توجت المملكة السعودية تقاربها مع العراق بمجلس اقتصادي تنسيقي مشترك أطلقه رسميا في الرياض، الأحد، العاهل السعودي الملك سلمان بن عبد العزيز ورئيس الوزراء العراقي حيدر العبادي، في وقت أعرب رئيس الوزراء حيدر العبادي، عن أمله من المملكة العربية السعودية بتوطيد العلاقات مع العراق والتعاون في تحقيق الاستقرار بالمنطقة.
وجرى الاحتفال بانطلاق أعمال "مجلس التنسيق السعودي العراقي" بحضور وزير الخارجية الأميركي ريكس تيلرسون الساعي إلى اظهار قدرة الولايات المتحدة على التأثير في سياسات المنطقة في مواجهة نفوذ إيران. وقال الملك سلمان أمام العبادي والوفد الوزاري الكبير المرافق له إن "الإمكانات الكبيرة المتاحة لبلدينا تضعنا أمام فرصة تاريخية لبناء شراكة فاعلة لتحقيق تطلعاتنا المشتركة".
وأكد العاهل السعودي الملك سلمان بن عبد العزيز اليوم، الأحد، على دعم بلاده وتأييدها "لوحدة العراق واستقراره". ووقع الملك سلمان ورئيس الوزراء العراقي حيدر العبادي على مذكرة تأسيس المجلس التنسيقي بين البلدين بحضور وزير الخارجية الأميركي ريكس تيلرسون. وقال العاهل السعودي، في كلمة بثها التليفزيون الرسمي السعودي "نواجه في منطقتنا تحديات خطيرة تتمثل في التطرف والإرهاب ومحاولة زعزعة الأمن والاستقرار في بلداننا".
وأضاف العاهل السعودي في كلمته "نبارك لأشقائنا في العراق ما تحقّق من إنجازات في القضاء على الإرهاب ودحره"، ونؤكّد "دعمنا وتأييدنا لوحدة العراق واستقراره". وقال العاهل السعودي "نؤكّد دعمنا وتأييدنا لوحدة العراق واستقراره، والإمكانات الكبيرة المتاحة لبلدينا تضعنا أمام فرصة تاريخية لبناء شراكة فاعلة لتحقيق تطلعاتنا المشتركة"، مشددا على أن "ما يربطنا مع العراق ليس مجرد الجوار والمصالح المشتركة إنما أواصر الأخوة والدم والتاريخ والمصير الواحد".
وأضاف :" نتطلع أن تسهم اجتماعات مجلس التنسيق في المُضي إلى آفاق أوسع وأرحب". وقال الملك سلمان " نشكر الدكتور حيدر العبادي؛ على تلبية الدعوة لحضور الاجتماع الأول لـمجلس التنسيق السعودي – العراقي". وجاءت الخطوة في إطار التقارب الذي بدأ أخيرا بين بغداد والرياض، بعد قطيعة دامت نحو 27 عاما.
وقطعت السعودية علاقاتها مع العراق عقب اجتياح الرئيس العراقي السابق صدام حسين للكويت في العام 1990. واستمر التوتر بين البلدين خصوصا خلال تولي نوري المالكي رئاسة الحكومة العراقية على مدى ثماني سنوات. لكن آثار التقارب بدأت تتضح مع افتتاح منفذ عرعر الحدودي بين العراق والسعودية في آب/أغسطس الماضي، وصولا إلى قيام شركة الرحلات السعودية الاقتصادية "طيران ناس" (فلاي ناس) بداية الأسبوع الحالي، بأول رحلة تجارية بين الرياض وبغداد منذ 1990.
وفي غضون ذلك أعرب رئيس الوزراء حيدر العبادي، عن أمله من السعودية بتوطيد العلاقات مع العراق والتعاون في تحقيق الاستقرار بالمنطقة. وقال العبادي في كلمته في الاجتماع التنسيقي بين العراق السعودية بحضور وزير الخارجية الأميركي ريكس تيلرسون "نعبّر عن ارتياحنا البالغ لتطور العلاقات بين بلدينا الشقيقين الجارين، والمجلس التنسيقي الأول العراقي – السعودي هو ثمرة الجهود والنوايا الطيبة المشتركة التي تعبر عن توجهنا وسياستنا والتي لمسناها في نفس الوقت من أشقائنا في المملكة وخصوصا من الملك سلمان بن عبدالعزيز وولي العهد الشيخ محمد بن سلمان".
وأضاف العبادي "لقد تمخضت زيارتنا الاخيرة للمملكة عن هذا المجلس الذي سيكون منعطفا مهما ومنطلقا للتعاون وتعزيز العلاقات الثنائية بين بلدينا وشعبينا في المجالات كافة". وأكد "إننا نؤمن بأن التعاون والشراكة وتبادل المصالح وربطها بشبكة علاقات بمختلف المجالات، هي السبيل لتحقيق تطلعات شعوبنا في الأمن والاستقرار والتنمية وتوسيع التعاون الأمني والاقتصادي والتجاري والثقافي".
وأشار العبادي "لقد أطلقنا برنامجاً لمستقبل المنطقة يقوم على التنمية وبسط الأمن بدل الخلافات والحروب التي عانينا منها ويتكون من خمس نقاط اساسية للتنمية وإعطاء أمل للشباب. وبين أن "تركيز التعاون ضد الإرهاب هو هدف مشترك لبلدينا، ولابد أن نعمل معا ونثبت للعالم اجمع أن هذا الإرهاب لايمثل ديننا الإسلامي، وهو عدو للإنسانية جمعاء، والدول العربية والإسلامية هي الأكثر تضررا ودمارا منه، وأن "داعش" بدأ بقتل وتهجير المسلمين قبل غيرهم من أبناء الديانات والمعتقدات الأخرى".
وتابع العبادي أن "العراق اليوم غير الأمس فقد دحرنا الإرهاب وحررنا مدننا التي احتلها "داعش" بسلاح الوحدة الوطنية، ولولا الوحدة لما دحرنا الإرهاب حيث وقف العراقيون جميعا صفا واحدا وقواتنا المسلحة تدافع عن الجميع ومرحب بها في جميع المحافظات ويتعاون معها السكان إلى أبعد الحدود". ولفت "لقد حررنا مدننا ونتجه لإعمارها وتمكنا من إعادة معظم النازحين إلى ديارهم، وحفظنا وحدة العراق أرضا وشعبا، وخرج العراق موحداً، كما استطاعت السلطة الاتحادية بسط سلطتها في عموم البلاد وتم فرض القانون في أبعد نقطة".
وأكد "لقد انطلقنا من مبدأ تحقيق العدالة والمساواة بين جميع العراقيين ومشاركة الجميع بالقرار وإنهاء التوتر العرقي والطائفي وعدم السماح بعودته، وحظيت سياستنا الداخلية بتقدير القوى السياسية كافة والمرجعيات الدينية لأننا نظرنا للعراقيين على أساس عملهم واخلاصهم وليس على أساس هوياتهم، كما اتجهنا بسياستنا الخارجية نحو الانفتاح والتعاون الجاد وطي صفحة الماضي والخلافات السابقة".
وقال العبادي: نحن نحترم التنوع الديني والقومي والفكري والمذهبي في بلادنا ونعتز به، ودستورنا ضامن لحقوق الجميع وهو الوثيقة العليا التي وقع عليها شعبنا وصوّت عليها والتزمنا بالعمل بها، والدستور هو الضامن لحل جميع المشاكل بين أبناء الوطن الواحد، ويساوي بين حقوق العرب والكرد والتركمان وبقية المكونات ويضمن توزيعا عادلا للثروة الوطنية".
وأوضح أن "الخروج عن الدستور والإجماع الوطني عرّض أمن البلاد ووحدتها وسلامة شعبنا للخطر كما حصل في الاستفتاء الأخير، وقد وقف جميع العراقيين ضد محاولة التقسيم وأحبطوها، وكان لابد أن نقوم بواجبنا لحماية وحدة البلاد وثروتها الوطنية التي هي ملك لجميع العراقيين وفق الدستور وليست ملكا لحزب او شخص او جماعة".
وبين أن "المنطقة لا تحتمل المزيد من التقسيم ولا تحتمل استمرار النزاعات، ونحن نرى ضرورة إنهاء النزاعات المسلحة، ووقف سياسات التدخل في شؤون الآخرين من أجل مصلحة خاصة لهذه الدولة أو تلك والبدء بمرحلة جديدة من التعاون الشامل والتكامل الاقتصادي المشترك، ونحن نؤمن أن أمننا واستقرارنا واقتصادنا ومصالحنا يجب أن يتم صياغتها بعمل مشترك بين دول المنطقة فليس هناك دولة تنهض بمفردها وسط محيط مليء بالنزاعات المسلحة والدمار والفقر والمرض ،نريد أن يعيش الجميع باستقرار ورفاهية".
وشدد رئيس الوزراء "يجب أن ننهي هذه النزاعات والتدخلات التي خلّفت ملايين النازحين وبددت ثرواتنا الوطنية في حروب لاطائل منها، واننا مستعدون لتوحيد جهودنا مع جهود أخواننا للبدء بعهد جديد من السلام والاستقرار والتنمية واقامة شبكة مصالح تخدم شعوبنا وتعمّق علاقاتنا وتفتح ابواب المستقبل للشباب بدل أن تخطفه عصابات الإرهاب والجريمة".
وأكد "لقد قدّم العراقيون آلاف الشهداء والجرحى في معركة الدفاع عن أرضنا وتحريرها من عصابة "داعش" المجرمة ولم يتبقَ إلا القليل لاكتمال النصر النهائي وتأمين الحدود العراقية السورية وهو نصر لجميع العراقيين ولشعوب المنطقة وللعالم اجمع ووعدنا قبلها بتحرير الاراضي والحمد لله حررناها واليوم نقول إننا سنحسم المعركة قريباً، وهي معركة خضناها بدعم وتعاون دولي، ولا يمكن أن نفرط بالتضحيات، ولابد أن نفتح أبواب الأمل للعراقيين في المناطق المحررة وعموم البلاد ونزيد فرص الاستقرار والاستثمار والتنمية ونأمل بهذا التعاون بين البلدين أن يزيد من فرص التنمية".
ودعا اليوم إلى غلق كل الأبواب التي تسمح للإرهاب بالعودة وإبعاد منطقتنا عن النزاعات التي أرهقت شعوبها، ونحن جادون بالتعاون وصادقون في مدّ يدنا وسنعمل على انجاح أي خطوة من شأنها ترسيخ الأمن والاستقرار والازدهار والتنمية، ونحن متفائلون بالمجلس التنسيقي المشترك بين العراق والسعودية وبما سيحققه لشعبينا الشقيقين، وأحثّ الوزراء من الجانبين على التعاون والإسراع بتنفيذها بأقصى جهد ليرى المواطنون هذا الجهد، وأجدد شكري وتقديري للملك سلمان على حسن الضيافة التي غمرنا بها".
وتعمل السعودية ومن خلفها الولايات المتحدة على الحد من نفوذ إيران في المنطقة، خصوصا في ظل السياسة المتشددة التي يتبعها الرئيس الاميركي دونالد ترامب في مواجهة الجمهورية الاسلامية. وتتمتع إيران، الخصم الأكبر للسعودية، بنفوذ كبير في بغداد منذ سقوط نظام الرئيس السابق صدام حسين على أيدي القوات الأميركية في العام 2003. وتسعى الرياض إلى مقارعة هذا النفوذ. وقالت وكالة الأنباء الرسمية السعودية إن المجلس المشترك الجديد يؤسس لمرحلة "طموحة من العمل التجاري والاقتصادي والاستثماري غير المحدود" على أن يشكل "حجر الأساس في العمل والتخطيط المتوسط والبعيد المدى".
أرسل تعليقك