شارك عشرات المتشددين إلى جانب مؤيدي تنظيم "داعش"، في عمليات قتال ضد قوات الأمن في جنوب الفلبين، وسط تنبيه إلى تحول المنطقة المضطربة إلى مركز آسيوي للتنظيم الإرهابي. وأوضح مصدر من المخابرات الفلبينية، أن قرابة 40 مقاتلا جاءوا في الفترة الأخيرة من الخارج، وبعضهم أتى من دول في الشرق الأوسط. وحسب ما نقلت صحيفة "نيويورك تايمز" عن مصدر مطلع، فإن ما بين 400 و500 مقاتل اجتاحوا مدينة "ماراوي" في جزيرة مينداناو. ولفت المصدر الى أن من بين المتشددين، إندونيسيين وماليزيين وباكستانيا واحدا على الأقل، وشيشانيا ويمنيا وهنديا ومغربيا وشخصًا واحدا يحمل جواز سفر تركيا.
ويرى روحان جوناراتنا، الخبير الأمني في كلية "اس راجاراتنا" للدراسات الدولية في سنغافورة أن تنظيم "داعش" يتقلص في العراق وسورية ويتناثر في مناطق من آسيا والشرق الأوسط". وتعاني جزيرة مينداناو منذ عشرات السنين انتشار العصابات والمتمردين المحليين والحركات الانفصالية. ونبه مسؤولون منذ فترة طويلة إلى أن الفقر وغياب القانون والحدود غير المحكمة لجزيرة مينداناو التي تقطنها أغلبية مسلمة، أمور ترشحها لتتحول إلى قاعدة للمتشددين من جنوب شرق آسيا ومن خارجها، خاصة مع طرد مقاتلي داعش من العراق وسورية. وأعلن داعش والجماعات المرتبطة به مسؤوليته عن عدة هجمات في مختلف أرجاء جنوب شرق آسيا في العامين الماضيين، لكن المعركة في مدينة ماراوي كانت أول مواجهة طويلة مع قوات الأمن.
بدوره، الخبير في شؤون الإرهاب المقيم في جاكرتا، سيدني جونز، قدم لـ"النيويورك تايمز" بعض الرسائل الحديثة المتبادلة في غرفة دردشة على تطبيق تليغرام للتراسل الذي يستخدمه أنصار "داعش". وفي إحدى هذه الرسائل كتب أحد المستخدمين يقول إنه في قلب مدينة ماراوي، حيث يمكنه رؤية أفراد الجيش "يركضون مثل الخنازير" و"دماؤهم القذرة تختلط بجثث القتلى من زملائهم"، بينما طُلب من آخرين في المجموعة نقل هذه المعلومات لوكالة أنباء "أعماق" الناطقة بلسان "داعش"، في حين ورد مستخدم آخر، قائلاً "الهجرة إلى الفلبين…الباب مفتوح". وقد دفع القتال في المدينة الفلبينية رئيس البلاد، رودريجو دوتيرتي، إلى فرض الأحكام العرفية في جزيرة مينداناو التي تماثل كوريا الجنوبية في الحجم ويقطنها نحو 21 مليون نسمة.
وجاء في إفادة من المخابرات أطلعت عليها "رويترز" أن السلطات في جاكرتا تعتقد أن 38 إندونيسياً سافروا إلى جنوب الفلبين للانضمام إلى الجماعات التابعة لـ"داعش"، وأن نحو 22 منهم شاركوا في القتال في مدينة ماراوي. لكن مصدرا من جهة إنفاذ القانون في إندونيسيا طلب عدم نشر اسمه، قال إن العدد الفعلي للإندونيسيين الذين شاركوا في المعارك قد يزيد عن 40 مقاتلاً. ويعتقد المسؤولون في إندونيسيا أن بعض المتشددين ربما تسللوا إلى مدينة ماراوي تحت غطاء التجمع السنوي لجماعة التبليغ قبل أيام من بدء القتال. وتعتبر جماعة التبليغ، جماعة دعوية لا تعمل بالسياسة.
وقال مصدر إندونيسي من مكافحة الإرهاب لرويترز، إن السلطات شددت المراقبة على الطرف الشمالي من منطقتي كاليمانتان، وسولاويسي، لمنع مقاتلين محتملين من السفر بحراً إلى جنوب الفلبين، ولمنع تدفق آخرين يفرون من الهجوم في مدينة ماراوي. وأوضح المصدر إن المسافة بين ماراوي، والأراضي الإندونيسية تقطع في خمس ساعات فقط. وتابع "يجب ألا نصل إلى النقطة التي يعبرون فيها إلى أراضينا وينفذون مثل هذه الأنشطة". وحدد رئيس وحدة مكافحة الإرهاب في الشرطة الماليزية أيوب خان ميدين بيتشاي أسماء أربعة ماليزيين، سافروا إلى مينداناو للانضمام للمقاتلين، وقال إن من بينهم محمود أحمد، المحاضر بالجامعة في ماليزيا المتوقع أن يتولى قيادة التنظيم في جنوب الفلبين إذا قُتل هابيلون.
وكان "داعش" احتل مدينة "ماراوي" الواقعة جنوب الفلبين بعد هجوم مفاجئ لخلايا تابعة له داخل المدينة في إشارة إلى أن التنظيم المتشدد ينوي نقل خلافته المزعومة إلى الشرق الاسيوي بعد هزيمته في العراق وسورية. ورغم محاولات "داعش" بسط نفوذه في الفلبيين الا انه لم يستطع أن يستخدم "البروباغندا" لصالحه مثلما تعود، حيث لا نكاد نجد معلومات أو مقاطع مصورة عن تواجده في هذا البلد الاسيوي، تضم عدد مقاتليه أو نشاطاته او هجماته، في ظاهرة يفهمها المراقبون بعدم تفرغ التنظيم الكلي لهذه المنطقة وانشغاله ببؤر التوتر في كل من سوريا والعراق على وجه الخصوص. الفلبين التي تعد من أكثر الدول غير الإسلامية التي نمت فيها التنظيمات المتشددة منذ أكثر من ثلاثين سنة، كانت أراض خصبة نوعا ما لداعش، الذي له انتشار وأجهزة تحسس عالمية للأزمات تمكنه من تحديد بؤر التوتر والتدخل في التفاصيل وتحويل الصراعات إلى حسابه. وهو ما يفعله من حين الى اخر في الفلبيبين مقتنصا الفرص لاطلاق ضربات باسمه.
إن تاريخ "داعش" في الفلبين ليس بالبعيد ويمكن اختزاله في جماعة أبو سياف بالدرجة الأولى التي أعلنت رسميا عن انتماءها لداعش عام 2015. وتعد جماعة أبي سياف مجموعة متطرفة كانت انشقت عام 1991 عن جبهة تحرير مورو، التي قادت حربا ضد القوات الحكومية لعدة عقود للحصول على حكم ذاتي في هذه المنطقة، وتمثل القوام الرئيس للمتمردين في أرخبيل مندناو جنوب الفلبين. وقد أسس هذه الجماعة المتطرفة عبد الرزاق أبو بكر جنجلاني الذي تلقى تعليمه في ليبيا، حيث عاش فترة من الوقت قبل أن يعود إلى بلاده ليقود هذا الفصيل المتطرف حتى مقتله في اشتباك مع وحدة أمنية فلبينية عام 1998، ليخلفه شقيقه الأصغر، قذافي جنجلاني الذي قتل بدوره عام 2007. ومع شح المعلومات عن عدد مقاتلي داعش في الفلبين، روّج التنظيم مؤخرا لمعلومات عن نشاطات الجماعات المسلحة التابعة له في الفلبين، وادعى أن قواته هناك تضم عشر كتائب، وأن مسلحيه قتلوا حوالي ثلاثمئة جنديا فلبينيا منذ بداية 2015.
وأشارت التقارير الى ان المتشددين في الفيلبين يعتمدون على الخطف والابتزاز للحصول على الفدية، في مؤشر يشي بأن تنظيم داعش عازم هذه الفترة على التغلغل في جنوب الفلبين خاصة مع تمكنه من جمع معظم الكتائب المقاتلة تحت لوائه، وهو ما يعني أن حربا من نوع جديد مرشحة للاندلاع في أدغال مندناو.
واخيرا خاضت القوات الفلبينية حرب مدن شرسة اليوم الأحد، مع فلول تحالف من المتشددين الموالين لتنظيم داعش في حين يسعى الجيش لإنهاء أكبر أزمة أمنية تشهدها البلاد منذ سنوات. ويقاتل عدد يقدر بنحو 30 شخصاً، بعضهم مسلحون وبعض أفراد أسرهم، متحصنين بمبنى من طابقين قرب بحيرة لاناو في مدينة ماراوي، ويبدو أنهم مستعدون للقتال حتى الموت وفقاً لما ذكره نائب قائد العمليات. وقال الكولونيل روميو براونر في مؤتمر صحافي "هناك مبنى واحد وهم بداخله"، وأضاف: "أعتقد أن هؤلاء من قرروا القتال حتى النهاية، لأنهم يعتقدون أنهم إذا قتلوا سيدخلون الجنة". وتابع براونر إن الجنود يستخدمون مكبرات الصوت لحثهم على الاستسلام وتوقع أن يستمر القتال حتى منتصف الليل. وقال إنهم لا يعرفون أعداد القتلى والأحياء داخل المبنى.
وفاجأ حصار ماراوي الفلبين وأثار مخاوف أوسع نطاقاً، من أن يكون أنصار تنظيم داعش قد تعلموا كيفية الانتشار في المناطق المسلمة الفقيرة في جزيرة مينداناو واستخدام الغابات والجبال كمنصات لشن هجمات. وتعززت هذه المخاوف بقدرة المتمردين في ماراوي على تجنيد شبان للقتال وجمع مخزونات ضخمة من الأسلحة وتحمل هجوم بري وغارات جوية على مدى 5 أشهر، أدت إلى تدمير المدينة. وحقق الجيش مكسباً كبيراً الأسبوع الماضي، بقتله أمير تنظيم "داعش" في جنوب شرق آسيا إسنيلون هابيلون، وزعيم جماعة ماوتي المتشددة عمر الخيام ماوتي. وذكر الجيش أن من المرجح مقتل قيادي آخر من المتمردين يحتمل أن يكون ممول العملية وهو الماليزي محمود أحمد. وقال براونر إن السلطات تعتقد أن عناصر أجنبية موجودة ضمن المجموعة التي مازالت تقاتل ومن الواضح أن هناك فراغاً في القيادة الآن، وأضاف "في هذه المرحلة لا نعرف من هو القائد فعلاً". وتابع: "قواتنا الحكومية ستحاول بذل ما في وسعها لإنهاء القتال اليوم". وبدأت القوات انسحابًا تدريجيا وقد تسمح السلطات قريبا لبعض السكان بالعودة إلى ديارهم التي لم تدمرها الحرب التي أدت إلى نزوح 300 ألف شخص على الأقل. وقتل أكثر من ألف في الصراع أغلبهم من المتشددين. وتفيد تقديرات الحكومة أن إعادة إعمار المدينة سيتكلف 50 مليار بيسوس على الأقل.
أرسل تعليقك