انطلت منذ فترة عملية التسجيل للمشاركة في الاقتراع في الانتخابات البلدية لكن النتائج كانت دون المؤمول، و هناك مخاوف من عزوف التونسيين عن المشاركة في هذا الاستحقاق الدستوري، وقد بدا الأمر صادمًا بالنظر إلى عدم رغبة التونسيين في ممارسة حقهم الدستوري، وفي البداية كانت هناك مخاوف من العزوف عن المشاركة في الانتخابات البلدية لكن اليوم تم المرور من حالة الخوف من العزوف إلى المقاطعة، إذ أن هناك بوادر جدية لمقاطعة العملية الانتخابية..
ووفق الأرقام والمعطيات التي أعلنتها الهيئة المستقلة للانتخابات فإن نسق التسجيل بطيء جدًا حيث إن الرقم لم يتجاوز إلى الآن 200ألف شخص على أقصى تقدير هذا مع احتساب عمليات التحيين بما فيهم لمن غيروا عناوينهم الشخصية لكن الهيئة مازالت تراهن على حركية قد تحصل في ال10أيام الأخيرة من الفترة المحددة والتي تنتهي في 10 أغسطس/آب المقبل، لكن هذا الأمر لا يتجاوز التخمينات لأن المشكل لا يتعلق بضيق الوقت بل بعوامل موضوعية تشمل المقترع في حد ذاته وأيضًا أطراف أخرى أوصلتنا بممارساتها إلى هذه الوضعية.
ولا يمكن أن نفصل الحالة التي تحصل اليوم أي الاتجاه نحو مقاطعة الانتخابات البلدية عن العامل النفسي فالمواطن التونسي اليوم يمر بحالة نفسية يمكن وصفها بكونها مزيج بين اليأس والإحباط وهذا الأمر له أسباب عديدة منها ما هو اجتماعي أي تدهور مقدرته الشرائية وإحساسه كون الديمقراطية لم تأتي له بالرفاهة الموعودة بل ما حصل العكس تمامًا حيث تدهورت أوضاعه وظروفه المعيشية بين غلاء الأسعار وانتشار الفساد.
والأمر الثاني لا يمكن فصله عن الأول فالمواطن بات محبطًا من الأداء السياسي للأحزاب والسياسيين حيث صارت له قناعة كونهم يخدمون مصالحهم الخاصة لا الشعب والمواطن، وبالتالي فالعزوف والمقاطعة، نوع من العقاب الجماعي لهم، والأمر الأخر أن فكرة انتخابات بلدية في حد ذاتها مهمشة لدى التونسي منذ عقود بسبب السياسة التي كانت متبعة في فترة بورقيبة وبن علي اي أنه ينظر إليها وكأنها انتخابات من درجة ثانية وليست لها أهمية الانتخابات الرئاسية والتشريعية وهنا نرصد سببًا آخر وهو عدم قيام المجتمع المدني من منظمات وأحزاب بدورهم في التوعية بأهمية هذه الانتخابات
واستضافت هيئة الحقيقة والكرامة، في جلستها العلنية الحادية عشرة المنعقدة مساء الجمعة، 11 شخصًا قدموا شهاداتهم بشأن عمليات تزوير للانتخابات في مراحل مختلفة من تاريخ تونس بعد الاستقلال، توزعوا بين من ساهم في هذه الممارسات من موقع مسؤوليته في الدولة أو في "الحزب الحاكم" ، ومن كان ضحية لهذا التزوير.
وسلطت الشهادات الخمس الأولى الضوء على الانتخابات التشريعية لعام 1981 ، وما شابها من تجاوزات خلال مختلف مراحل هذا الاستحقاق الانتخابي، والتي بلغت حدود تغيير نتائج الاقتراع لفائدة الحزب الحر الدستوري، الحزب الحاكم آنذاك, وتحدث إدريس قيقة، وزير الداخلية في تلك الفترة في شهادته، عن طريقة تعامل رئيس الجمهورية آنذاك الحبيب بورقيبة ووزرائه مع معارضيه أثناء الحملات الانتخابية، ودور الولاة في مراقبة الحملة الانتخابية، ونشاط المعارضة لضمان عدم انخراط المواطنين فيه.
واستمعت الهيئة وضيوفها خلال هذه الجلسة، لشهادة سالم المغروم، المعتمد الأول لولاية جندوبة عام 1981 ، والتي تحدث فيها بالخصوص عن التعليمات التي تلقاها بألا يتجاوز نجاح قائمة حركة الديمقراطيين الاشتراكيين نسبة محددة، بعيدة كل البعد عن الحقيقة، مشيرًا إلى أنه احتفظ بالمحاضر الأصلية وقدمها بعد الثورة للأرشيف الوطني.
وقالت سهام بن سدرين في هذا السياق، إن الهيئة تحصلت على هذه المحاضر التي كشفت فوز الحزب الحر الدستوري بنسبة 51 بالمائة، في حين أن حركة الديمقراطيين الاشتراكيين فازت بنسبة تجاوزت 48 بالمائة، والحال أن السلط أعلنت آنذاك عن فوز الحزب الحاكم في هذه الجهة بنسبة فاقت 95 بالمائة.
وذكر مهذب الرويسي والي تونس في فترة حكم بورقيبة، فقد ذكر في شهادته، أن الحزب الحاكم كان يضع تحت تصرفه كل إمكانات الدولة، وكان رئيس الدولة يرفض أن ينافسه أو ينافس حزبه أية شخصية أخرى أو حزب آخر على السلطة، مشيرًا إلى دور وسيلة بورقيبة زوجة الرئيس في إدارة كل شؤون البلاد، وفي تنظيم الانتخابات، وفي تقديم قائمات منافسة لقائمات الحزب الحاكم.
وتطرق كل من محمد بالنور "الذي كان مرشحًا ضمن قائمة حركة الديمقراطيين الاشتراكيين في الانتخابات التشريعية عام 1981"، ومحمد الباهي الأدغم، إلى العنف السياسي الذي مورس ضدهما وضد زملائهم خلال الحملة الانتخابية.
وأفاد بنور في هذا الصدد، بأن العراقيل تواصلت خلال كافة مراحل الاستحقاق الانتخابي، بدءًا بمنعهم من التسجيل كناخبين، وممارسة الترهيب والاعتداء البدني على المترشحين، مرورًا بعرقلة الحملة الانتخابية وهرسلة الملاحظين عن قائمة ح د ش، وصولًا إلى حد الاعتداء عليه بالعنف الشديد وتهديده بالقتل من قبل ما أسماهم ب "ميليشيات" الحزب الحاكم.
وتحدث محمد الباهي الأدغم، الذي كان ينشط في شبابه في ح د ش، عن تعمد "ميليشيات" الحزب الحاكم الاعتداء على اجتماعات الحركة وعلى الحاضرين فيها، وقطع الكهرباء والرشق بالحجارة وتهشيم السيارات، دون تدخل قوات الأمن، إضافة إلى تمزيق المعلقات والملصقات الانتخابية للحركة، ومنعهم من حقهم في الظهور إعلاميًا، وهو ما دفع برئيس الحركة أحمد المستيري للإعلان عن إيقاف الحملة الانتخابية.
من جهته، استعرض محمد البشير خذري، الناشط صلب حركة الاتجاه الإسلامي، ومدير الحملة الانتخابية للقائمة المستقلة تونس 1 ، الظروف التي حفت بمشاركة تلك القائمة في الانتخابات التشريعية التي جرت عام 1989 والتي بدت وفق تعبيره، "جلية" في الأيام الأخيرة للحملة الانتخابية ويوم الاقتراع وخلال عمليات التصويت والفرز، معددًا في هذا الإطار، جملة التجاوزات التي تمت معاينتها من قبل مراقبي تلك القائمة أو من طرف أعضاء القائمة التي ضمت في غالبيتها رجال قانون.
وصرح خذري، بأن قائمته كانت ستفوز في تلك الدائرة بنحو 66 في المائة من أصوات الناخبين في حوالي نصف مكاتب الانتخابات، في تلك الدائرة التي ضمت 11 معتمدية، أما الجنيدي عبد الجواد ،المسؤول في الحزب الشيوعي التونسي "حركة التجديد لاحقًا"، فقد تطرق من جهته، إلى التجاوزات التي رافقت مشاركات حزبه في عدد من الانتخابات الرئاسية والتشريعية في تونس في سنوات 1981 و 1989 و 2004 و 2009 ، والمضايقات والتعطيلات التي طالت أعضاء القائمات الانتخابية أو المرشحين للرئاسيات، وهما تباعًا محمد علي الحلواني "2004" و أحمد إبراهيم "2009"، مشددًا على أن "ماكينة تزوير الانتخابات وتغيير إرادة الناخبين كانت متواصلة في تونس منذ عام 1956 إلى غاية انتخابات الأخيرة التي جرت 2009"، على حد قوله.
واستمع الحاضرون في جلسة الاستماع العلنية أيضًا، إلى شهادة منجي اللوز، عضو المكتب التنفيذي للحزب الجمهوري، و العضو بالحزب الاشتراكي التقدمي سابقًا، الذي سرد جملة التضييقات التي طالت حزبه لدى مشاركته في انتخابات 1989 ، من خلال الكشف عن هويات مزكي المترشحين، وملاحقة أنصار الحزب أمنيًا وحرمانهم من الخدمات التي تقدمها اجهزة الدولة.
وأضاف أن انتخابات 1994 شهدت إسقاط بعض قائمات الحزب الاشتراكي التقدمي "جراء ممارسة الضغوط على المترشحين"، في حين أسقطت 7 قوائم من جملة 24 قائمة تقدم بها الحزب في تشريعيات 2004. كما تم إسقاط كل القوائم في انتخابات 2009 "لأسباب واهية وغير جدية"، وتعطيل إصدار البيانات الانتخابية وحملات الحزب وغيرها، وفق تعبيره.
من ناحيته، تحدث القيادي بحزب التكتل من أجل العمل والحريات، خليل الزاوية، عن المضايقات و التعطيلات التي واجهها حزبه في انتخابات عام 2009 الرئاسية والتشريعية، مما أدى الى إسقاط 8 قائمات من أصل 11 قائمة قدمها حزب التكتل في الانتخابات التشريعية عام 2009 ، بالإضافة إلى "اقصاء" رئيس الحزب مصطفى بن جعفر، من المشاركة في السباق الرئاسي بتعلة عدم توفر أحد شروط الترشحات.
واستمع الحاضرون، إلى شهادة عمار السوفي وهو معلم تطبيق، شارك في المحطات الانتخابية لأعوام 1994 و1999 و 2004 تارة بصفته نائب رئيس وتارة أخرى بصفته رئيس مكتب اقتراع في جهة باردو، وسرد السوفي جملة التجاوزات التي رصدها بحكم مسؤولياته حينها في مكاتب الاقتراع، وخلال عمليات التصويت و تحرير المحاضر و أثناء عمليات الفرز.
وتضمنت جلسة الاستماع كذلك، تسجيلًا لشهادة أدلى بها محمد الغرياني، آخر أمين عام لحزب التجمع الدستوري الديمقراطي المنحل، والذي تولى هذا المنصب من 2008 الى 2011، حيث عن "عمليات التنسيق التي كانت تتم بين مؤسسة الرئاسة ووزارة الداخلية" بعيدًا عن حزب التجمع، في توزيع و تقسيم الخارطة السياسية بين الحزب الحاكم آنذاك و بقية الأحزاب المشكلة للمعارضة، وذلك في انتخابات 2004 و 2009 .
وتحدث الغرياني أيضًا، عن طريقة تعامل وسائل الإعلام خلال تلك الانتخابات مع الحملات الانتخابية للأحزاب المترشحة أنذاك، حيث يتم "تضخيم أحزاب وتقزيم أخرى"، على حد تعبيره، وتم في ختام جلسة الاستماع العلنية لهيئة الحقيقة والكرامة، بث شريط وثائقي بشأن تزييف إرادة الناخبين في الاستحقاقات الانتخابية التي شهدتها تونس قبل اندلاع ثورة 2011.
أرسل تعليقك