تنسيق متقن وقيم جمالية تكشفها أعمال رائد التجريديين الراحل عبد الرحيم الوكيل
آخر تحديث GMT03:01:53
 العرب اليوم -
أخر الأخبار

اتخذ أسلوبًا وسطيًا في المحاكاة بين النحت الكلاسيكي والتجريد

تنسيق متقن وقيم جمالية تكشفها أعمال رائد التجريديين الراحل عبد الرحيم الوكيل

 العرب اليوم -

 العرب اليوم - تنسيق متقن وقيم جمالية تكشفها أعمال رائد التجريديين الراحل عبد الرحيم الوكيل

رائد التجريديين الراحل عبد الرحيم الوكيل
بغداد-نجلاء الطائي

تتلخص تجربة رائد التجريديين العراقي الراحل عبد الرحيم الوكيل من خلال ممارسته الفنية، وتأثره بمدارس الفنون الحديثة التي تركت بصماتها الواضحة عليه وشق طريقه الناجح في عالم النحت الحديث، فأستخدم أسلوب خاص به يتميز بالحرفية والجمال والسهولة مما يسمح لأي متلقٍ أن يميز أعماله و يتعرف عليها، وتعامل مع التجريد بمعايير متزنة ودون إفراط في أبراز الشكل المنحوت، فاتخذ أسلوبًا وسطيًا في المحاكاة بين النحت الكلاسيكي والتجريد ومداعبًا بأدواته النحتية إلى المدارس الحديثة، أي التفنن في تكتيك الشكل بما ينوع في التعبير عن الفكرة، منحوتاته تأتي بين القالب السريالي والتجريد غير المبالغ فيه.

ويتجه الوكيل إلى أسلوب مخاطبة عين المتلقي وقلبه وعقله، هذا الطرح حقق له نجاحًا لأن المشاهد لأعماله لا يجد أي صعوبة في الانسجام مع الشكل المنحوت، فقد ركز على إعطاء الشكل قيمة جمالية من حيث التنسيق المتقن في الأبعاد للكتلة، فقدم طرحًا
 فلسفيًا في الفن، وهو ما استجد في تجريده إضافة إلى كون أعماله تقدم مضامين فلسفية شديدة الرقي والوضوح وسهلة الاستيعاب، وتعتمد أعماله على الأداء ل الأشكال المجردة التي تنأى عن مشابهة المشخصات والمرئيات في صورتها الطبيعية والواقعية، والتي تتميز بقدرة الفنان على رسم الشكل الذي يتخيله سواءً من الواقع أو الخيال عبر شكل جديد تمامًا قد يشابه أو لا يشابه مع الأصلي وبخاصة من خلال التركيز على الأبعاد الهندسية، الذي يعد رائد التجريديين فهو خير من جسد هذا المفهوم في الفن، فاعتمدت رؤية الفنان إلى الأشكال الطبيعة من زاوية هندسية بحته حيث تتحول المناظر إلى مجرد مثلثات ومربعات ودوائر، أي مجرد قطع إيقاعية مترابطة ليست لها دلائل بصرية مباشرة، وإن كانت تحمل في طياتها شيئاً من خلاصة التجربة التشكيلية التي مر بها الفنان.

 وبحث الوكيل عن المذهب التجريدي في النحت وسعى إلى تقديم جوهر الأشياء والتعبير عنها عبر أشكال موجزة تحمل في داخلها خبرته الفنية وما يحمله وجدانه التجريدي, وقدم من خلال أعماله الفنية الجسم الكروي بعدد كبير من الأشكال وأعمال أخرى تعتمد على ذهن وخبرة الفنان وبما توحي رؤيته لهذه الإشكال ,فالشكل الواحد عند الوكيل قد يوحي بمعان متعددة، حيث لم يهتم عبد الرحيم بالتجريدية ذات الأشكال الساكنة فقط، بل الأشكال المتحركة بخاصة ما تحدثه بتأثير الضوء، كما في ظلال أوراق الأشجار التي يبعثها ضوء الشمس الموجه عليها، حيث أظهر من خلال أعماله الظلال بمساحات متكررة تحصر فراغات ضوئية فاتحة، ولا تبدو الأوراق بشكلها الطبيعي عندما تكون ظلالًا، بل بشكل تجريدي، ونجح الفنان في بث الروح في مربعاته ومستطيلاته ودوائره وخطوطه المستقيمة أو المنحنية لدرجة التي تظن أنها فعلًا تتحرك، فعبر تكتيك فني متقن باستخدام المساحات القصيرة والطويلة وبإعطائها ألوانًا معينة وترتيبها وفق أطر معينة.

 ومفهوم التجريد لديه عرض أشكاله الطبيعة في شكل جديد بهدف الحصول على نتائج فنية عن طريق الشكل والخط واللون, وسواء كان تقديمه للتجريد هندسيًا شاملًا أو جزئيًا بتبسيط الأقواس والمنحنيات، أو تجريدًا كاملًا أو نصف تجريد، فإنه يعطي الإيحاء بمضمون "الفكرة"، التي يقوم عليها العمل الفني دون إغفال القيمة.

 أن أعمال عبد الرحيم غيرت في الكثير من جوانب مفهوم النحت فتمكن من خلق أبعاد جديدة، فتحت الدرب للكثير من طلابه الجدد وثقتهم بإنتاج أعمال جريئة متنوعة لم يكن بالإمكان نحتها في السابق بسبب صرامة قواعد النحت الكلاسيكي التي كانت متعارف عليها وهو من ساهم في نجاح أسلوبه وفنه وأدى إلى تطور فن النحت التجريدي ومواكبته لمسيرته نحو التجديد والإبداع فكان يدرس الأبعاد الهندسية للمكان وزوايا الرؤية من جميع الاتجاهات قبل أن يصمم نحته محددًا المكان الذي سينصب نحته، فأكد من خلال ذلك أن النحت القائم في الأماكن المفتوحة تتطلب الدراسة بشكل دقيق، ومن هنا فانه يستخدم الفجوات والفتحات ليؤكد صفة "الأبعاد الثلاثة" فيها، وهذه الفتحات تخلق إحساسًا بالكتلة أو الحجم، فربط بين الفتحات والتحدب والأقواس التي تضفي سحرًا وجمال لها. 

وأمسك الوكيل بين الأشكال الهندسية البكر ونصوصه، وقدم العلاقة التي ستبقى حوارية بين الجسد وفن النحت، كما سمح للمكان أن يكون أكثر من علاقة فقد شارك النحات الوجود بذاته، وجاءت أعمال عبد الرحيم الوكيل الأخيرة بإشكال أكثر تجريدًا يتخللها فراغات مباشرة عبر الجسد، مما يعني أنه كان يستخدم الأشكال المقعرة والمحدبة في صميم العمل ذاته، وقد استخدم طريقة النحت المباشر في أعماله الأولى، وعمل بتقنية صب البرونز مع النماذج المصنوعة من الطمي والجبس، وكما مال بأخر حياته الى التكبير في أحجام منحوتاته. 
 
وتبرع المرحوم الفنان عبد الرحيم الوكيل بأعماله الفنية ومقتنياته الشخصية للعراق، إذ إن عددها يزيد عن مئة تمثال منفذ بمواد المرمر، الحجر، البرونز، الخشب، وأغلب هذه الأعمال لم تعرض في المعارض الوطنية داخل العراق، وبعضها يفوق طولها المتر، وهي تعد ثروة كبيرة لا تقدر بثمن، وهذه الأعمال والمقتنيات محفوظة في محترفه الفني في منطقة البلديات في بغداد، ولوحات أخرى للفنانين، سعد الطائي، علي الشعلان، علاء بشير وجواد سليم وغيرهم، وتم الاتفاق في استقرار أعماله في مسقط رأسه فأودعت المتحف الفني المعاصر في بابل، ويغطي تاريخ تنفيذها مرحلة تمتد إلى نحو أربعة عقود من القرن الماضي، وفضلًا عن منحوتاته الشخصية، تبرع الوكيل أيضًا ببعض مقتنياته الشخصية من أعمال فنانين عراقيين مثل جواد سليم، محمد علي شاكر، علاء حسين بشير وغيرهم، وتعد سابقة غير معهودة على مدى تاريخ الفن العراقي المعاصر منذ عبد القادر رسام ولحد الآن، وأنها ثروة هائلة لا تقدر بثمن.

ويذكر أن عبد الرحيم الوكيل من مواليد الحلة عام 1936، رحل عن عمر ناهز إل 80 عامًا، في لندن، بعد صراع مع المرض بسبب إصابته بالجلطة الدماغية، ونال دبلوم "معهد الفنون الجميلة" في بغداد، ثم درس النحت والتصميم في كلية تشيلسي في لندن، ودرس1959 طرق صب البرونز في المدرسة المركزية للفنون الجميلة في لندن أيضًا، قبل أن يعود إلى العراق، ليشغل موقع رئيس قسم النحت والصب في مديرية الآثار العامة، ويتولى مسؤولية الأعمال الفنية والعرض والصيانة للآثار، كما أصبح مدرس النحت ورئيس قسم الفنون التشكيلية في أكاديمية الفنون الجميلة في بغداد ثم حصل على ماجستير فنون من جامعة بنسلفانيا الأميركية. 
 
وتتلمذ الفنان عبد الرحيم الوكيل على يد الرواد في فن النحت ومنهم الفنانين الخالدين جواد سليم وخالد الرحال، ورغم إخلاصه لفن النحت الأكاديمي إلا أنه أبدع في فن النحت الحديث وذلك لثقافته الفنية العالية ومعاصرته للفنان الخالد جواد سليم مع دراسته الأكاديمية العليا في بريطانيا ومعايشته لأعمال هنري مو وباربارا هيبورث في المتاحف والساحات العامة، لذا ترك هنري مور الأثر الكبير على أعمال الفنان عبد الرحيم الوكيل ولكن شخصيته المتميزة وتقنيته العالية والإبداع الفني الأصيل كونت ملامح فنه، وأقام معرضًا في نادي العلوية عام 1967  في بغداد كذلك شارك في معرض في "زولر كاليري"في الولايات المتحدة الأميركية عام 1983، ونفذ نصبًا من البرونز والمرمر يمثل التعاون بين العراق وبولونيا في مضمار الكبريت بارتفاع  8 متر "في المشراق" في عام 1969.

arabstoday

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

تنسيق متقن وقيم جمالية تكشفها أعمال رائد التجريديين الراحل عبد الرحيم الوكيل تنسيق متقن وقيم جمالية تكشفها أعمال رائد التجريديين الراحل عبد الرحيم الوكيل



GMT 06:05 2024 الإثنين ,28 تشرين الأول / أكتوبر

إطلاق النسخة الأولى من "بينالي أبوظبي للفن" 15 نوفمبر المقبل

GMT 06:11 2024 الثلاثاء ,15 تشرين الأول / أكتوبر

جولة على أهم المتاحف والمعارض الفنية العالمية والعربية

إلهام شاهين تتألق بإطلالة فرعونية مستوحاه من فستان الكاهنة "كاروماما"

القاهرة ـ العرب اليوم

GMT 10:04 2024 الإثنين ,18 تشرين الثاني / نوفمبر

شيرين رضا توضح أسباب غيابها عن رمضان للعام الثالث
 العرب اليوم - شيرين رضا توضح أسباب غيابها عن رمضان للعام الثالث

GMT 05:45 2024 الأحد ,17 تشرين الثاني / نوفمبر

علاج جيني مُبتكر يعيد السمع والرؤية لمرضى متلازمة آشر 1F

GMT 12:17 2024 الإثنين ,18 تشرين الثاني / نوفمبر

قمة الرياض: أمن الإقليم مرتكزه حل الدولتين

GMT 02:18 2024 الأحد ,17 تشرين الثاني / نوفمبر

قرن البولندي العظيم (الجزء 1)

GMT 12:03 2024 الأحد ,17 تشرين الثاني / نوفمبر

روجينا تكشف عن تفاصيل مسلسلها الجديد رمضان 2025

GMT 09:36 2024 الإثنين ,18 تشرين الثاني / نوفمبر

زلزال بقوة 5.1 درجات يضرب جزر ماريانا غرب المحيط الهادئ

GMT 22:02 2024 الأحد ,17 تشرين الثاني / نوفمبر

أفكار لتجديد المنزل في فصل الشتاء

GMT 07:54 2024 الإثنين ,18 تشرين الثاني / نوفمبر

حميد الشاعري يكشف تفاصيل بيع بصمته الصوتية

GMT 13:50 2024 السبت ,16 تشرين الثاني / نوفمبر

أبرز موديلات ساعات اليد لإطلالة مميزة وراقية

GMT 02:04 2024 الأحد ,17 تشرين الثاني / نوفمبر

الرفاق حائرون... خصوم ترمب العرب

GMT 11:54 2024 الأحد ,17 تشرين الثاني / نوفمبر

حسين فهمي يعرب عن دعمه للأفلام الفلسطينية واللبنانية

GMT 13:54 2024 السبت ,16 تشرين الثاني / نوفمبر

أفضل ساعات اليد الرجالي وطرق تنسيقها مع الملابس

GMT 02:14 2024 الأحد ,17 تشرين الثاني / نوفمبر

الوفاء غائب ولغة التخوين والحقد حاضرة

GMT 07:41 2024 الإثنين ,18 تشرين الثاني / نوفمبر

مجلس الأمن يصوت على مشروع قرار يدعو إلى وقف النار في السودان
 
syria-24

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Arabstoday Arabstoday Arabstoday Arabstoday
arabstoday arabstoday arabstoday
arabstoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
arabs, Arab, Arab