خاضت قوات الجيش العراقي، أمس، معركة شرسة ضد مسلحي "داعش" الذين نجحوا في التسلل إلى قرية الإمام غربي التابعة لناحية القيارة جنوب الموصل، الأربعاء، وتمكنوا بمساعدة خلايا التنظيم النائمة في القرية وأطرافها من السيطرة عليها واحتجاز عدد من عائلاتها رهائن، فيما أعلن الجنرال الكندي في التحالف الدولي ديفيد أندرسون، أن التنظيم على وشك الاندحار من معقله السابق في الموصل، مؤكدا أن هزيمة المسلحين بالكامل في المدينة ستتم بحلول الأسبوع المقبل.
وقال عضو مجلس محافظة نينوى عبد الرحمن الوكاع، إن "وحدات الفرقة المدرعة التاسعة من الجيش تواصل عملية استعادة السيطرة على القرية، والقضاء على من تبقى من مسلحي التنظيم، الذين ما زالوا يحتجزون عددًا كبيرًا من العائلات في القسم الشرقي من القرية، بينما تمكنت قوات الأمن من إخلاء القرية من السكان لتفادي إصابتهم خلال المعارك".
وتمكنت قوة من مسلحي التنظيم من التسلل عبر النهر من شرق قضاء الشرقاط الذي ما زال خاضعًا لسيطرة "داعش"، إلى القرى الواقعة جنوب ناحية القيارة. واستغلت وجود قوة عسكرية صغيرة من الجيش والحشد العشائري وسيطرت على عدد من بيوت قرية الإمام غربي ومدرستها، واحتجزت العشرات من سكان القرية رهائن بمساعدة خلايا التنظيم النائمة والمسلحين الذين هربوا من الموصل واختبأوا في هذه القرى. وقال الوكاع إن "المعلومات الواردة إلينا أن قوام قوة (داعش) التي تسللت إلى القرية نحو 20 مسلحًا، غالبيتهم من جنسيات أجنبية ومن العرب غير العراقيين، وكان في انتظارهم عدد من مسلحي التنظيم المختبئين داخل القرية ومن خلاياه النائمة، فتضاعف عددهم وتمكنوا من احتجاز عدد من العائلات في منازل القرية".
ولفت إلى أن "القوات الأمنية الموجودة داخل القرية تريثت في محاربتهم قليلًا لإيجاد خطة لانتزاع هؤلاء المدنيين من بين أيديهم"، كاشفًا عن أن "التنظيم ما زال يحتجز نحو 20 عائلة أخرى في القرية".
لكنه لم يكشف عن أعداد المدنيين الذين قتلوا خلال اليومين الماضيين في القرية. وحررت القوات العراقية في نهاية أغسطس /آب الماضي ناحية القيارة، ومن ثم أطلقت عملية عسكرية لتحرير القرى والبلدات التابعة لها التي تشكل الجهة الجنوبية لمدينة الموصل.
وتزامنًا مع معركة تحرير قرية الإمام غربي، واصلت القوات العراقية تقدمها من ثلاثة محاور في الموصل القديمة لاستعادة ما تبقى من مساحة المدينة من أيدي التنظيم، بينما كشفت منظمات مدنية عاملة في إنقاذ المدنيين الهاربين من المعارك عن أن أعداد النازحين ارتفعت إلى أكثر من 900 ألف، غالبيتهم من النساء والأطفال. وكشف الوكاع عن أن "الأوضاع الإنسانية للمدنيين النازحين صعبة جدًا بسبب ارتفاع درجات الحرارة وافتقار المخيمات إلى أبسط مقومات الحياة، إذ لا توجد وسائل التبريد البسيطة، وغالبيتها لم تصل إليها الطاقة الكهربائية حتى الآن، إضافة إلى النقص في الغذاء ومياه الشرب".
ودعا الحكومة الاتحادية في بغداد وإدارة المحافظة والمنظمات الدولية إلى "العمل بجدية أكثر من أجل مساعدة هؤلاء المواطنين في هذه الأجواء الصعبة"، مبينا أنه لا يزال هناك نحو 20 ألف محاصر في أزقة المدينة القديمة التي يسيطر عليها التنظيم أو القريبة من مناطق الاشتباك. إلى ذلك، دخلت الشرطة الاتحادية، أمس، منطقة النجفي، حيث اقتحمت قطعات منها المنطقة، بينما فرضت قوات من فرقتها الخامسة حصارًا على جامع القطانين. وفي الوقت ذاته، تقدمت قوات الرد السريع من جنوب هذه المنطقة استعدادًا لاقتحامها. وتمكنت وحدات من قوات مغاوير النخبة من التوغل باتجاه ساحة صقور الحضر للسيطرة على شارع النجفي.
ونقل بيان لقيادة الشرطة الاتحادية عن قائدها الفريق رائد شاكر جودت قوله، إن "الفرقة الثالثة من قواتنا توغلت مسافة مائة متر مربع في منطقة النجفي وهي تقترب من جامع الشيخ أبو العلا، فيما توغلت وحدات من المغاوير والرد السريع 70 مترًا في عمق المنطقة باتجاه شارع خالد بن الوليد".
وذكر بيان لإعلام الحشد الشعبي، إن "بناءً على معلومات استخبارية دقيقة استهدفت مدفعية اللواء 99 في الحشد الشعبي تجمعا لعناصر "داعش" في مفرق الزوية في جبال مكحول شمال صلاح الدين"، لافتا الى ان "القصف اسفر عن مقتل عدد من عناصر "داعش" وتدمير عجلة مسلحة لهم ". ولفت البيان إلى، إن "قوات الحشد الشعبي حررت مساحات كبيرة من جبال مكحول بعمليات عسكرية واسعة النطاق، فيما تحاول عناصر "داعش" العودة الى هذه المناطق نظرا لأهمية المنطقة الاستراتيجية شمال محافظة صلاح الدين".
وفي الشأن السياسي كشف وزير عراقي بأن "العبادي لوّح بإقالة هادي العامري من الحشد الشعبي، ورفع دعوى قضائية ضده بتهمة النيل من الدولة وتشويه صورة الحكومة، إثر تصريحات للأخير قال فيها إن العبادي يلعب مع الحشد لعبة القط والفأر، ويضع فيتو على مشاركة الحشد الشعبي في معارك، ويسمح له بمعارك أخرى، ملمّحًا إلى أن العبادي يمشي وفق أجندة أميركية".
وأشار الوزير إلى أن "مسألة إجراء تغييرات في هرم قيادة المليشيا وارد جدًا، خصوصًا أن العبادي يمتلك الحق بذلك، بعد إقرار البرلمان قانون الحشد الشعبي الذي حوله لهيئة بذاتها ترتبط برئيس الوزراء كقائد أعلى له". مسؤولون سياسيون في بغداد أفادوا أن "ملفات الخلاف كثيرة ومتعددة، لكن أبرزها معارضة رئيس الوزراء حتى يوم الأربعاء الماضي مشاركة الحشد الشعبي في معركة تلعفر المرتقبة، بعد أيام بسبب تركيبتها الطائفية والقومية (التركمانية).
وكذلك رفض العبادي طلب تخصيص نسبة من مخصصات تسليح الجيش العراقي لصالح مليشيات الحشد، ورفضه زيادة أعداد المليشيات لأكثر من 76 ألف عنصر رسمي مسجل ضمن فصائل الحشد الشعبي، إضافة إلى ملف انتقال المليشيا إلى سورية للقتال هناك بجانب نظام بشار الأسد، وسحب المليشيات من المدن التي يسيطر عليها الجيش والشرطة وعلى رأسها بغداد، عوضًا عن منع فتح مكاتب لها داخل المناطق والأحياء السكنية"
وبحسب قيادي بارز في التحالف الوطني الحاكم، فإن "إيران لم تتدخل حتى الآن بالخلاف الحاصل كوسيط، بل اكتفت بدعم مواقف زعيمي الحشد الشعبي في الأزمة". وبيّن أن "هناك جهودا كبيرة تبذلها وساطات عراقية لوقف الشحن بين الجانبين، تحديدًا الإعلامي، مع بدء تصاعد نبرة قيادات الحشد ضد الحكومة. كما تم تفعيل ما يعرف بالجيوش الإلكترونية بين كلا الطرفين على مواقع التواصل الاجتماعي".
وذكر بأن "الحشد الشعبي أصبح على قناعة بأن رئيس الوزراء يملك وجهين في التعامل معه، أحدهما أميركي، لا يريد للحشد الاستمرار في البقاء، بل تفكيكه بعد القضاء على "داعش" نهائيًا، وهو ما ترفضه طهران قبل أن ترفضه قيادات الحشد الشعبي". وبدت تصريحات رئيس الوزراء واضحة في الرد على تصعيد "الحشد"، مشدّدًا في معرض حديثه الأسبوعي عن تلعفر وملف تحريرها، على أنه "وجّه الحشد الشعبي قبل أربعة أشهر، بتحرير المناطق المحيطة بتلعفر، وانتظار الأوامر لكن قادة الحشد اختاروا الذهاب في طريق آخر نحو الحدود مع سورية، ومحاولته بسط نفوذه على مساحات واسعة هناك".
وتابع "أنا أعرف لماذا لم تتحرك قيادات الحشد على هذا المحور، وعندما أبلغتهم بأنني أعرف التزموا الصمت، وذهبوا باتجاه آخر"، في إشارة من رئيس الوزراء إلى معرفته بخطة الحشد الأساسية، وهي الوصول إلى حدود العراق مع سورية لتأمين طريق بري، يصل إيران بالبحر المتوسط عبر الأراضي العراقية. وهو ما دفع نائب زعيم "الحشد" هادي العامري إلى الردّ بعد ساعات على تصريحات رئيس الوزراء، بالقول إن "رئيس الوزراء يكيل بمكيالين في التعامل مع الحشد الشعبي وأوامره تستنزف قواتنا في مناطق القتال".
وحول ذلك أفاد العضو البارز في مليشيا "الحشد" حسين المياحي، بأن "الحشد وصل إلى قناعة بأنه لا يمكن الوثوق برئيس الوزراء بشكل مطلق وتحركاته مع الحشد غير مريحة، ونخشى أنه اتفق مع الأميركيين على خطة ما تؤدي إلى ضياع حقوقنا والدماء التي قدمناها". وأضاف أنه "بالنسبة لنا فالحشد خط أحمر، ولن نسمح بتفكيكه أو ركنه، وسيبقى مؤسسة عسكرية قائمة بحد ذاتها مثل تجارب كثيرة في دول العالم. وأستغرب وضعنا مع الحرس الثوري والقول إنه نسخة منه وترك تجربة جيوش الاحتياط في دول غربية مختلفة". وبيّن أن "العبادي في حال فكر التحايل على الحشد فستكون نهاية مستقبله السياسي بالتأكيد".
إلا أن مستشارًا رفيعًا في الحكومة العراقية قال إن "الخلاف ليس مع الحشد الشعبي، بل مع بضعة قادة فيه يغلبون مصالح أخرى على مصالح العراق". ولفت إلى أن "قادة الحشد يرفضون كثيرا من الأوامر، ويحاولون الاستقلال بقرارهم داخل العراق، ورئيس الحكومة أبلغهم بوقف الاعتقالات والتصرف كدولة داخل دولة، وهناك معتقلون لديهم يجب أن يتم تسليمهم إلى الحكومة، لكنهم يرفضون، كما أن مسألة تكرار التجاوز على أفراد وقيادات الجيش العراقي والشرطة من قبل الحشد باتت مسألة غير مقبولة بالمرة".
وحول ما إذا كانت الأزمة ستزداد حدة، قال "لن يكون هناك خوف، وأكثر شيء يمكن اتخاذه، هو إقالة الذين يسببون المشاكل من هيئة الحشد الشعبي، مثل العامري والمهندس، وهو أمر دستوري بموجب القانون الذي أقرّ أخيرًا بالبرلمان". ونقلت مواقع عراقية محلية عن مصادر في مجلس الوزراء قولها إن "الأزمة الحالية بين العبادي والحشد الشعبي، تعتبر من ضمن أجواء التنافس الانتخابي المبكر داخل الخارطة السياسية الشيعية، خصوصا أن نحو 50 في المائة من أفراد المليشيا باتوا بلا قتال، بعد تحرير أغلب مدن العراق، لذا من المحتمل أن تزيد مشاكلهم أكثر".
أرسل تعليقك