بغداد – نجلاء الطائي
أحبطت قوة مشتركة، اليوم الثلاثاء، مخططاً متطرفًا حاول استهداف قضاء بلد في محافظة صلاح الدين، بواسطة أربعة انتحاريين، في وقت أكدت مصادر سياسية مطلعة في بغداد أن إيران تهدف من وراء تحركها في بغداد للحد من تداعيات انشقاق عمار الحكيم عن المجلس الأعلى في العراق. وقال بيان لقوات الحشد الشعبي،
إنه "وفقاً للمعلومات الاستخبارية أفشلت قوة مشتركة من الحشد الشعبي والقوات الأمنية ليلة أمس الاثنين مخططا كبيرا لـ"داعش" حاول استهداف أحد المقاهي في مدينة بلد بواسطة أربعة انتحارين"، لافتا إلى أن "الانتحاريين الأربعة تسللوا داخل البساتين جنوب المدينة في محاولة منهم لاستهداف المدنيين".
وأضاف أنه "بعد ساعات من الاشتباك مع المتطرفين تم قتلهم جميعا دون وقوع أي خسائر في صفوف القوات". وتشهد محافظة صلاح الدين، ومركزها تكريت، بين مدة وأخرى أعمال عنف تستهدف المدنيين والقوات الأمنية على حد سواء، فيما تنفذ الأجهزة الأمنية حملات دهم وتفتيش في أنحاء المحافظة، تسفر عن اعتقال عشرات المطلوبين بتهم جنائية وإرهابية، فيما لايزال تنظيم "داعش" يسيطر على الساحل الأيمن من قضاء الشرقاط، غرب بيجي.
فيما أفاد مصدر أمني، اليوم الثلاثاء، بمقتل 15 عنصرًا من تنظيم "داعش" بضربات جوية بين محافظتي صلاح الدين وديالى. وذكر المصدر أن "طيران الجيش وجه ضربات جوية على أوكار تابعة لتنظيم "داعش" في قرى الميتة، والبو جمعة، في قاطع مطيبيجة بين المحافظتين المذكورتين".
وأضاف، أن القصف أسفر عن "تدمير 4 مضافات وحرق 5 عجلات وقتل أكثر من 15 مسلح من التنظيم". وكان طيران الجيش قد وجه ضربات مماثلة استهدفت رتلا ومضافة للتنظيم في قاطع مطيبيجة، لتصبح العملية هي الثالثة من نوعها خلال اليومين الماضيين.
بالمقابل أفادت مصادر أمنية عراقية أن ثمانية عناصر من تنظيم "داعش" قتلوا، أمس الإثنين، بينما لقى أحد عناصر الحشد العشائري حتفه، جراء اشتباكات بين الطرفين في أحد المناطق جنوب شرقي مدينة الموصل. وحسب المصادر "ثمانية من عناصر الدولة قتلوا إضافة إلى عنصر من الحشد، وإصابة آخر بجروح جراء اشتباكات اندلعت بين عناصر "داعش" والحشد العشائري في قرية العدلة ضمن ناحية النمرود جنوب شرقي الموصل".
وأعلنت القوات العراقية تحرير كامل أرض محافظة نينوى من سيطرة تنظيم "داعش" في 31 آب/أغسطس الماضي بعد معارك انطلقت في تشرين الاول/أكتوبر 2016.
في السياق، ذكرت مديرية إعلام الحشد في بيان لها، أن "قوة من اللواء السابع في الحشد الشعبي صدت هجوماً لـ"داعش" على قضاء الحضر غرب الموصل، وكبدتهم خسائر في الأرواح والمعدات". وأضافت أن "مقاتلي اللواء خاضوا معارك شرسة ضد عناصر "داعش" حيث قتل عدد من الانتحاريين عرب الجنسية".
وكان اللواء 29 في الحشد الشعبي أعلن الأحد، إحباط هجوم لتنظيم "داعش" على مفرق الزوية شمال صلاح الدين.
كذلك، أعلن مسؤول حكومي عراقي، نزوح المئات منذ يوم أمس من عدد من الأقضية غربي الأنبار إلى مخيمات النزوح في مدينة الرمادي 110/ كلم غرب بغداد. وقال حميد الهاشم عضو مجلس محافظة الأنبار أن " 500 شخص، معظمهم من النساء والأطفال، هربوا من راوة وعانه والقائم، التي يسيطر عليها مسلحو تنظيم الدولة، منذ يوم أمس"، موضحا أنه تم نقل النازحين إلى مخيم الكيلو 18 في الرمادي.
وفي الشأن السياسي أكدت مصادر سياسية مطلعة في بغداد أن إيران تهدف من وراء تحركها في بغداد للحد من تداعيات انشقاق عمار الحكيم عن المجلس الأعلى في العراق.
وسعى رئيس مصلحة النظام الإيراني محمود هاشمي الشاهرودي خلال لقاء جمعه بالحكيم في بغداد الأحد، إلى رفع شعار وحدة الصف الشيعي العراقي، بعد تصدع العلاقات داخله في الفترة الأخيرة.
ومن الواضح أن الحكيم، الذي قاد المجلس، أحد أكبر التشكيلات السياسية الشيعية المشكلة للتحالف الوطني الحاكم في العراق، تسبب في إرباك قيادة النظام الإيراني التي تحاول بكل الطرق للمحافظة على نفوذها السياسي داخل بغداد. ويقول مراقبون إن طهران تريد قطع الطريق على الحكيم للاستئثار بإرث المجلس الأعلى على المستوى الشعبي الذي لا يملك غيره شعارا في الانتخابات العراقية المقررة العام القادم.
وكان الحكيم قد انشق عن المجلس تاركا زعامته في فراغ مفاجئ، ليتجه نحو تشكيل "تيار الحكمة الوطني"الذي طغت عليه الوجوه الشابة. وسبق لقيادات دينية في المجلس أن تقدمت بشكوى إلى طهران ضد الحكيم بسبب "اختلافات وتباينات في وجهات النظر معه". ومن أبرز الخلافات أن هذه القيادات التي تؤمن بولاية الفقيه والارتباط العقائدي بإيران، تطالب الحكيم بدور أكبر في صناعة القرار داخل المجلس وترفض صعود قيادات شابة لم تكن موجودة في إيران قبل عام 2003.
واعتبر الكثير من المحللين أن مغادرة الحكيم لموقع الزعيم في المجلس الأعلى وإعلان تشكيل سياسي جديد هما بمثابة الخروج من عباءة النفوذ الإيراني في العراق. وأراد الحكيم بانشقاقه عن المجلس اللعب على أوتار النقمة المتعاظمة بين صفوف العراقيين وخاصة الجيل الشاب، على الطبقة السياسية التي حكمت العراق بعد الغزو الأميركي وانتهت تجربتها بتدهور حاد في مختلف المستويات السياسية والاقتصادية والاجتماعية والأمنية.
وفور إعلان المجلس الأعلى عن انتخاب هيئة قيادية لخلافة الحكيم أرسلت طهران سفيرها في بغداد إيرج مسجدي، إلى مقر المجلس لإعلان دعمها له.
طهران تريد قطع الطريق على الحكيم للاستئثار بإرث المجلس الذي لا يملك غيره شعارا في الانتخابات العراقية المرتقبة وقال مسجدي خلال زيارته الأسبوع الماضي، أن "المجلس الأعلى الإسلامي محط الرجال الكبار وعظماء المجاهدين وهو عصارة الفقاهة والفضيلة"، مؤكدا أن بلاده ستواصل تعاونها مع المجلس. وفسّر مراقبون ما أشار إليه السفير الإيراني حول فقاهة الحكيم، الذي لم يكن موضع رضى من قبل الزعامات الدينية في المجلس على غرار همام حمودي وجلال الدين الصغير، لحداثة تجربته في علوم الدين.
وتريد القيادات المعممة في المجلس أن يكون زعيمها فقيها مفتيا، وهو أصل الخلاف، وفق المراقبين مع الحكيم، الذي حل محله همام حمودي. ويعتقد مسجدي أن انتخاب حمودي "قرار صائب أفرح قلوب المجاهدين، لما عُرف عنه من تأثير وحكمة وإخلاص وتفان في العمل ولكونه كان رفيق درب شهيد المحراب السيد محمد باقر الحكيم، مؤسس المجلس الأعلى في إيران خلال ثمانينات القرن الماضي".
وتدرك إيران أن الحكيم، ربما أصبح خارج مساحة نفوذها السياسي في العراق، لكنها لا يمكن أن تسمح له بإفراغ المجلس الأعلى من مضمونه لصالح تعزيز نفوذ تيار الحكمة الجديد في الانتخابات القادمة". ولذلك، اندفعت طهران نحو استعراض علاقتها الوثيقة بالمجلس وبعد أيام من الزيارة التي قام بها مسجدي، استقبل زعيم المجلس الأعلى الجديد في العراق الشاهرودي، الذي يعد أحد أبرز المرجعيات الدينية في إيران. ويتوقع خبراء في الشؤون الإيرانية أن يكون الشاهرودي، أحد المرشحين المهمين لخلافة علي خأمنئي، المرشد الديني الأعلى في إيران، الذي يعاني مرضا مزمنا.
وأعرب الشاهرودي في اتصال هاتفي مع حمودي عن "سعادته بتولي شخصية مجاهدة تتحلى بالحكمة والإخلاص رئاسة المجلس الأعلى، متمنيا له التوفيق في مسؤولياته بخدمة الشعب العراقي". وأغلقت السلطات الإيرانية جميع المكاتب التابعة للحكيم على الأراضي الإيرانية وأبقت على المكاتب التي أعلن قادتها ولاءهم للمجلس الأعلى. وفي تطور واضح، يسلط الضوء على العلاقات المتوترة مع طهران، أعلن الحكيم، السبت الماضي، أنه سيتخلى عن رئاسة التحالف الوطني، وهو الكتلة الشيعية التي تكفلت بترشيح رئيس الوزراء في الدورات السابقة.
ويقول مراقبون عراقيون إن تخلي الحكيم عن رئاسة التحالف يعني خروج آخر الأطراف المعتدلة من الكتلة الشيعية بعد مغادرتها من قبل أتباع مقتدى الصدر لتصبح حكرا على الأطراف المتشددة الموالية لإيران. وأكدوا أن خارطة الحراك السياسي الشيعي تتجه نحو الفصل بين معسكرين، الأول موال لإيران ويجمع ائتلاف دولة القانون بزعامة نوري المالكي والمجلس الأعلى بزعامة همام حمودي وعدد من فصائل الحشد الشعبي، والثاني يجمع تيار العبادي وتيار الحكيم والتيار الصدري لكن هذه الخارطة، بحسب المراقبين، لا تعني تشكيل فريقين انتخابيين متقابلين بل محاور سياسية متنافسة على النفوذ والمصالح.
أرسل تعليقك