باشرت القوات الامنية في مدينة الموصل القديمة ، اخر معاقل داعش في نينوى، باطلاق رصاصات النصر ، احتفالا بعودة الموصل بالكامل الى العراق وتحرير اهلها من سيطرة التنظيم داعش ، فيما بدأت حملة استعادة مدينة الموصل من تنظيم داعش تقترب من نهاية مُرَّة وسط أنقاض الحي القديم بالمدينة، لكن الصراع حول مستقبل العراق ما زال بعيدا عن النهاية.
وقال مصدر مطلع في تصريح صحفي ، إن "فرحة الانتصارات بدأت تشتعل في المدينة القديمة للموصل، مع اللحظات الاخيرة لاعلان تحريرها بالكامل من سيطرة تنظيم داعش".
واضاف المصدر ، أن "قوات الشرطة الاتحادية في الموصل احتفلت بالنصر الكبير، وبانتظار اصدار بيان من قبل القائد العام للقوات المسلحة حيدر العبادي، ليعلن فيه رسميا تحرير الموصل بالكامل من سيطرة داعش".
ولكن سقوط الموصل يكشف أيضا الانقسامات العرقية والطائفية التي يعاني منها العراق منذ أكثر من عشر سنوات.
فالنصر ينطوي على خطر إثارة أعمال عنف جديدة بين العرب والكرد بسبب أراض متنازع عليها أو بين السنة والشيعة حول السيطرة على السلطة، وهي أمور زادت حدة مع وجود قوى خارجية رسمت مستقبل العراق منذ الغزو الذي قادته الولايات المتحدة في 2003 وأطاح بحكم الأقلية السنية بزعامة صدام حسين وجعل الأغلبية الشيعية المدعومة من إيران تصل إلى السلطة.
وبالنسبة للعراق الذي باغته هجوم تنظيم داعش على الموصل في 2014 وانهيار جيشه، فإن هذا الانتصار قد يتحول في نهاية الأمر إلى مشكلة لا تقل في جسامتها عن الهزيمة.
وانهار النموذج الاتحادي الذي صيغ تحت الاحتلال البريطاني الأمريكي وقام على أساس اتفاق لاقتسام السلطة بين السنة والشيعة والكرد، وشهد العراق مذابح عنف عرقية طائفية أججها تنظيم القاعدة الذي كان على الساحة قبل تنظيم داعش.
ولكن الآن، مع مواجهة التنظيم هزيمة عسكرية، فإن الوحدة التي كانت تجمع العراق بدأت في الانهيار.
أحد التحديات هو مستقبل الموصل نفسها، وهي مدينة عانت حكما وحشيا خلال سيطرة تنظيم داعش وأسوأها أحدث هجوم مدعوم من الولايات المتحدة مع سقوط آلاف القتلى وتشريد نحو مليون شخص.
ويقول مسؤولون غربيون وعراقيون وكرد إنهم مندهشون لتجاهل السلطات العراقية إعداد خطة للحكم والأمن في مرحلة ما بعد المعركة.
وقالوا إن إقليم كردستان وحكومة بغداد وقوى التحالف العسكري الذي تقوده الولايات المتحدة شكلت لجنة على مستوى عال لمساعدة زعماء الموصل على إعادة بناء المدينة، لكنها لم تجتمع قط.
وقال هوشيار زيباري وهو شخصية تحظى باحترام على الصعيد الدولي وشغل من قبل منصبي وزيري المالية والخارجية "رئيس الوزراء (حيدر) العبادي ظل يتباطأ. في كل مرة نثير هذه المسألة معه يقول: فلننتظر حتى تنتهي العمليات العسكرية".
وأضاف زيباري، أن "مدينة بالكامل تفنى. انظروا إلى مدى إسهام الحكومة، وكأن الأمر لا يعنيها".
وجاءت أول إشارة إلى احتمال نشوب صراع في المستقبل عندما أعلن مسعود بارزاني رئيس إقليم كوردستان عن إجراء استفتاء في 25 سبتمبر أيلول على إقامة دولة مستقلة.
ومن بين النذر الأخرى حملة فصائل شيعية مدعومة من إيران تجمعت تحت لواء الحشد الشعبي الذي تديره الحكومة للانتشار بطول المناطق الكردية والتقدم صوب الحدود السورية مدفوعة برغبة إيران في الانضمام إلى العراق وسوريا وإقامة ممر من طهران إلى بيروت.
وقال علي أكبر ولايتي كبير مستشاري الزعيم الأعلى لإيران علي خامنئي الأسبوع الماضي "اليوم يبدأ طريق المقاومة السريع من طهران ويصل إلى الموصل ودمشق وبيروت".
يأتي كل هذا على خلفية تناحر يجيش بين القوتين الإقليميتين إيران وتركيا، وفوق كل هذا تراجع النفوذ الأمريكي ومحاولات إيران الحثيثة لتعزيز سيطرتها في العراق.
وعلى الرغم من أن إدارة الرئيس الأمريكي دونالد ترامب لا تنظر إلى سوريا والعراق إلا في إطار الحملة العسكرية لتدمير تنظيم داعش، فإن المتشددين المحليين سيمتزجون ببساطة بالسكان وقد يتجمعون من جديد لبدء تمرد جديد.
ويتفق إلى حد كبير الزعماء السنة والكرد في الموصل ومحيطها مع هذا التكهن المتشائم بعد أن تملكهم القلق من رفض العبادي حتى مناقشة مستقبل حكم الموصل والشك في أن إيران تحرك الأمور.
وتمتد الأراضي المتنازع عليها بمحاذاة شريط من الأرض يقطنه خليط عرقي ويفصل اقليم كوردستان في شمال العراق عن الجزء الذي تقطنه أغلبية عربية في الجنوب.
وقال أثيل النجيفي الذي كان محافظا لنينوي عندما سيطر داعش على الموصل عاصمة المحافظة في 2014 "رجعنا محل ما كنا. يريدون إبقاء هذه المناطق المحررة رخوة ليس فيها منظومات أمنية أو سياسية".
وأضاف "حتى الآن لا توجد خطة في الموصل وبغداد لم تفتح مجالا للحوار حول مستقبل الموصل".
ومضى قائلا "هناك جناحان في الشيعة يتصارعان وكل جناح لديه رؤى. هناك جناح المتطرفين من القيادات الشيعية وهؤلاء يريدون فرض شروط المنتصر على الموصل وكل المناطق المحررة في العراق وهناك جناح المعتدلين الذين يدركون أن هذا غير ممكن ويؤدي إلى نشوء تطرف في العراق، وتقديري أن إيران تدعم الطرفين".
وأضاف النجيفي، وهو سني يتولى الآن قيادة قوة مسلحة دربتها تركيا، إنه ترك منصبه كمحافظ لكنه لم يترك السياسة. وقال "القيادات السنية تعاني من مشكلة ضعف كبير لأن كل القيادات السنية القوية مهمشة وملاحقة أو مبعدة عن الساحة".
أثار الحديث عن استقلال الكرد مناقشات بشأن ما إذا كان يجب على العرب السنة إنشاء دولة منفصلة على الرغم من أن معظم المسؤولين يقولون إن هذا أمر غير عملي لأن الأراضي السنية تفتقر إلى القاعدة النفطية التي يمتلكها الشيعة والكرد كما أن تجربة تنظيم داعش ستظل شبحا يطارد أي كيان جديد بالإضافة إلى أن السنة متغلغلون بشكل كبير في شتى مناحي العراق.
ويعتقد بعض الزعماء السنة والكرد أن أحد الحلول هو جعل الموصل منطقة تتمتع بحكم ذاتي مثل كردستان مع وحدات حكم ذاتي أصغر كي تتكيف مع العدد الكبير من الأقليات وهو أمر يقولون إن الدستور يسمح به.
وقال زيباري "من قبل، كان السنة يشعرون بحساسية كبيرة للاعتقاد بأن (نقل السلطة لوحدات أصغر) سيؤدي إلى الانفصال وإلى تقسيم العراق، ولكنهم بدأوا الآن يتقبلون ذلك".
والسنة ليسوا هم الطرف الوحيد الذي يرفض حكومة بغداد التي يهيمن عليها الشيعة. فقد قرر إقليم كردستان إجراء استفتاء للانتقال من الحكم الذاتي إلى دولة مستقلة.
وقال بارزاني إن توقيت الاستقلال بعد الاستفتاء "يتسم بالمرونة ولكنه ليس بلا حدود".
وقال زيباري، وهو مسؤول كبير في الحزب الديمقراطي الكردستاني بزعامة بارزاني والذي يبذل جهودا في بغداد منذ أكثر من عشر سنوات لإنجاح اقتسام السلطة، إن الوقت حان للاستقلال.
وأضاف "فقدنا الأمل والثقة في العراق الجديد الذي بنيناه. الحكومة خذلتنا في كل بند وكل مادة دستورية لإقامة بلد جديد بمواطنة متساوية، دون تمييز، وبشراكة. كل هذه الأحلام تبخرت".
وقال إن المشكلة هي أن كبار المسؤولين الإيرانيين لم يتركوا مجالا للشك في أن أولويتهم، المتمثلة في إقامة ممر للقوات الشيعية عبر الشمال يتولى الانضباط وفيه مجندون شيعة، تفوق أي شيء آخر.
وتابع قائلا "إنهم يقفون على رؤوسنا بطول خط الجبهة الكردية من سنجار إلى خانقين".
وأضاف "نتكيف مع الوضع حتى الآن ونتحلى بالصبر ونقوم بالتنسيق لمنع وقوع مناوشات أو أمور مفاجئة، ولكن هذا يتزايد".
أرسل تعليقك