي تمتلك مقوّمات حضارية ومعمارية مميزة، قدم السيد رشاد بوخاش مدير دائرة التراث الأثري ببلدية دبي بالإمارات العربية المتحدة شرحا حول سبل المحافظة على منطقة خور دبي وإدارتها. وأشار السيد بوخاش أن خور دبي هو ميناء طبيعي شكل على مدى عقود منطقة اشتغال ثقافي وتجاري في دبي، موضحاً أن بلدية دبي أنشأت قسماً خاصاً للعناية بالتراث المعماري، والذي يعمل على الحفاظ وإدارة المواقع التراثية في المدينة، رفع الوعي بأهمية التراث المعماري من خلال المحاضرات والمنشورات وإقامة ورش العمل حول طرق ترميم وصيانة المباني التراثية .
وفي جلسته الثانية، في اليوم الثاني للمؤتمر، والتي تناقش مواضيع متعلقة بالمدن التاريخية والتجديد العمراني، يطرح المؤتمر أمثلة ناجحة محلية لمشاريع التجديد الحضري والتاريخي من مملكة البحرين ، والتي تتمّثل في العمل الجاري حاليا في مشروع طريق اللؤلؤ المسجل على قائمة التراث العالمي ومنطقة باب البحرين. كما ويتطرق المتحدثون في اليوم الثاني إلى نماذج عالمية وعربية للتجديد العمراني للمدن كبرشلونة في إسبانيا، مدينة ماتيرا في إيطاليا ومدينة مراكش في المغرب .
أما في يومه الأخير، يقدّم مؤتمر "المدن التاريخية والتجديد الحضري" مداخلة حول أهم مناهج الحفاظ على التراث، وأخرى تتناول المدن التاريخية المعرضة للخطر، حيث ينسّقها الدكتور منير بوشناقي مدير المركز الإقليمي العربي للتراث العالمي. ويتحدث المؤتمر في هذا اليوم كذلك عن مدينة حلب التاريخية وطرق إدارتها ما قبل الأحداث في سوريا، ومن ثم يقدّم مداخلة حول التدمير الجاري للتراث الثقافي في العراق بفعل الحروب. كما وتتناول هذه الجلسة الأخيرة عمليات إعادة الإعمار في المدن التاريخية والتراث الثقافي في البوسنة والهرسك، والتي تعرضت لدمار أثناء فترة الصراع خلال أواخر القرن الماضي .
أرسل تعليقك