معالم العرب الأثرية في الأندلس تستقطب أكبر عدد من السيّاح والزوار في  إسبانيا
آخر تحديث GMT22:43:15
 العرب اليوم -

من غرناطة آخر شهقات العبقرية العربية إلى الحمراء المعلّقة بين البحر والثلج

معالم العرب الأثرية في الأندلس تستقطب أكبر عدد من السيّاح والزوار في إسبانيا

 العرب اليوم -

 العرب اليوم - معالم العرب الأثرية في الأندلس تستقطب أكبر عدد من السيّاح والزوار في  إسبانيا

معالم العرب الأثرية في الأندلس
مدريد - العرب اليوم

يوم زار الشاعر السوري الراحل نزار قبّاني «بلاد الأندلس»، للمرة الأولى مطالع ستينات القرن الماضي عندما عُيِّن ملحقاً ثقافيّاً في مدريد، عاد يقول: «الأندلس وجع تاريخي لا يُحتَمَل». لكن مع نهاية السنوات الأربع التي أمضاها في العاصمة الإسبانية، كان قد وضع بعضاً من أجمل قصائده، وألمع نثره على الإطلاق، يتغنّى بجمال تلك البلاد وسحر إرثها الفني والفكري الذي أثمرته الحضارة الأندلسية التي امتدّت ثمانية قرون وما زالت تُبهر إلى اليوم.

وليس مستغرباً أن تستقطب المعالم الأثرية التي تركها العرب والمسلمون في هذه الديار أكبر عدد من السيّاح والزوّار في إسبانيا. عشرات الملايين يتهافتون كل عام لزيارة الصروح المعمارية الفريدة التي تفجّرت بين جدرانها عبقرية المفكرين والفنانين الأندلسيين يوم كانت الحضارة العربية في أوج تألقها.

«دروب الأندلس» هي مجموعة من المسارات السياحية في خطى الذين وضعوا أسس تلك الحضارة، ودروس في تاريخمآثرها وجغرافيا جمالاتها التي ما زال الكثير منها ينام تحت غبار الزمان. ومن أجملها «درب الخلفاء» التي تمتد على 200 كيلومتر بين قرطبة التي كانت أهمّ مدينة في الغرب، وغرناطة التي شهدت سقوط آخر الأمراء الناصريين ونهاية المعجزة الأندلسية. في عام 1997 أعلن مجلس أوروبا «دروب الأندلس» مساراً ثقافيّاً أوروبياً سرعان ما راح يجذب أعداداً متزايدة من «النخب السياحية» التي تسعى إسبانيا لاجتذابها والمراهنة عليها للتخفيف من الضغط الديموغرافي على مواقعها السياحية الأخرى، وزيادة الدخل الذي يدرّه هذا القطاع الأساسي من الاقتصاد الوطني.

نبدأ مسارنا على «درب الخلفاء» في قرطبة التي شهدت تاريخاً طويلاً قبل وصول العرب إليها، لكن عندما دخلها عبد الرحمن الثالث وأعلن فيها إمارته المستقلة في عام 929، بلغت ذروة مجدها وأصبحت المدينة الأكثر تطوراً وازدهاراً في الغرب. يزيد عدد مساجدها على الألف، وعدد حمّاماتها على 800، وكانت شوارعها تُضاء ليلاً بمصابيح الزيت الذي كانت تفوح رائحته على بُعد أميال من مداخلها.

آثار عديدة ما زالت إلى اليوم تشهد على الدور الريادي الذي لعبته عاصمة الخلافة في نشر الفكر والعلوم والفنون في أرجاء القارة الأوروبية طوال قرون. لكنّ درّة التألق الذي بلغته قرطبة في ذلك العصر هو المسجد الذي يعد إحدى المعجزات المعمارية التي ما زالت تتكشّف أسرارها إلى اليوم. محراب لم يتكرر جمال زخرفته في المعمار الديني، وغابة من النخيل الرخامي في صحنه توحي للناظر إليها بأن البهو الداخلي لا نهاية له. وثمّة من يقول إن الملوك الكاثوليك، الذين كانوا قد قرّروا بناء كاتدرائية في موقع المسجد بعد سقوط المدينة وانهيار الإمارة الأندلسية، عدلوا عن هدمه عندما وقفوا على روعة بنيانه، وأمروا ببنائها داخله كما هي اليوم، حيث يعرف بـ«المسجد الكاتدرائية». وعلى مقربة من المسجد تقوم معجزة معمارية عربية أخرى هي «مدينة الزهراء» التي بناها عبد الرحمن الثالث لتكون المنارة الإدارية والسياسية لخلافته بوجه الفاطميين في أفريقيا، والتي يرقد معظمها اليوم تحت ركام الأيام بعد أن أدهشت البيزنطيين والأوروبيين لفخامة معمارها وروعة هندستها التي بدأت تعود إلى الظهور بفضل الحفريّات الأثرية الجارية لاستعادة هذا الصرح الفريد. ويقول بعض الروايات الشعبية إن الرغبة الحقيقية وراء قرار عبد الرحمن بناءه كانت إهداءه لتلك التي ملكت فؤاده وشغلته عن شؤون الحكم والإدارة. قبل مغادرة قرطبة لا بد من التعريج على الأماكن التي يرجّح المؤرخون أن شيخ الفلاسفة ابن رشد كان يحاضر فيها، أو تلك التي بين جدرانها وضع ابن حزم رائعته «طوق الحمامة»، أو الدار التي يقال إن ولّادة بنت المستكفي بالله، الأميرة الشاعرة، جعلت منها منتدى لأهل الأدب والفكر حيث كانت تلتقي حبيبها ابن زيدون شاعر قرطبة الأكبر.

يتعرّج الطريق من قرطبة باتجاه وادي «غواداخوز» بين كروم الزيتون وسهول القمح، ويحاذي قرية «كاسترو دل ريّو» التي يرتفع حصن عربي على إحدى الهضاب المطلّة عليها، والتي يشتهر أهلها بصناعة الحلوى الأندلسية التقليدية التي يكثر فيها اللوز والعسل كما في معظم بلدان الشمال الأفريقي التي هاجر إليها معظم السكان المسلمين واليهود بعد سقوط الأندلس.
نتابع طريقنا نحو «بايينا» التي تنسدل بيوتها البيض كالخمار المرقّط فوق هضبة عالية تزنّرها كروم لامتناهية من الزيتون الذي يقول أهلها إن منه أفخر أنواع الزيت في العالم. هنا يحضرنا ما كتبه الإدريسي، عالم الجغرافيا الشهير، في القرن الثاني عشر عن «البيّانة»: «قصر كبير على هضبة تحيط بها كروم الزيتون والتين». قبل مغادرة «بايينا» لا بد من زيارة متحف الزيت والمَعاصر القديمة المرمَّمة بذوق رفيع، والتي ما زال بعضها يُستخدم لإنتاج الزيت بالطرق التقليدية.

نواصل مسارنا على هذه الدرب التاريخية التي كانت تعجّ بقوافل التجار من كل أنحاء العالم في العصر الوسيط ونحاذي قرية «كابرا» الجميلة المشهورة ببيوتها السياحية الريفية الأنيقة. فهي تنافس أفخم الفنادق، قبل أن ندخل وسط سهول مترامية من الزيتون على جانبي الطريق، إيذاناً بوصولنا إلى «خايين»، عاصمة هذه الشجرة الكريمة التي وصل إنتاج إسبانيا منها أواخر القرن الماضي إلى ثلثي الإنتاج العالمي.

نعبر «خايين» ونخرج منها عابقة بعطر الزيت والزيتون، ثم ندخل غوطة المدينة التي كانت ذروة تألق الحضارة العربية في الغرب، والتي ما زالت ترفد جداول الذاكرة بالحسرة والحنين. غرناطة، آخر شهقات العبقرية العربية في الغرب، و«الحمراء» المعلّقة بين البحر والثلج، حلماً لم تزده السنون سوى السحر والأسرار.

نترك قصر «الحمراء» مسكاً لختام مسارنا على «درب الخلفاء»، ونتوغّل في شوارع غرناطة وأزقّتها الحجرية صعوداً إلى حي «البيّازين» الذي يعد أقدم أحياء المدينة محتفظاً بطابعه العربي الأندلسي الأصيل رغم مرور نحو تسعة قرون على بنائه. معالم عديدة تستحقّ الزيارة في هذا الحي الذي يرجّح أن اسمه مشتقّ من طير الباز الذي كان أهل الأندلس مولعين بتربيته وتدريبه على صيد الطيور البريّة. من هذه المعالم دار الأميرة عائشة، والدة الملك أبو عبد الله آخر ملوك بني الأحمر، والتي لعبت دوراً كبيراً في صد الهجمات الأخيرة التي سبقت سقوط غرناطة ونهاية حكم بني الأحمر في الأندلس. وبجانبه قصر الضيافة الذي بناه الموحّدون ثم أصبح مِلْكاً للأميرة عائشة حتى سقوط المدينة. وتوجد في هذا الحي عدة كنائس شُيّدت على أنقاض المساجد القديمة. بناها أثرياء كانوا قد اتخذوا من «البيازين» مقرّاً لإقامتهم، وأسكنوا بجانبهم نخبة من الفنانين والحرفيين الذين كانوا ينشطون في هذا الحي الذي أدرجته منظمة «اليونيسكو» على لائحة التراث العالمي في عام 1994.

نغادر «البيّازين» صعوداً نحو قصر «الحمراء» الذي يرتفع على كتف الحي ويفصله عنه نهر يتعرّج بين البيوت ويُسمع خرير مياهه الباردة الآتية من أعالي جبال «سييرا نيفادا» المكللة بالثلوج.

زيارة قصر «الحمراء» لا تشبه أي زيارة أخرى. تحتاج إلى دروس في التاريخ، وفي العلوم والفنون، في الدين والأدب، في الهندسة وعلم الجماليّات والفلك، وفي السياسة وعلوم الحياة التي بلغت هنا أسمى تجلّياتها. أما إذا تعذّرت القراءة الكافية وتحصيل المعلومات اللازمة قبل زيارة هذا الصرح الفريد، فمن المستحسن اللجوء إلى دليل خبير يحكي لك عن عظمة هذا القصر الذي يختصر ثمانية قرون من الحضارة التي غيّرت تاريخ أوروبا والعالم قبل أن تخبو نارها تحت رماد الأيام.

وقد يهمك ايضا:

أخطاء يقع فيها المسافرون خلال رحلات سياحية للمرة الأولى

السباحة مع أسماك القرش خارج سواحل جزيرة مارشينا في أرخبيل غالاباغوس

 

arabstoday

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

معالم العرب الأثرية في الأندلس تستقطب أكبر عدد من السيّاح والزوار في  إسبانيا معالم العرب الأثرية في الأندلس تستقطب أكبر عدد من السيّاح والزوار في  إسبانيا



هند صبري بإطلالة أنثوية وعصرية في فستان وردي أنيق

القاهرة ـ العرب اليوم

GMT 00:54 2024 الإثنين ,04 تشرين الثاني / نوفمبر

أبرز قصات فساتين الزفاف الهالتر الرائجة في 2025
 العرب اليوم - أبرز قصات فساتين الزفاف الهالتر الرائجة في 2025

GMT 16:06 2024 الإثنين ,04 تشرين الثاني / نوفمبر

بانكوك وجهة سياحية أوروبية تجمع بين الثقافة والترفيه
 العرب اليوم - بانكوك وجهة سياحية أوروبية تجمع بين الثقافة والترفيه

GMT 01:10 2024 الإثنين ,04 تشرين الثاني / نوفمبر

دليل مُساعد لإضافة لمسة جذابة إلى صالون المنزل
 العرب اليوم - دليل مُساعد لإضافة لمسة جذابة إلى صالون المنزل

GMT 02:43 2024 الإثنين ,04 تشرين الثاني / نوفمبر

غوتيريس "قلق جدا" لوجود قوات كورية شمالية في روسيا
 العرب اليوم - غوتيريس "قلق جدا" لوجود قوات كورية شمالية في روسيا

GMT 15:16 2024 الإثنين ,04 تشرين الثاني / نوفمبر

العلاقة بين الاكتئاب وحرارة الجسم دراسة جديدة تسلط الضوء
 العرب اليوم - العلاقة بين الاكتئاب وحرارة الجسم دراسة جديدة تسلط الضوء

GMT 01:49 2024 الإثنين ,04 تشرين الثاني / نوفمبر

نتنياهو يحدد 3 مفاتيح لاستعادة الأمن في شمال إسرائيل
 العرب اليوم - نتنياهو يحدد 3 مفاتيح لاستعادة الأمن في شمال إسرائيل

GMT 10:59 2024 السبت ,02 تشرين الثاني / نوفمبر

حمية مستوحاة من الصيام تدعم وظائف الكلى وصحتها

GMT 08:56 2024 الإثنين ,04 تشرين الثاني / نوفمبر

هجرات جديدة على جسور الهلال الخصيب

GMT 17:12 2024 الأحد ,03 تشرين الثاني / نوفمبر

مقتل 31 شخصا على الأقل في هجمات إسرائيلية في قطاع غزة

GMT 03:11 2024 الإثنين ,04 تشرين الثاني / نوفمبر

الخطوط الجوية الفرنسية تعلق رحلاتها فوق البحر الأحمر

GMT 22:38 2024 الأحد ,03 تشرين الثاني / نوفمبر

زلزال بقوة 5.2 درجة على مقياس ريختر يضرب شمال اليونان

GMT 17:36 2024 الأحد ,03 تشرين الثاني / نوفمبر

إصابة 32 جنديا بينهم 22 في معارك لبنان و10 في غزة خلال 24 ساعة

GMT 01:36 2024 الأحد ,03 تشرين الثاني / نوفمبر

الدولة الفلسطينية

GMT 09:18 2024 الأحد ,03 تشرين الثاني / نوفمبر

هيدي كرم تتحدث عن صعوبة تربية الأبناء

GMT 15:09 2024 الأحد ,03 تشرين الثاني / نوفمبر

توتنهام يتأخر بهدف أمام أستون فيلا في الشوط الأول

GMT 11:18 2024 الأحد ,03 تشرين الثاني / نوفمبر

رامي صبري يُعلق على حفلته في كندا

GMT 04:13 2024 السبت ,02 تشرين الثاني / نوفمبر

غوتيريش يعرب عن «صدمته» إزاء المعارك في وسط السودان

GMT 21:38 2024 السبت ,02 تشرين الثاني / نوفمبر

هاريس تتعهد بالعمل على إنهاء الحرب في الشرق الأوسط
 
syria-24

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Arabstoday Arabstoday Arabstoday Arabstoday
arabstoday arabstoday arabstoday
arabstoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
arabs, Arab, Arab