أضواء مصرية على ضفة القناة

أضواء مصرية على ضفة القناة

أضواء مصرية على ضفة القناة

 العرب اليوم -

أضواء مصرية على ضفة القناة

مصطفى الفقي

لم يفرح المصريون كثيرًا عبر تاريخهم الطويل فاصطنعوا «النكتة» وبرعوا فيها لكى يضحكوا كثيرًا ويجلبوا البهجة والسرور حولهم بلا سبب حقيقى، المصريون عانوا من عسف الحكام وعرفوا الاستبداد والفساد وشعروا بالمعاناة فى ظل «الفرعون» ملكًا أو سلطانًا أو رئيسًا، إنه شعب جرى قهر إرادته وسرقة قوته عبر العصور أما آن الأوان له أن يفرح!؟ إن ذلك المخزون التاريخى من العذابات لابد له أن يجد متنفسًا فى مناسبة قومية أو ذكرى تاريخية، ويأتى افتتاح القناة الجديدة لكى يفرح المصريون، ويدركوا أن أمامهم مستقبلًا أفضل، وأبوابًا للأمل، وغدًا أكثر إشراقًا، سوف تتلألأ الأضواء فى افتتاح القناة الجديدة ولكن هذه المرة دون الخديو «إسماعيل» أو الإمبراطورة «أوجينى» إن الشعب هذه المرة هو صاحب الفرح، لم تعد الاحتفالات للحكام وحدهم ولكن لصانعى الحدث قبلهم، فالمصريون البسطاء هم الذين حفروا القناة الأولى والثانية أيضًا ولا عجب فهم الذين شيدوا «الأهرام» وبنوا «السد العالى» وبدأوا يفكرون لأول مرة خارج الصندوق الضيق، ولا شك أن حفر القناة الجديدة يعنى أن «مصر» تتحرك وترفض السكون والركود وتكسر الحواجز والقيود وتريد أن تبنى «قواعد المجد وحدها» بعد طول غياب عنها، إن كثيرًا من المعنيين بالشأن المصرى ــ تاريخيًا وتطورًاــ يقولون إنها تبدو كـ«الفيل» الضخم المحبوس فى حجرة ضيقة وقد آن الأوان لـ«الفيل» السجين أن ينطلق من موقعه وأن يبدأ مسيرة صعبة ولكنها ضرورية وأن يقتحم طرقًا وعرة ولكن لا غنى عنها، إن الأهمية الحقيقية لافتتاح هذه القناة ليست فقط شق شريان إضافى للنقل البحرى الدولى عبر التربة المصرية ولكنها قبل ذلك وفوقه هى تجسيد لميلاد إرادة حقيقية تقتحم المستقبل فى جسارة وجرأة لأن القناة ليست مجرد مجرى مائى ولكنها نمط جديد فى التفكير، فلقد قبلنا أن تظل «قناة السويس» الأولى لقرابة مائة وخمسين عامًا وهى مجرد ممر ملاحى فقط، ولم نفكر فى إحاطتها بالمناطق الحرة والاستثمارات الدولية الضخمة، ولم نخلق حولها مجتمعات جديدة تمتد عبر الضفة الشرقية فى «سيناء» واكتفينا بمدن قليلة وقرى صغيرة وأهدرنا قرنًا ونصفاً بلا عائد أو مقابل، وقد جاء الوقت لكى يفيق المصريون ويدركوا أن لديهم ثروات غير مستخدمةــ طبيعية وبشريةــ ولكن العقل المصرى الراكدـ رغم ذكائه المتقدـ ترك الأمور تجرى فى أعنتها دون أن يقدم جديدًا أو يكتشف مجهولًا فقد تعود المصرى تاريخيًا الاستسلام لحياة الدعة غير راغب فى التغيير أو مغامر نحو المجهول، وقد حان الوقت لكى يصحو المصريون من طول سبات وأن يكونوا تجارًا كما هم فلاحون وأن يكونوا عمالًا وليسوا عاطلين عن التفكير الواعى والعمل الجاد، إن افتتاح «قناة السويس الجديدة» يمثل أكبر نقطة تحول فى العقل المصرى بعد ثورة 25 يناير 2011 لأنها تعنى ببساطة أننا نفكر بطريقة مختلفة وبعقل أكثر انفتاحًا، وروح أكثر رحابة واتساعًا، ولن يكون للقناة الجديدة فوائد ملاحية واقتصادية مع جلب استثمارات أجنبية فقط ولكن لها فائدة أخرى بإيجاد حاجز مائى جديد عبر الصحراء ينشر العمران ويحمى الديار ويفتح أبواب الرزق، ولى هنا ملاحظات ثلاث:

أولًا: إن حفر القناة عمل فريد لأن الاكتتاب فيه جاء بأموال مصرية شارك فيها الفقراء قبل الأغنياء، كما أن كل مصرى ومصرية قد شعر بالارتباط المباشر بهذا العمل العملاق فى ظروف يحارب فيها الوطن أعداءه من الخارج والداخل، وسوف تتذكر الأجيال القادمة أننا قد حفرنا هذه القناة فى ظل ظروف دولية وإقليمية صعبة مع استهداف مباشر لاستقرار «مصر» وأمنها وتقدم شعبها كما أن لحفر هذه القناة دلالة أخرى وهى الرغبة فى الخروج من الوادى الضيق و«الدلتا» المكتظة إلى آفاق واعدة للإنتاج والاستثمار فى الشمال الشرقى للبلاد.

ثانيًا: إن القناة تثبت لغيرنا أننا شعب حى يجدد ما يملك ويستطيع عند اللزوم اختراق حالة السكون لكى يثبت للدنيا بأسرها أنه شعب البنائين وأنه لا يتوقف أبدًا عن تطوير حياته وتحديد مساره وتجديد روحه، إنه شعب صاحب عبقرية دائمة مهما طالت عليه يد البغى أو نالته خبطات من الداخل أو الخارج، إنه شعب عجوز عرف الدنيا فى طفولتها وعاش مع الدهر فى امتداد لا يتوقف وطريق طويل لا ينتهى.

ثالثًا: إن فرحة المصريين بشق هذه القناة هى استعادة للثقة فى الذات برغم مناخ الإحباط الذى يروج له البعض معتمدين على الممارسات الإرهابية التى تحصد الجنود وتقتل الأبرياء، وها هى الإرادة المصرية فى صعود والعقل المصرى الوطنى يمضى فى عناد وإصرار نحو غايات يتطلع إليها دون تردد أو اهتزاز، إنه الشعب الذى صنع الحضارات واحتضن الثقافات ورحب بالديانات.

إن الأضواء التى سوف تتلألأ على ضفتى القناة هى فرحة كبرى لشعب تعود دائمًا أن يصحو ليجد أمامه «سارق الفرح» فـ«مصر» دولة مرصودة وبلد محسود وليس فى ذلك استغراق فى الغيبيات بقدر ما هو شعور بأن «مصر» كيان عصى على أعدائه، قوى فى اللحظات الصعبة، يثور فى أوقات غير متوقعة، إنه شعب يصعب التنبؤ بما سوف يفعله لأن لديه مخزونًا حضاريًا ساكنًا لا يشعر به الآخرون إلا عند مفاجأة التغيير التى يقوم بها أو يسعى إليها المصريون كما أن قواتهم المسلحة تتميز عن كل جيوش المنطقة بالتجانس الكامل والانصهار الواضح فى بلد لم تمزقه الطائفية ولم تصنفه العشائرية ولم تحطمه الخلافات السياسية..... تحية لذلك الجندى المجهول والعامل المصرى الشريف ممن شقوا القناة فى أقل من عام وبهروا الدنيا لتسطع الأضواء من جديد حتى يفرح المصريون بعد طول عبوس، فالقناة إضافة جديدة لدولة عريقة عرفت أمجادها على امتداد تاريخها رغم الخطوب والندوب والمحن.

arabstoday

GMT 07:03 2024 الخميس ,21 تشرين الثاني / نوفمبر

صوت الذهب... وعقود الأدب

GMT 07:02 2024 الخميس ,21 تشرين الثاني / نوفمبر

أولويات ترمب الخارجية تتقدّمها القضية الفلسطينية!

GMT 07:01 2024 الخميس ,21 تشرين الثاني / نوفمبر

التسمم بالرصاص وانخفاض ذكاء الطفل

GMT 06:59 2024 الخميس ,21 تشرين الثاني / نوفمبر

عن تكريم الأستاذ الغُنيم خواطر أخرى

GMT 06:56 2024 الخميس ,21 تشرين الثاني / نوفمبر

الجائزة الكبرى المأمولة

GMT 06:54 2024 الخميس ,21 تشرين الثاني / نوفمبر

تنظيم «الإخوان» ومعادلة «الحرية أو الطوفان»

GMT 06:52 2024 الخميس ,21 تشرين الثاني / نوفمبر

لأميركا وجهان... وهذا وجهها المضيء

GMT 06:51 2024 الخميس ,21 تشرين الثاني / نوفمبر

أنا «ماشي» أنا!.. كيف تسلل إلى المهرجان العريق؟

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

أضواء مصرية على ضفة القناة أضواء مصرية على ضفة القناة



إطلالات هند صبري مصدر إلهام للمرأة العصرية الأنيقة

القاهرة ـ العرب اليوم

GMT 07:35 2024 الخميس ,21 تشرين الثاني / نوفمبر

قرية بورميو الإيطالية المكان المثالي للرياضات الشتوية
 العرب اليوم - قرية بورميو الإيطالية المكان المثالي للرياضات الشتوية

GMT 07:55 2024 الخميس ,21 تشرين الثاني / نوفمبر

الزرع الصناعي يضيف قيمة لديكور المنزل دون عناية مستمرة
 العرب اليوم - الزرع الصناعي يضيف قيمة لديكور المنزل دون عناية مستمرة

GMT 07:15 2024 الأربعاء ,20 تشرين الثاني / نوفمبر

فيتامين سي يعزز نتائج العلاج الكيميائي لسرطان البنكرياس

GMT 06:15 2024 الأربعاء ,20 تشرين الثاني / نوفمبر

1000 يوم.. ومازالت الغرابة مستمرة

GMT 09:46 2024 الخميس ,21 تشرين الثاني / نوفمبر

الفستق يتمتع بتأثير إيجابي على صحة العين ويحافظ على البصر

GMT 15:49 2024 الأربعاء ,20 تشرين الثاني / نوفمبر

الاتحاد الأوروبي يؤجل عودة برشلونة إلى ملعب كامب نو

GMT 14:52 2024 الأربعاء ,20 تشرين الثاني / نوفمبر

الرئاسة الفلسطينية تعلّق على "إنشاء منطقة عازلة" في شمال غزة

GMT 06:27 2024 الخميس ,21 تشرين الثاني / نوفمبر

الجيش الإسرائيلي يصدر تحذيرا لـ3 مناطق في جنوب لبنان

GMT 12:26 2024 الخميس ,21 تشرين الثاني / نوفمبر

الجنائية الدولية تصدر مذكرتي اعتقال بحق نتنياهو وغالانت

GMT 13:22 2024 الأربعاء ,20 تشرين الثاني / نوفمبر

الرئيس الإيراني يناشد البابا فرانسيس التدخل لوقف الحرب

GMT 13:29 2024 الأربعاء ,20 تشرين الثاني / نوفمبر

رئيس دولة الإمارات وعاهل الأردن يبحثان العلاقات الثنائية

GMT 14:18 2024 الأربعاء ,20 تشرين الثاني / نوفمبر

شيرين رضا خارج السباق الرمضاني 2025 للعام الثالث علي التوالي
 
syria-24

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Arabstoday Arabstoday Arabstoday Arabstoday
arabstoday arabstoday arabstoday
arabstoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
arabs, Arab, Arab