كتب أفيشاي ميلشتاين على صفحة "فيسبوك" خاصة بالإسرائيليين الذين يعيشون في برلين، بعدما نجح التيار اليساري المتطرف في البرلمان الألماني والذي كان حزبًا محظورًا بعد الحرب العالمية الثانية وحصل على كتلة في البرلمان "آن الأوان بأن نجمع امتعتنا ونرحل" ومن هنا يتبدي خطر صعود التيار اليساري الألماني على المواطنين الإسرائليين الذين يعيشون في ألمانيا.
وعبّر رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو عن قلقه من نمو معاداة السامية وسط تيارات اليسار واليمين في ألمانيا وذلك أثناء مكالمة هاتفية الثلاثاء لتهنئة المستشارة الألمانية أنغيلا ميركل بعد انتخابات احتفظت لها بالسلطة لكنها جاءت باليمين المتطرف إلى البرلمان، ولا يزال تكتل المحافظين بزعامة ميركل هو الأكبر في مجلس النواب الألماني لكنه خسر دعما في انتخابات الأحد لصالح اليمين المتطرف وقد يحتاج لتشكيل ائتلاف مع حزب الخضر وأحزاب ليبرالية،كما عبّرت جماعات يهودية في أوروبا والولايات المتحدة عن قلقها من نجاح "حزب البديل" القومي في انتخابات الأحد وحثت الأحزاب الأخرى على عدم تشكيل تحالفات معه، وتعهدت هذه الأحزاب بعدم التعامل مع الحزب اليميني.
ويقول "حزب البديل" من أجل ألمانيا، الذي اكتسب تأييدا قبل عامين منذ أن فتحت ميركل حدود ألمانيا لأكثر من مليون مهاجر هربوا في الأساس من حروب في الشرق الأوسط ، إن الهجرة تشكل خطرا على ثقافة ألمانيا لكنه ينفي عن نفسه تهمتي العنصرية ومعاداة السامية،
ولم يذكر بيان صدر عن مكتب نتنياهو حزب البديل من أجل ألمانيا بالاسم في دعوته لحكومة ميركل المقبلة "لتعزيز القوى في ألمانيا التي تقبل المسؤولية التاريخية" عن محارق النازي، وقال البيان إن نتنياهو "هنأ ميركل على انتصارها" وعبر عن ثقته في أن "العلاقات المميزة بين ألمانيا وإسرائيل ستقوى وتزدهر تحت قيادتها"، وتتولى ميركل منصب المستشارية منذ 2005، وفي البيان، وهو ملخص قدمه نتنياهو لحكومته بشأن محادثته مع ميركل، أشار الزعيم الإسرائيلي المحافظ إلى أن معاداة السامية ليست مقصورة على اليمين، وقال البيان دون أن يذكر أي أحزاب بالاسم "إسرائيل قلقة من تصاعد معاداة السامية في السنوات الأخيرة بين عناصر سياسية في اليمين واليسار وأيضا بين عناصر إسلامية".
ويعيش في ألمانيا نحو 200 ألف يهودي واكتسبت سمعة في العقود الأخيرة كبلد متسامح وآمن بالنسبة لهم، لكن البيانات تظهر أن جرائم معاداة السامية التي تم إبلاغ الشرطة الألمانية بها ارتفعت بواقع 4% لتصل إلى 681 جريمة في الأشهر الثمانية الأولى من 2017 مقارنة بالفترة ذاتها من العام الماضي، فيما لم يظفر حزب البديل من أجل ألمانيا بأصوات كافية للسيطرة على الحكومة في أي من الولايات الثلاث، ولكنه أضحى الآن يحوز حضورًا قويًا ضمن السلطة التشريعية في كل ولاية من الولايات الثلاث، وفي الواقع، تمثل النتائج الأخيرة أفضل نتيجة يحصل عليها حزب يميني متطرف في أي انتخابات الألمانية عُقدت منذ انتهاء الحرب العالمية الثانية، لنكون صريحين، لا تشابه سياسة حزب البديل من أجل ألمانيا سياسية النازيين السامة، ولكن صعوده يُشكّل علامة فارقة مثيرة للقلق بالنسبة لألمانيا، وللغرب بشكل عام، وإليكم الأسباب:
1- تنامي شعبية حزب البديل من أجل ألمانيا في الداخل الألماني أمر مخيف للغاية
زعيمة حزب البديل لأجل ألمانيا فروك بيتري، أكبر استنتاج يمكن أن نستخصله من نتائج الانتخابات الأخيرة يبدو واضحًا، فهناك صعود مقلق لحزب يميني في أهم بلد في منطقة اليورو، وقد بدأ حزب البديل من أجل ألمانيا حياته السياسية في عام 2013 كحزب هامشي معارض للاتحاد الأوروبي، ومن ثم ارتفعت شعبيته في الأشهر القليلة الماضية؛ فمنذ نوفمبر، أظهرت استطلاعات الرأي بأن الحزب أضحى ثالث أكثر الأحزاب شعبية في البلاد، السبب الرئيسي لصعود الحزب يبدو واضحًا للعيان: أزمة اللاجئين وتزايد المشاعر المعادية للمهاجرين.
تتمثل السياسات الأساسية التي يقيم عليها حزب البديل من أجل ألمانيا حملته بعكس سياسات الهجرة المفتوحة نسبيًا التي تنتهجها ميركل وعكس سياسات استقبال اللاجئين، حيث اقترح الحزب إغلاق الحدود الألمانية بوجه المهاجرين الجدد، تعليق حق اللجوء، وإنهاء سياسة فتح الحدود الداخلية ما بين بلدان الاتحاد الأوروبي، التي تسمى بالشنغن0
زعيمة الحزب، فروك بيتري، تدافع عن هذه السياسات باستخدام لغة يمكن اعتبارها بأحسن الأحوال وطنية، وفي أسوئها عنصرية صريحة، "حثت بيتري الألمان على إنجاب ثلاثة أطفال للحد من الحاجة إلى الهجرة" أشار تقرير في صحيفة بلومبرغ، وتابع التقرير موضحًا: "وأشارت بأن السياسة الألمانية يحركها الشعور بالذنب من الهولوكوست"، وفي أواخر شهر يناير/كانون الثاني، صرّحت بيتري بأن على الشرطة الألمانية "أن تمنع المرور من المعابر الحدودية غير الشرعية مستخدمة الأسلحة النارية إذا لزم الأمر"، وكان من المتوقع أن يسفر تصريحها بإطلاق النار على المهاجرين واللاجئين عن انخفاض شعبية الحزب، ولكن بدلًا من ذلك أشارت صحيفة دير شبيغل مقتبسة من ملاحظات الحزب، بأن أرقامه تصاعدت بشكل أكبر.
صعود الحزب مخيف بما فيه الكفاية لدرجة أن وزير العدل الألماني ناقش علنًا ما إذا كان يتوجب على مكتب الـBFV، وهو المعادل الألماني لمكتب التحقيقات الفيدرالي الأميركي، أن يراقب الحزب لمعرفة ما إذا كان غير دستوريًا؛ فالمادة 21 من الدستور الألماني تحظر الأحزاب التي "تسعى إلى تقويض أو إلغاء النظام الأساسي الديمقراطي الحر".
"حزب البديل من أجل ألمانيا أصبح حوض تجمع للمتطرفين اليمينيين، ولأنصار معادي اللاجئين، ومثيري قلاقل الإسلاموفوبيا" أوضحت دير شبيغل، وتابعت: "وجود الحزب، وتزايد شعبيته، يثير التساؤلات حول ما إذا كانت ألمانيا قد تعلمت حقًا من الدروس المستفادة من الحرب العالمية الثانية والدكتاتورية النازية"، ولأسباب واضحة، كانت الأحزاب اليمينية المتطرفة في حقبة ما بعد الحرب العالمية بألمانيا تعد من المحرمات، فرغم وجودها على أرض الواقع بالتأكيد، إلا أنها لم تستطع، حتى وقت قريب، أن تستقطب مستويات عالية من الدعم الشعبي، وحقيقة أن أحد هذه الأحزاب آخذ في الصعود، ويظفر على أرض الواقع بنسبة أصوات مهمة في الانتخابات، تشير إلى أن الإجماع الليبرالي ضمن السياسة الألمانية قد لا يكون قويًا كما كان يُعتقد سابقًا.
"قبل الآن، نادرًا ما فازت الأحزاب الشعبية أو التي تحفز على كراهية الأجانب في ألمانيا بأكثر من 5% من الأصوات"، كتبت جودي ديمبسي، وهي باحثة بارزة في جامعة كارنيجي بأوروبا، بعد التصويت، وتابعت: "ولكن نجاح حزب البديل من أجل ألمانيا غيّر ذلك، على الأقل في الوقت الراهن".
2- تنامي صعود الأحزاب اليمينية المتطرفة في الغرب بشكل عام
الفوز الكبير لحزب البديل من أجل ألمانيا يؤكد على اتجاه مهم للغاية آخذ بالاطراد ضمن سياسات الدول الغربية الحديثة يتمثل بتنامي صعود الأحزاب اليمينية المتطرفة في جميع أنحاء أوروبا، وقد نشرت صحيفة دير شبيغل مخطط إنفوجرافيك يوضح هذه النقطة بشكل ممتاز، حيث يوضح الرسم أدناه البلدان التي تتمتع فيها أحزاب اليمين المتطرف بوجود في البرلمان، ممثلة بالنقاط الصفراء، أو بوجود ضمن ائتلاف حكومي، ممثلة بالنقاط الحمراء، ويتبين من الرسم بأن أحزاب اليمين المتطرف التي تنتهج سياسات معاداة الأجانب شهدت صعودًا في بلدان مختلفة ومتنوعة كالسويد، المملكة المتحدة، هولندا، والمغر.
ربع مليون يهودي يعيشون في ألمانيا، لا بد أن معظمهم تنحنحوا حين سمعوا بأن الحزب اليميني المتطرف البديل لألمانيا فاز بـ 13 من مئة من أصوات الناخبين في الانتخابات التي أجريت أمس الأول، أما الاغبياء من بين يهود ألمانيا فتنفسوا الصعداء: النازيون لا يعودون غلى الحكم بعد، ولا النازيون الجدد أيضا، في هذه الأثناء هذا مجرد الحزب الثالث في حجمه في ألمانيا، أما الواعون من بينهم فتنحنحوا متأوهين، فهم يتذكرون بأن الحزب القومي الاشتراكي لهتلر هو الآخر راوّح في المكان في أربع حملات انتخابية جرت بين 1924 و 1930، وفقط عندها، بعد الأزمة الاقتصادية الكبرى في عام 1929، أصبح الحزب الثاني في حجمه، مع 18 من مئة من أصوات الناخبين، وفي غضون سنتين أصبح هتلر المستشار وفاز حزبه بثلث أصوات الناخبين، لقد فهم اليهود الواعون بأنه ربما “البديل” من شأنه بالتأكيد أن يصبح ألمانيا الجديدة القديمة.
لا يمكنني أن أضع نفسي في مكان أي يهودي يعيش في ألمانيا، بالفعل الاقتصاد نامٍ، الديمقراطية مزدهرة، الثقافة تبلغ الذرى، ولكن كل هذه مقيتة في نظري حين يدور الحديث عن ألمانيا والألمان، أعرف: يوجد بينهم بالتأكيد يهود شيوخ اختاروا أن يموتوا في موطنهم، وهم يعيشون من أموال إيجاراتهم وينتظرون موتهم في دور العجزة، كاولئك الذين كانوا واثقين من أنهم غير قادرين على أن يعيشوا في أي مكان آخر، يوجد بينهم لاجئو الإبادة من بلدان أوروبا أو أنسالهم ممن انغرسوا في المكان الأول الذي عرض عليهم مأوى ورزقا بعد الخراب، إذ يوجد في ألمانيا نصب تذكارية رائعة لذكرى يهود ألمانيا الذين طردوا أو أبيدوا، ونفي الكارثة هو جريمة جنائية، والتضامن معهم غير ممكن بل بالكاد التفهم لهم، ولكن لا يمكن حتى البدء بفهم العشرين ألف إسرائيلي ممن هاجروا من إسرائيل إلى ألمانيا طوعا، من أجل المال السهل فعلوا هذا، من أجل السكن الزهيد والمَلِكِي والكوتيج (اللبن المحلى والجبن المخثر)، أو من أجل السباحة في بحيرات الثقافة المتطورة للألمان، من أجل العيش تحت أكناف الديمقراطية الألمانية الرائعة في نظرهم، والحقيقة جديرة بأن تقال ـ معظم الإسرائيليين المهاجرين إلى ألمانيا فعلوا ذلك لأسباب مادية، وأولئك الذين فعلوا ذلك لأسباب ايديولوجية هم من أهل اليسار الاشوة والاعوج، في نظري، هؤلاء وأولئك معوقون عاطفيا.
الديمقراطية الألمانية، مع خطابها عن حقوق الإنسان، هي التي فتحت بوابات ألمانيا في السنة الأخيرة أمام مليون مهاجر، معظمهم مسلمون من الشرق الأوسط، وموجة المهاجرين هذه هي التي جعلت البديل الألماني الحزب الثالث في حجمه، وكراهية المهاجرين التي ارتبطت بسهولة بأيديولوجيا هذا الحزب أصبحت شعارات لعضو الحزب وممثله الجديد في البوندستاغ فيلهلم فون غوتبرغ، الذي يدعو إلى وقف “عبادة الذنب” الألمانية، أو الكسندر غولاند، رقم اثنين في الحزب، الذي يدعو الألمان اليوم لأن يكونوا فخورين بجنود ألمانيا في أيام الحرب العالمية الثانية، ديتلف شبننبرغ، زعيم آخر، يدعو إلى العودة إلى حدود ألمانيا في 1937 ومارتين هومن قال إنه ليس عادلا أن يعرض الألمان كـ “شعب قتلة” بسبب جرائم النازية، في الوقت الذي لا يتحدث فيه أحد على القتلة اليهود من الثورة الروسية.
وعندما ينضم أولئك إلى حزب اليسار المتطرف “دي لينكا” ـ الذي فاز بـ 9 من مئة من أصوات الناخبين ويؤيد حماس، ويرسل ممثلية إلى سفينة مرمرة ويعبر عن كراهية فظة لإسرائيل ـ وبالخضر (9 من مئة) ممن الكثير منهم أعداء صريحون لدولة إسرائيل ومؤيدي الحزب النازي الجديد الذي لم يجتز نسبة الحسم ـ فنحو ربع مواطني ألمانيا اليوم هو لاساميون صرف، والكثيرون اكثر من ذلك كارهون لدولة إسرائيل، ولكن كل هؤلاء على ما يبدو لا يمنعون الإسرائيلي الذي هاجر إلى ألمانيا من أن يحلم بالمواطنة الألمانية ويعجب بألمانيا، في الوقت الذي يشجب فيه إسرائيل على “الاحتلال” وعلى أسعار السكن، فعندما يدخل إلى القاطرة النظيفة في القطار في ألمانيا، التي تختلف جدا عن تلك القاطرات إياها، يغرق وجهه المتنور في هاتفه المحمول ويتجاهل أن واحدا من كل أربعة من جيرانه في القاطرة يكرهونه، يكرهون شعبه ويكرهون بلاده، لا كالكلب الذي عاد إلى قيئه يتصرف هؤلاء الإسرائيليون بل كالقيء الذي عاد إلى الكلب الذي تقيأه.
أرسل تعليقك