تساءلت الناشطة الحقوقية بلقيس والي، في تقرير نشرته مجلة "فورين بوليسي" الأميركية، عن مصير عائلات مقاتلي "داعش" بعد سقوط معاقل التنظيم المتطرف في سورية والعراق، مشددة على ضرورة وضع خطة للتعامل مع زوجات وأطفال مقاتلي التنظيم وإعادة تأهيلهم. فمنذ 30 آب/أغسطس الماضي تحتجز السلطات العراقية قرابة 1400 من النساء الأجانب والأطفال الذين هربوا من المناطق التي كانت تحت سيطرة "داعش" خلال المعارك الأخيرة لتحرير الموصل، واستسلموا للقوات العسكرية في المنطقة.
وتشمل جنسيات النساء الأجانب في هذه العائلات 10 دول على الأقل من بينها دول أوروبية مثل فرنسا وألمانيا، وقد تم توزيع هذه العائلات على مواقع مختلفة في العراق، بيد أن السلطات العراقية لم توضح بعد أسباب احتجازهم أو حتى مصيرهم، ويبدو أن لا أحد لديه خطة للتعامل مع هذا الأمر. ولفتت والي إلى مقابلات أجرتها مع بعض هؤلاء النساء في أوائل الشهر الماضي داخل أحد المخيمات الذي يضم عشرات الالاف من النازحين بسبب معارك الموصل، حيث قالت بعضهن "إنهن كن سعداء بتربية أطفالهن في ما أطلقت عليه إحداهن "جنة الإسلام"، كما أنهن يتعرضن إلى معاملة سيئة من قبل القوات العراقية منذ الاستسلام". وخلال المقابلات، عبرت النساء عن شعورهن بالخوف والقلق على ما سيحدث لهن الآن وأطفالهن، لاسيما أن بلدانهن الأصلية لا ترحب بعودتهن.
ويؤكد التقرير أن قضية مصير النساء والأطفال الأجانب، "ضحايا داعش الآخرين" كما وصفهم التقرير، ستظل قائمة، ويرجح أن تتزايد أعداد العائلات المرتبطة بمقاتلي "داعش" المحتجزة في العراق خلال الأشهر المقبلة، وبخاصة مع استعادة القوات العراقية للأراضي التي استولى عليها التنظيم، وربما يواجه المحتجزون الآن مخاطر التعرض لمحاكمات غير عادلة والتعذيب وعقوبة الإعدام، وفي الوقت نفسه يواجه الأطفال قيد الاحتجاز خطر تعرضهم لمعاملة المجرمين بدلاً من إعادة تأهيلهم.
وبحسب التقرير، تواجه السلطات العراقية إشكالية سياسية في التعامل مع عائلات داعش بصورة "جيدة"، وخصوصاً لأن الكثير من المواطنين العراقيين يشعرون بالاستياء من الأسر الأجنبية التي جاءت إلى العراق للانضمام إلى تنظيم "داعش" والاستقرار في ظل نظام يسيء معاملة المجتمعات العراقية.
ويرى التقرير أن المجتمع الدولي يمكن أن يقطع شوطاً طويلاً نحو حل هذه الإشكالية من خلال اتخاذ موقف موحد بشأن مصير تلك العائلات، ولكن المحادثات الخاصة التي جرت في سياق إعداد التقرير مع أربعة دبلوماسيين أوروبيين كشفت عن تردد بلدانهم في تحمل مسؤولية مواطنيهم الذين اختاروا الذهاب إلى المناطق الواقعة تحت سيطرة داعش.
وتذرع هولاء الدبلوماسيون بحجج تقنية، مذكرين بالتحذيرات التي أطلقتها حكوماتهم من السفر إلى العراق وسوريا، وأن لا التزامات قنصلية تجاه الأشخاص الذين اختاروا السفر إلى هناك. ويرى التقرير في هذا النهج تناقضاً صارخاً مع الجهود التي تبذلها عادة البلدان لحماية وإنقاذ رعاياها في البلاد المدرجة في قوائم حظر السفر. ويضيف الدبلوماسيون الأوروبيون أن الإجراء القنصلي يقتضي من المواطنين طلب المساعدة من خلال طرف ثالث مثل قوة احتجاز أو منظمة مثل لجنة الصليب الأحمر الدولية، ويمكن فقط للأفراد أنفسهم تقديم مثل هذا الطلب.
ويقول تقرير "فورين بوليسي": "لا يبدو أن السفارات أصدرت تعليماتها إلى السلطات العراقية أو أي شخص آخر لإبلاغ النساء والأطفال من بلدانهم بحقوقهم في التماس الوصول القنصلي، تُرى هل يأملون فعلاً ألا يطلب هؤلاء النساء والأطفال المساعدة لتفادي مواجهة المشكلة؟ على الدول الأصلية لهؤلاء النساء أن تتحمل مسؤولياتها في إيجاد الحلول، حتى لو تضمنت إعادة التوطين في بلد ثالث، ولا يجب الاختباء وراء الإجراءات".
ويحذر التقرير من مخاطر تقاعس البلدان الأصلية عن عودة هؤلاء النساء الأجانب والأطفال إلى ديارهم، لاسيما أن السلطات العراقية لن تحتجزهم إلى أجل غير مسمى، وعلى الرغم من أن العضوية في تنظيم داعش تعد جريمة بموجب قانون الإرهاب في العراق، فإنه من المحتمل أن تكون النساء أجبرن على المجيء إلى العراق بصحبة أزواجهن الذين التحقوا بتنظيم داعش ، وربما جاء البعض منهن بإرادتهن ولكنهن لم يفعلن شيئاً لدعم داعش. ولكن لا يزال بعض هؤلاء النساء مسؤولات عن ارتكاب جرائم خطيرة مثل تعذيب نساء أخريات أو احتجاز أسرى من طوائف الأقليات العراقية في منازلهن (مثل الأيزيديين).
ويؤكد التقرير أن الأطفال الذين باتوا أعضاء في "داعش" هم ضحايا تجنيد الأطفال ويحتاجون إلى إعادة التأهيل لا إلى الملاحقة القضائية، ويحظر القانون الدولي والقوانين العراقية معاقبة أي شخص على جرائم مزعومة لزوجه أو والديه، ولكن في نهاية المطاف لا تزال مخاطر مواجهة المحاكمات قائمة.
ويحض التقرير جميع الدول على التعاون لمساعدة الأطفال الذين يفتقرون إلى وثائق الهوية من خلال العمل مع السلطات العراقية لتحديد نسب هؤلاء الأطفال (بما في ذلك إجراء اختبارات الحمض النووي) ومنح الجنسية وإعادتهم إلى بلدان آبائهم. أما الأطفال المولودون في العراق والذين سيصبحون بلا جنسية، فإن السلطات العراقية ستمنحهم الجنسية بموجب القوانين العراقية والدولية.
ويتساءل التقرير عن مصير أطفال النساء اللواتي دينوا وحكم عليهن بالسجن أو بالإعدام. وينقل مناقشات دبلوماسيين غربيين حول الخيار المحتمل لفصل هؤلاء الأطفال عن أمهاتهم وإرسالهم للعيش مع أقاربهم في ديارهم الأصلية. ويقضي القانون الدولي أن تقوم السلطات بدراسة حالة كل طفل على حده، وأن تحدد (بمشاركة الطفل) الترتيبات التي تحقق مصلحته الفضلى.
وإلى ذلك، يرى التقرير أن السياسة الشاملة لحرمان الأطفال الصغار من أمهاتهم (المنبوذات سياسياً) وترحيل الأطفال الأكبر سناً لا يجب أن تكون الخطة الافتراضية المشروعة لمعالجة هذه الأزمة. وفي جميع الأحوال ينبغي على العراق أن يكفل عدم ترحيل النساء والأطفال أو إعادتهم إلى أوطانهم إذا كانوا معرضين لمخاطر الاضطهاد أو التعذيب أو المحاكمات غير العادلة في بلدانهم الأصلية بسبب انتمائهم إلى داعش.
ويختتم تقرير "فورين بوليسي" بالتأكيد على أن الأطفال يستحقون فرصة في المستقبل وليس محاسبتهم أو احتجازهم بسبب جرائم آبائهم، كما تستحق أمهاتهم افتراض براءتهن، ومحاكمتهن على الفور في حال توافر دليل على ارتكاب جرائم خطيرة، كما يستحق العراق الحصول على الدعم الدولي لحل هذه الإشكالية التي يتجاهلها الجميع حتى الآن.
أرسل تعليقك