انتشار كبير لمكاتب الدجل والشعوذة في بغداد وسط تجاهل الحكومة
آخر تحديث GMT09:14:17
 العرب اليوم -
أخر الأخبار

يجب دفع 40 دولارًا أميركيًا قبل الدخول إلى المركز الروحاني

انتشار كبير لمكاتب الدجل والشعوذة في بغداد وسط تجاهل الحكومة

 العرب اليوم -

 العرب اليوم - انتشار كبير لمكاتب الدجل والشعوذة في بغداد وسط تجاهل الحكومة

الدجل والشعوذة
بغداد – نجلاء الطائي

دخل أكثر من ثلاثين زبوناً إلى أحد المراكز المشهورة في بغداد، نحو الساعة الأولى ظهراً، وعلى جدران المركز، عُلقت صور لأحجار كريمة، ولوحات دينية، وصور كُتبت عليها سور من القرآن، وعلى جدار يغلب عليه اللون الأحمر، عُلقت طلاسم وخطوط يتعذر أن يتعرف أحد عليها، وفجأة علا صراخ طفل اصطحبته أمّه إلى المركز، وبنبرة توسل طلبت الأم من موظف الاستعلامات الإسراع في إدخاله إلى "الشيخ".

قالت "لا أعرف ماذا أصابه، منذ يومين لم يتمكّن من النوم، يقضي الليل باكياً، ويتحدث عن شيء يُخيفه"، وأبلغها موظف الاستعلامات بأن طفلها سيدخل إلى "الحاج الشيخ" وسيخرج هادئاً، وطلب منها دفع رسوم استمارة التسجيل، وبعد ربع ساعة تقريباً، خرجت الأُم مع طفلها الذي لم ينته صراخه.

ويعاني وائل "اسم مستعار"، من عدم انتصاب قضيبه، يخجل من الحديث لأحد عن مشكلته، ويرفض العلاج في المستشفيات خوفاً من الفضيحة، وقال إنّه "بعدما أصبحت لدي الجُرأة قررت الذهاب إلى معالج بطب الأعشاب"، ولكن وائل شكا من فشل المعالج الروحاني الذي أخضعه لسبع جلسات معالجة، "أنفقت خلالها  نحو 2000 دولار تقريباً على مواد علاجية لم تنفعني، وكانت عبارة عن علب من العسل، قُرئت عليها سور من القرآن الكريم حسب ما أخبرني المعالج"، ولا يمكن الدخول إلى المركز بأي صفة غير الصفة العلاجية. "التصوير ممنوع"، تحذير كُتب على لافتة صغيرة. المكان هادئ، لكنه لا يُطمئن. على كل زبون أن يدفع 50 ألف دينار عراقي (40 دولاراً أميركياً) مقابل المرور. رغم ذلك، لا يمكنه الدخول إلى "الطبيب" المُفترض، إلا بعد 4 أو 5 ساعات من الانتظار. على بعد سنتيمترات من غرفة المقابلة يقف رجال مسلحون مهمتهم حماية صاحب المركز.

ويصف رجال دين عراقيون تلك المراكز بـ"النصب والاحتيال"، ويلفتون إلى وجود مخالفات شرعية في تعاملها مع الزبائن، واتسعت مؤخرًا ظاهرة السحر والشعوذة بمناطق عدة من جنوب ووسط العراق، فضلًا عن العاصمة بغداد، والتي تسببت في مشكلات اجتماعية وأمنية كبيرة، في الوقت الذي كان فيه وجودها محصوراً في أطراف العاصمة والمناطق الشعبية والفقيرة، أو تلك التي يطلق عليها "العشوائيات".

ويوجد مئات السحرة والمشعوذين، وما يُعرف بـ"فتَّاحين الفال" وغيرهم، مما يعني أننا أمام أزمة اجتماعية كبيرة، حيث يسقط عشرات المواطنين من كلا الجنسين ضحايا أعمال سحر وشعوذة، تبدأ بمآسي الطلاق وتفكك الأُسَر وهروب الفتيات والشبان، ولا تنتهي إلا عند موت الضحية بسبب مباشر جراء السحر، أو غير مباشر بسبب ما يخلفه له من مشاكل، وتجاوز الأمر إلى قيام بعض المكاتب بالإعلان عبر محطات التلفزيون المحلية، ولا يخفى على أهل بغداد اليوم الحرب المشتعلة بين أصحاب تلك المكاتب، فظهر منهم ما يعرف بـ"حجي ثقب" و"مستحضِر الجن والمردة" و "صاحب خاتم سليمان" وآخر يدعى بـ"السيد مجيب الحاجات" ورابع يقول لزبائنه إنه يمتلك مرآة يشاهد فيها المستقبل ويكشف السرقات التي تحدث وحتى عمليات الاختطاف الرائجة اليوم ببغداد.

ويتردد على هذه المكاتب زبائن أغلبهم من النساء ومن الطبقة الفقيرة والمتوسطة، وتتفاوت أسعار العلاج ما بين 100 دولار وتصل إلى ألف دولار، إلا أن هناك من يدفع عشرات أضعاف هذا المبلغ مقابل خدماتهم، وكشفت منظمة محلية عراقية بارزة في بغداد، عن ارتفاع عدد العاملين في السحر والشعوذة، ممن يتخذون مكاتب لهم في شقق سكنية أو داخل منازلهم، إلى أكثر من 200 شخص يعملون بصورة علنية.

ورأى حيدر الخزاعي، وهو صاحب مركز الشيخ للعطاريات والعلاج الروحي في العاصمة بغداد، أن "98% من أصحاب مراكز العلاج الروحي في بغداد يمارسون الدجل، ومبتغاهم المال وليس تقديم الخدمة للمحتاجين".

وأكّد الخزاعي الذي يعمل في هذا المجال منذ العام 1996، أن "العلاج الروحاني علم، وليس تهريجاً، ويحتاج إلى كرامات تُفتح من الله وتسخير أشخاص يقومون بخدمة الناس، وآيات تنفع في علاج المرضى"، ويضع صاحب مركز الشيخ تسعيرة للعلاج تراوح بين 200 و400 دولار أميركي، وقال إن "هناك خدم أرواح تحضر إليّ حسب الحاجة، وأعطي المريض دلائل على ذلك، لكنه لن يتمكن من سماع الحديث الذي يدور بيني وبينها".

ويقول مدير منظمة "سلم" العراقية علي الحمداني إنّ مكاتب السحر والشعوذة تمارس أعمالها بشكل علني بلا خوف من الحكومة، موضحا أن هؤلاء متورطون بمخالفات قانونية، ويضيف الحمداني، وهو يدير المنظمة المعنية بشؤون المجتمع المدني وترتبط بشبكة منظمات المجتمع المدني، التي تشرف عليها الأمانة العامة لمجلس الوزراء العراقي ببغداد، أنّ "الظاهرة خطيرة وسجلت وفيات كثيرة بسببهم. فبعضهم دجالون لا تأثير لهم يبيعون الوهم، لكن آخرين يمارسون السحر فعلا وتسببوا بكوارث عائلية منها حالات طلاق وهروب فتيات من منازلهم وخيانات زوجية، وصولا إلى إصابة الضحايا بالأمراض النفسية والجسدية أدت إلى موت الضحايا وتسجيل اعتداءات جنسية، زوار تلك المكاتب من المرضى اليائسين من الحصول على علاج أو من المطلقات والعوانس، وكذلك اللاتي يعانين من مشاكل مع أزواجهن أو قليلي الحظ والعاطلين عن العمل والباحثين عن وظيفة أو منصب أو الساعين للإيقاع بفتاة ما، أو الذين تعرضوا للسرقة أو اختفاء قريب لهم، كان القانون العراقي قبل الاحتلال يفرض عقوبات مشددة على ممارسي أعمال الشعوذة، تتراوح بين السجن 15 عاما إلى الإعدام، وأشهر حكم قضائي تم عام 1987 بإعدام ساحر علنا شرقي بغداد لتسببه بوفاة مواطن وسرقة مبالغ مالية منه، لكن اليوم القانون غير واضح بهذا الشأن وحتى لو وجد فلا تطبيق له".

وفي شارع 14 رمضان في حي المنصور، وسط بغداد، لافتة كبيرة يظهر فيها رجل في العقد الرابع من العمر يرتدي بذلة سوداء ولحية خفيفة يدعى أبو أحمد الكاظمي، مع عدد من أرقام الهواتف التي يمكن للزبون الاتصال عبرها، وفيها أيضا عرض قدرات الرجل على علاج داء السكري والسرطان والضعف الجنسي، وردّ المطلقة لزوجها، وجلب الحبيب، وفك السحر الأسود، ولم يكن رفع اليافطة لمخالفتها القانون إلا أن صاحب المبنى اشتكى بأنها وضعت دون إذن منه.

ويقول أحد العاملين في احد  المكاتب في بغداد مشترطا عدم ذكر اسمه، طقوس إلقاء اللعنة على الشخص المراد به سوء من شخص آخر يقوم بالدفع للساحر، أو ختم تعاويذ خاصة تعرف بالـ"خرز" وبيعها على أنها تجلب الرزق والمحبة وتحل المشاكل، ويجدون إقبالًا كبيرًا ويشتريها بعض الزبائن بمبالغ كبيرة فيما تعتبر المقابر والمناطق المهجورة محل تواجدهم الرئيسي، ويضيف صاحب المكتب "الذي أطلق على نفسه لقب الدكتور رغم أنه لم يكمل المتوسطة، وتعلم الحرفة من ساحر مغربي زار العراق قبل سنوات بدعوة من أحد السياسيين بسبب مرض ابنه". ويضيف "هو يعتبر نفسه دكتورا لأنه يشفي أمراضا يعجز الأطباء عنها"، بحسب زعمه، ويبين أنه يتقاضى عن عمله عنده أجرا غير ثابت لكنه لا يقل عن 800 دولار بالشهر، ومهمته ترتيب أمور المكتب واستقبال الزبائن وإيداع "العمل" في المقابر لدفنه أو نبش القبور واستخراج أجزاء من الميت، ويتابع "هناك من ينجح معهم وهناك آخرون لا يستجيبون للعلاج".

وكشف علي الحيدري، وهو صاحب معشب في حي الكاظمية شمال بغداد، أنّ الحي الذي يعمل فيه يكاد يكون الأكثر استقطابا للسحرة والمشعوذين، مؤكدا أن السحرة يستخدمون غطاء الدين للتغطية على تضليلهم الناس وسرقة أموالهم، ويشير الحيدري إلى أن العمارة التي يوجد فيها معشبه تحتوي على مكتبين للسحر، مبينا أنه يشاهد العشرات من الزبائن، 80 بالمائة منهم من النساء، يدخلون إليها يوميا، موضحا أنّ أجرة الخدمات في هذه المكاتب لا تقل عن مائتي دولار أميركي، أما العلاج فيصل إلى عشرة آلاف دولار.

ويؤكد علي دندش، الذي يعمل دفانا في مقبرة الكرخ (غرب بغداد)، إنه يشاهد حين يذهب لصلاة الفجر وبشكل شبه يومي عددا من النساء اللائي يأتين إلى المقابر لدفن السحر، مبينا أنه يقوم أحيانا بحفر ما يتم دفنه قبل حرقه لإتلاف ما به، ويشير إلى أن محتوى السحر غالبا ما يكون عبارة عن مخطوطات غريبة وخيوط بطول جسم الإنسان وعظام ومواد أخرى.

وينتقد أستاذ علم الاجتماع في جامعة بغداد، حقي الدباغ، صمت الجهات الحكومية عن الانتشار المخيف لمكاتب السحرة والمشعوذين، مؤكدا أن هذا الأمر وباء يمكن أن يطيح بالمجتمع وتماسكه، محذراً من حدوث تفكك في الأسر العراقية، والأسبوع الماضي دشن ناشطون حملة توعية واسعة في عدد من مناطق بغداد الفقيرة، تحذر المواطنين من التردد على مكاتب السحرة والمشعوذين عبر نشر صور وإعلانات في الشوارع، ويقول الناشط، ليث طلال، إنهم "يحاولون مساعدة الناس وتوعيتهم من الدجالين عبر هذه الحملة".

arabstoday

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

انتشار كبير لمكاتب الدجل والشعوذة في بغداد وسط تجاهل الحكومة انتشار كبير لمكاتب الدجل والشعوذة في بغداد وسط تجاهل الحكومة



إلهام شاهين تتألق بإطلالة فرعونية مستوحاه من فستان الكاهنة "كاروماما"

القاهرة ـ العرب اليوم

GMT 07:54 2024 الثلاثاء ,19 تشرين الثاني / نوفمبر

فيتامينات ومعادن أساسية ضرورية لشيخوخة أفضل صحياً
 العرب اليوم - فيتامينات ومعادن أساسية ضرورية لشيخوخة أفضل صحياً

GMT 10:04 2024 الإثنين ,18 تشرين الثاني / نوفمبر

شيرين رضا توضح أسباب غيابها عن رمضان للعام الثالث
 العرب اليوم - شيرين رضا توضح أسباب غيابها عن رمضان للعام الثالث

GMT 05:45 2024 الأحد ,17 تشرين الثاني / نوفمبر

علاج جيني مُبتكر يعيد السمع والرؤية لمرضى متلازمة آشر 1F

GMT 12:17 2024 الإثنين ,18 تشرين الثاني / نوفمبر

قمة الرياض: أمن الإقليم مرتكزه حل الدولتين

GMT 02:18 2024 الأحد ,17 تشرين الثاني / نوفمبر

قرن البولندي العظيم (الجزء 1)

GMT 12:03 2024 الأحد ,17 تشرين الثاني / نوفمبر

روجينا تكشف عن تفاصيل مسلسلها الجديد رمضان 2025

GMT 09:36 2024 الإثنين ,18 تشرين الثاني / نوفمبر

زلزال بقوة 5.1 درجات يضرب جزر ماريانا غرب المحيط الهادئ

GMT 22:02 2024 الأحد ,17 تشرين الثاني / نوفمبر

أفكار لتجديد المنزل في فصل الشتاء

GMT 07:54 2024 الإثنين ,18 تشرين الثاني / نوفمبر

حميد الشاعري يكشف تفاصيل بيع بصمته الصوتية

GMT 13:50 2024 السبت ,16 تشرين الثاني / نوفمبر

أبرز موديلات ساعات اليد لإطلالة مميزة وراقية

GMT 02:04 2024 الأحد ,17 تشرين الثاني / نوفمبر

الرفاق حائرون... خصوم ترمب العرب

GMT 11:54 2024 الأحد ,17 تشرين الثاني / نوفمبر

حسين فهمي يعرب عن دعمه للأفلام الفلسطينية واللبنانية

GMT 13:54 2024 السبت ,16 تشرين الثاني / نوفمبر

أفضل ساعات اليد الرجالي وطرق تنسيقها مع الملابس

GMT 02:14 2024 الأحد ,17 تشرين الثاني / نوفمبر

الوفاء غائب ولغة التخوين والحقد حاضرة

GMT 07:41 2024 الإثنين ,18 تشرين الثاني / نوفمبر

مجلس الأمن يصوت على مشروع قرار يدعو إلى وقف النار في السودان
 
syria-24

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Arabstoday Arabstoday Arabstoday Arabstoday
arabstoday arabstoday arabstoday
arabstoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
arabs, Arab, Arab