وصف تربويون يمنيون زيادة الجرعة الطائفية في المناهج التعليمية بالمناطق التي يسيطر عليها الحوثيون بأنها حصار لتلك المناهج ولعقول التلاميذ، وتواصل ميليشيات الحوثي المدعومة من إيران جرائمها وانتهاكاتها في حق التعليم والعملية التعليمية في جميع المناطق اليمنية الخاضعة لسيطرتها.
وفي هذا السياق، كشفت مصادر تربوية في صنعاء لـ«الشرق الأوسط» عن إجراء الميليشيات الحوثية تغييرات واسعة في المناهج الدراسية، مشيرة في الصدد ذاته إلى أن الميليشيات استهدفت بتغييراتها المناهج الخاصة بطلاب المرحلتين التمهيدية والأساسية.
وأكدت المصادر التربوية أن الجماعة الانقلابية بوزارة التربية والتعليم، وعبر عدد من اللجان التابعة لها بالوزارة، قامت بتغيير المناهج الدراسية في مواد القرآن الكريم والتربية الإسلامية بشكل خاص، في محاولة منها لإضفاء طابع شرعي عليها.
ولفتت إلى أن اللجان الحوثية غيرت المنهج الدراسي لمادة القرآن الكريم الخاص بالصف الثاني الابتدائي، مضمنة إياها تفسيرات لعدد من السور تستند إلى «ملازم» مؤسس الجماعة الصريع حسين بدر الدين الحوثي، وقالت إن التغييرات التي أجرتها الميليشيات تضمنت دروساً تحرض على القتل والعنف والكراهية والفتنة، وتحث على «الجهاد» وثقافة الموت، وتضم صورة للمقبور بدر الدين الحوثي.
وأكدت المصادر التربوية أيضًا لـ«الشرق الأوسط» تغيير الجماعة لمادة القرآن الكريم للصف الرابع الأساسي، مضمنة إياها تفسيرات ملازم مؤسس الجماعة الصريع الحوثي، المليئة بالتحريض والمشبعة بالعنف والكراهية وتمجيد آل البيت والحسن والحسين.
وعبر مسؤول بوزارة التربية والتعليم عن غضبه الشديد من عبث الميليشيات الحوثية بمحتويات المنهج الدراسي في المناطق الخاضعة لسيطرتها.
ووعد المسؤول الحكومي في حديثه مع «الشرق الأوسط» تلك الخطوات جريمة خطيرة تنذر بكارثة حقيقية ستعمل على تدمير مستقبل الأجيال، وقال، «منذ تسليم مقاليد وزارة التربية والتعليم للشقيق الأكبر لزعيم الجماعة يحيى بدر الدين الحوثي، تعمل الميليشيات على حوثنة التعليم والعملية التعليمية، بتغيير المناهج الدراسية للمدارس الحكومية والأهلية، وتدريس مناهجها وأفكارها الطائفية المتطرفة المستوردة من إيران، وهو ما من شأنه أن يتيح لهم السيطرة على عقول ما يقارب 5 ملايين طالب في المرحلتين الأساسية والثانوية فقط، وفقاً لإحصاءات عام 2010».
ودعا المسؤول التربوي، الذي فضل عدم ذكر اسمه، الحكومة الشرعية والمنظمات الدولية المعنية بالتعليم للتحرك الجاد، وإيقاف مخططات الميليشيات الخبيثة الرامية لملشنة التعليم والعملية التعليمية في مناطق سيطرتها.
وأظهرت صور عدة من منهج التعليم الابتدائي، تداولها ناشطون محليون على شبكات التواصل، تغيراً واضحاً في المنهج من قبل الميليشيات، وحقنه بأفكارها الطائفية، الأمر الذي سيخلق جيلاً عدائياً يحكمه الفكر الطائفي، وفقاً للناشطين الذي قدموا صورة من مادة الرياضيات للصف الأول الابتدائي «تمت الإشارة فيها إلى الأعداد بلوحات وشعارات الجماعة الطائفية التي تدعو إلى الموت، مما يهدد بتغيير فكر الأطفال، وخلق جيل مشوه وعدائي على المدى البعيد يعتنق الفكر الطائفي والمذهبي».
ويرى الناشطون أن الجماعة الانقلابية تسعى جاهدة إلى تغيير قيم المواطنة والمساواة والهوية الحضارية، وإذابة الفوارق الطبقية والعنصرية والطائفية في البلاد.
وتسعى الميليشيات من وراء تغيير المناهج الدراسية، وفقاً لما ذكره سكان من صنعاء، إلى تفخيخ عقول الطلاب، وشحنهم طائفياً، والزج بهم في جبهات القتال، وكذا تبييض صورتها كجماعة انقلابية خاضت 6 حروب ضد الدولة، وهو ما تم من خلال حذف كل ما له صلة بتمرد صعدة في المناهج الدراسية، واستبداله بإشارات إيجابية عن حركتهم، والانقلاب الذي قاموا به لاحقاً في عام 2014، بصفته «ثورة».
وأوضح عدد من أولياء الأمور أن لجاناً حوثية شرعت بالمرحلة الأولى من التغيير الذي طال المناهج التعليمية، وانحصر في مقررات اللغة العربية والتربية الإسلامية والتاريخ.
وأشاروا إلى أن ذلك يعكس حقيقة التوجه الحوثي في هذه المواد، وتغيير القضايا المتعلقة بالثورة اليمنية ضد النظام الإمامي في عام 1962، التي ينظر إليها الحوثيون على أنها انقلاب، وهو ما يحاولون تكريسه في المناهج الجديدة.
مراقبون وصفوا، من جانبهم، إقدام الميليشيات على تغيير المناهج الدراسية بـ«السابقة الخطيرة»، وعدوا تلك التغييرات الطائفية محاولة حوثية لتشويه أفكار الطلاب، بالتعبئة الطائفية، واستحضار الخلافات المذهبية، والسعي لتنشئة جيل عقائدي موالٍ للجماعة الطائفية.
وتطرق المراقبون إلى الواقع الذي يمر به اليوم قطاع التعليم، وما خلفه الانقلاب الحوثي من أوضاع كارثية لحقت بالعملية التعليمية، وتحدثوا عن سلسلة من الجرائم والانتهاكات التي طالت العملية التعليمية في مناطق سيطرة الميليشيات، بدءاً من الأوضاع البائسة التي خلفتها الميليشيات في صفوف المعلمين نتيجة نهبها لرواتبهم للعام الرابع، مروراً بزجها بآلاف من طلبة المدارس في جبهاتها القتالية، وصولاً إلى اقتحامها وتفجيرها للمدارس، وتحويل بعضها لثكنات عسكرية، وعبثها الممنهج بمحتويات المنهج الدراسي.
واستمراراً لمنهج الميليشيات الانقلابية التدميري في حق التعليم والعملية التعليمية، وقبل بدء العام الدراسي الجديد بأيام، كشفت مصادر تربوية في صنعاء عن إلزام الميليشيات لجميع مدارس العاصمة صنعاء بدفع ما نسبته 85 في المائة من رسوم العام الدراسي الجديد لصالح الميليشيات الانقلابية.
وأفادت المصادر لـ«الشرق الأوسط» بأن الجماعة الإرهابية، وعقب فرضها على المدارس الحكومية رسوم تسجيل تتراوح بين 1000 و1200 ريال يمني (الدولار يساوي تقريباً 560 ريالاً) على كل طالب، بالإضافة إلى الرسوم الشهرية المقرة (100 ريال)، ألزمت المدارس نفسها بدفع ما نسبته 85 في المائة لصالح الميليشيات الانقلابية التي تسيطر على وزارة التربية والتعليم في صنعاء.
وأكد أولياء أمور أن الرسوم الحوثية أثقلت كاهلهم وذويهم، في ظل الوضع المعيشي المتردي جراء استمرار نهب الحوثيين للمرتبات، وشحة مصادر الدخل الأخرى.
وتمر العملية التعليمية في صنعاء، ومناطق يمنية أخرى، ونتيجة للظروف التي فرضتها ميليشيات الحوثي، بأسوأ مراحلها جراء استمرار نهب مرتبات المعلمين، وفرض جبايات، بالإضافة إلى التدخلات الطائفية للحوثيين في مضامين المناهج الدراسية.
وفي سياق آخر، وقبيل الاحتفال بذكرى انقلاب الميليشيات على الشرعية في اليمن في 21 سبتمبر (أيلول)، ألزمت الجماعة مؤخراً عدداً من مدارس العاصمة صنعاء الحكومية، وبشكل إجباري، بإقامة أنشطة واحتفالات بمناسبة ذكرى الانقلاب.
وتحدث وطلاب ومعلمون عن فرض الجماعة الانقلابية بقوة السلاح على مدارسهم إقامة فعاليات وأنشطة طائفية لمدة أسبوع للاحتفاء بذكرى الانقلاب، وتعطيل الدراسة والأنشطة الطلابية الخاصة بكل مدرسة.
وبحسب الطلاب، فقد ترافق مع احتفال الميليشيات بذكرى نكبة 21 سبتمبر (أيلول) إعداد الجماعة لكميات كبيرة من المطبوعات والصور والدعايات واللواصق التحريضية والطائفية المختلفة الأشكال الاحجام، وتوزيعها على طلبة تلك المدارس.
وتستغل الميليشيات المناسبات الطائفية التي تحييها في مدارس صنعاء في استقطاب مقاتلين جدد إلى صفوف الجماعة من أوساط الطلاب.
ومطلع الأسبوع الماضي، أعلنت وزارة التربية والتعليم الخاضعة لقبضة الميليشيات عن بدء العام الدراسي الجديد في مناطق سيطرتها، في حين سارعت، من جهة أخرى، باستقباله بإصدار حزمة من القرارات والتعميمات التي تتعلق بالإقصاء والتهميش والتعسف في حق المعلمين والمعلمات وموظفي الكادر التعليمي، استكمالاً لمسلسلها الإجرامي الخاص في حوثنة العملية التعليمية في المناطق الواقعة تحت بسطتها.
وكشفت حينها مصادر تربوية عن إقصاء ما سمي «ميليشيات التربية والتعليم»، خلال أسبوع واحد فقط كمرحلة أولى قبيل بدء العام الدراسي بأيام: 15 مدير مدرسة، و60 معلماً ومعلمة، في عدد من مدارس أمانة العاصمة ومحافظتي صنعاء وإب.
وعدت أن قرارات الإقصاء والتهميش في حق معلمين وموظفين تربويين تأتي استكمالاً لمشروع حوثنة التربية والتعليم في مناطق سيطرة الانقلابين وأدلجته طائفياً.
ومنذ إحكام الميليشيات قبضتها على العاصمة صنعاء، ومناطق يمنية أخرى، تواصل بث أفكارها الطائفية وخطابات الكراهية وثقافة العنف في أوساط اليمنيين بمختلف شرائحهم، وبالأخص شريحتي النساء والأطفال، في محاولة منها لإقناع أكبر عدد منهم بمشروعها الطائفي المستورد من الحوزات الإيرانية، على حساب مصالح أبناء الشعب اليمني وأمنهم واستقرارهم.
قد يهمك أيضًا
باحثة سعودية تُقدّم المناهج الدراسية وفقًا لإيقاع الموسيقى
هجوم بطائرات مسيرة تبناه الحوثيون على منشأتين نفطيتين لـ"آرامكو" في السعودية
أرسل تعليقك