صورة للمحلل السياسي السوري محمد جمو
صورة للمحلل السياسي السوري محمد جمو
بيروت – جورج شاهين
اعتبر "حزب الله"، في بيان شديد اللهجة، أن "جريمة اغتيال جمو في بلدة الصرفند جنوب لبنان، فجر الخميس، تأتي لتزيد القناعة بأن يد الإجرام التي ترتكب المجازر في سورية لا تفرق بين من يقاتل في ساحة المعركة وبين من يناضل بالكلمة والموقف، مما يدل على العجز الذي تعاني منه الجماعات
التي تقف وراء القتلة عن مقارعة الحجة بالحجة والمنطق بالمنطق والدليل بالدليل".وأكد أن "جريمة الاغتيال البشعة التي استهدفت المناضل جمو، الذي بقي صوتًا صادحًا بالموقف الحر وبالكلمة الصادقة، هي مؤشر على النفس الإلغائي والنهج الإقصائي الذي يحكم جماعات العنف والإرهاب، التي تدعي العمل من أجل العدالة والحرية، في حين هي تعمل على خنق كل صوت حر لا يتلاءم مع مصالحها ورغباتها". وأشار إلى أن "جريمة من هذا النوع الفظيع، تدق ناقوس الخطر على الساحة اللبنانية، وتدفع إلى البحث عن الطريقة الأنسب لمواجهة هذه الجماعات الإرهابية قبل أن يستفحل خطرها وتخرج عن كل طوق، مما يهدد السلامة والاستقرار في لبنان أولا، وفي المنطقة بشكل عام".
وأدان "هذه الجريمة الإرهابية الخطيرة التي لا تمت إلى الدين والأخلاق بأي صلة"، دعا السلطات اللبنانية إلى "القيام بكل الإجراءات الفورية اللازمة لاعتقال الإرهابيين المنفذين وسوقهم إلى العدالة، وإلى البحث عن المخططين والمحرضين لكي ينالوا جزاءهم، ولكي تأمن البلاد شر جرائم أخرى يخططون لها"، كما دعا "الرب العلي القدير لأن يتغمد الشهيد الراحل بالرحمة والغفران، وأن يمن على ذويه وأقربائه بالصبر والسلوان، كما أن يحمي سورية وأهلها من الفتن التي يزرعها حاملو بذور الشر المدعومون من قوى الحقد والإجرام العالمي".
وأكدت مصادر أمنية رفيعة لـ "العرب اليوم" أن "جريمة اغتيال الناشط في النظام السوري محمد ضرار جمّو، الذي سجل في توقيته وموقعه وشكله، شكل انتقالا سريعًا من الهواية إلى منطق الاحتراف، مذ نجح المخططون في إصابة موكب للحزب على طريق مجدل عنجر، الإثنين، ومن بعده اغتيال جمو، مما يوحي بوجود فريق متكامل يرصد ويراقب وينفذ ويزيل له أية آثار في مسرح الجريمة.
وقالت المصادر: إن عمليات البحث وتمشيط بساتين الحمضيات والزيتون في الصرفند، التي استمرت حتى ساعة متقدمة من مساء الأربعاء، بقيادة آمر فصيلة درك عدلون النقيب عصام عبدالله، في إطار تعقّب منفذي عملية اغتيال المحلل السياسي السوري محمد ضرار جمّو، لم تؤد إلى أية اكتشافات جديدة.
وكشفت المصادر الأمنية أنّ "منفذي هذه العملية 3 أشخاص تمكّنوا من الفرار إلى خارج المنطقة، مستغلّين البساتين والأحراج المحيطة"، مشيرة إلى أنّه "تبين حتى الساعة من خلال التحقيقات الأولية التي أجريت مع السوريّيْن، واللبناني الذين تم توقيفهم، ألا علاقة لهم بجريمة الاغتيال".
وعن تفاصيل الجريمة، أوضحت المصادر الأمنية أنّ "جمّو كان عائدا مع عائلته من منطقة صور، ولدى وصوله إلى منزله في الصرفند ترجلت العائلة من السيارة ودخلت زوجته المنزل، وأثناء صعود جمّو الدرج، كمن له 3 مسلحين وأطلقوا عليه 30 رصاصة، استقرت منها 27 في صدره ومختلف أنحاء جسده".
ونفت المصادر في المقابل، ما أشيع عن "إصابة ابنة جمو بالنار". وقالت: إنّها أصيبت ووالدتها بانهيار عصبي، إثر وقوع الحادث. وأكدت أن "المعلومات تفيد بأن جمّو كان مراقبًا مراقبة محكمة قبل تنفيذ العملية".
وأشارت المصادر الأمنية إلى أنّ "زوجته أكدت في إفادتها الأولية أنه كان قد تلقى منذ أيام اتصالات هاتفية من قياديين في حزب البعث في سورية، حذروه خلاله من وجود معلومات عن أشخاص يرصدون تحركاته في لبنان".
وفي المقابل، قرأت المراجع الأمنية عبر "العرب اليوم" في المعطيات المتوافرة من أعمال التفجير، التي ضربت بئر العبد قبل أن تلاحق مسؤولي "حزب الله" وترصد مواكبهم من بيروت والجنوب والبقاع في اتجاه الداخل السوري، تطورًا نوعيًا مهمًا. فبعد سلسلة العبوات، التي فجّرت بمواكب لـ "حزب الله" في البقاع وعلى طريق تعنايل/ المصنع، وفي مناطق مختلفة من بيروت، سُجل انتقال سريع من "الهواية" إلى منطق "الاحتراف"، مذ نجح المخططون في إصابة موكب للحزب على طريق مجدل عنجر الإثنين، وبعد تفريغ 30 رصاصة، الثلاثاء، في جسد جمّو، للدلالة على حجم الحقد الدفين الذي عبّر عنه مرتكبو الجريمة.
وزاد الاقتناع بهذا الانتقال التقني والعسكري إلى مزيد من الحرفية في التفجير والاغتيال، الذي حققه المنفذون باغتيال جمّو في منطقة يعتبرها أمثاله منطقة آمنة بامتياز. فهي منذ انتقاله وعائلته إلى لبنان هربًا من الجحيم السوري يعيش حياة طبيعية في الصرفند.
وقد فاتح كثيرًا من أصدقائه بأنه لا يأبه للتهديدات، التي تلقاها طالما أنه في بيئة حاضنة له ولعائلته توفّر له التحرك طبيعيًا بين منزله والمؤسسات الإعلامية، التي جال فيها في الأيام الأخيرة ضيفًا على شاشاتها وأثيرها.
وفي المنطق الأمني/ المخابراتي، سجّلت هذه الوقائع سيلا من الملاحظات، أبرزها قدرة الجماعات المنفذة على الدخول إلى المناطق التي يُعتقد أنها محظورة أو محصنة بالعيون البشرية والكاميرات التي ترصد أنفاس سكانها وزوارها، خصوصًا الغرباء منهم، مما يوحي بأنّ هناك من تمكن من الاقتراب كثيرًا من مدار الخطوط الحمر، فمثل هذه العمليات لا تُنجَز بالفطرة أو بالمصادفة، بل إنها نتيجة عمل لفريق أمني مدرب ومتكامل، فيه من يراقب ويرصد الحركة من منطقة إلى أخرى بتوجيه ممن يخطط ويختار الأهداف، وهي عملية معقدة بكل المعايير، منعًا للأخطاء القاتلة.
وعلى هذه الخلفيات، يعتقد المعنيون بالملفات الأمنية أنّ "حادث الصرفند قد يكون الحلقة الأولى من المسلسل الدموي المنتظَر على الساحة اللبنانية، بعدما تحولت إلى مرآة للأزمة السورية، التي تخطت في فصولها كل المعايير السابقة في اتجاه منطق الإلغاء والتصفية الجسدية. والأخطر من ذلك هو أن تستدرج لائحة الأهداف، التي اختيرت بعناية فائقة، والتي تضمّ لبنانيين وسوريي لبنانَ إلى الفتنة المذهبية التي يتجنبها الجميع".
وأكد وزير الداخلية في حكومة تصريف الأعمال مروان شربل أن "اغتيال في الصرفند هو جريمة سياسية". وشدد شربل على أن "الفتنة الطائفية التي ترغب بعض الجهات في إشعالها لن تحدث"، مشيرًا إلى أن "ما يحدث من اغتيالات وعبوات ناسفة وسيارات مفخخة هو نتيجة للجو السياسي المحتقن".
ودعا شربل إلى "ضرورة وعي الخطر الداهم الذي يتهدد لبنان"، واصفًا الفترة الحالية بـ "الصعبة"، مشيرًا إلى أن "الجو السياسي الصعب الذي يعيشه لبنان والجو الأمني الذي يحيط به"، إضافة إلى "انتشار السلاح في المناطق لا يبعث على الارتياح".
أرسل تعليقك